مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

تضمّنته الرواية ، فيجوز اشتراطه ، ثمّ إن وفي المقرض بالشرط ، سقطت عن المقترض ، وإلّا تعيّن عليه الإخراج ، وهو حسن (١). انتهى ما في المدارك.

وربّما يلوح من غير واحد من المتأخّرين الالتزام بلزوم الشرط بالمعنى المزبور ، والعبارة المحكيّة عن الشيخ أيضا غير آبية عن الحمل عليه ، إذ ليس فيها تصريح بسقوطها عن المقترض ، نعم ظاهرها ذلك.

وكيف كان ، فربّما يستدلّ له أيضا : بصحيحة عبد الله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ يقول : «باع أبي من هشام بن عبد الملك أرضا بكذا وكذا ألف دينار ، واشترط عليه زكاة ذلك المال عشر سنين ، وإنّما فعل ذلك ، لأنّ هشاما كان هو الوالي» (٢).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «باع أبي أرضا من سليمان بن عبد الملك بمال ، فاشترط في بيعه أن يزكّي هذا المال من عنده لستّ سنين» (٣).

وفيه : أنّ هاتين الروايتين لا تخلوان من الإجمال ، فإنّ من المستبعد جدّا تعلّق غرض الإمام ـ عليه‌السلام ـ بإبقاء ذلك المال بعينه مكنوزا عنده حتّى يحول عليه أحوال ، وصرف زكاته عن نفسه بوضعها على هشام ، المعلوم من حاله أنّه على تقدير أن يؤدّيها لا يضعها في موضعها ، فكأنّ المقصود بهذا الشرط دفع شرّه عن نفسه بالتزامه بأن لا يأخذ منه شيئا ممّا جرت عادتهم على أخذه من أموال المسلمين باسم الزكاة من غير ملاحظة

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٢٥ ، وانظر : المسالك ١ : ٣٨٨.

(٢) الكافي ٣ : ٥٢٤ / ٢ ، علل الشرائع : ٣٧٥ ـ ٣٧٦ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٢٤ / ١ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٢.

٣٢١

شي‌ء من شرائطها ، كالذي يأخذ العشّار من أموالهم.

مع إمكان أن يكون اشتراط الزكاة عليه ـ الراجع إلى التزامه بعدم أخذها منه ، كالتزامه بعدم أخذ الخراج والمقاسمة من أرض أقطعها له ـ موجبا لسقوطها ، فلا يقاس عليه اشتراطها على سائر الناس الذين ليس لهم الولاية على الصدقات ، كما ربما يشعر به قوله ـ عليه‌السلام ـ : «وإنّما فعل ذلك ، لأنّ هشاما كان هو الوالي».

ويحتمل أيضا أن يكون المراد بزكاة ذلك المال عشر سنين أو ست سنين : زكاته لما مضى من السنين التي كان ذلك المال مكنوزا عنده ، استظهارا في خلوص الثمن عن حقّ الفقراء.

وكيف كان ، فهاتان الصحيحتان من الأخبار المتشابهة التي يجب ردّ علمها إلى أهله.

فالذي يقتضيه التحقيق هو أنّه إن أراد القائل بلزوم الشرط ثبوت الزكاة على المقرض وسقوطها عن المقترض ، فهو فاسد ، لمخالفته للمشروع.

وإن أراد به المعنى الذي ذكره في المسالك ، أي : وجوب تحمّل المشروط عليه عن المديون بمقتضى شرطه ، فلا يبعد الالتزام بصحّته في الجملة ، كما اعترف به في المسالك (١) وغيره (٢) ، أخذا بعموم «المؤمنون عند شروطهم» (٣) وغيره ، فليتأمّل.

المسألة (الخامسة : من دفن مالا وجهل موضعه ، أو ورث مالا ولم يصل إليه ، ومضى عليه أحوال ، ثمّ وصل إليه ، زكّاه لسنة)

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٣٨٨.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ١٢٥.

(٣) التهذيب ٧ : ٣٧١ / ١٥٠٣ ، الإستبصار ٣ : ٢٣٢ / ٨٣٥ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب المهور ، الحديث ٤.

٣٢٢

واحدة (استحبابا) كما عرفته فيما سبق.

المسألة (السادسة : إذا ترك نفقة لأهله) نفقة سنتين أو ثلاث ، فما زاد (فهي معرّضة للإتلاف) بالإنفاق ، فإذا غاب عنها وأوكل أمرها إلى أهله والحال هذه ، خرجت عرفا عن تحت سلطنته ، فقد ضعفت علاقة ملكيّته بحيث لا تعدّ عرفا من أمواله الباقية تحت تصرّفه ، بل يراها العرف بحكم التالف.

ولعلّه لذا (تسقط الزكاة عنها مع غيبة المالك ، وتجب لو كان حاضرا) كما هو المشهور.

ويدلّ عليه أخبار مستفيضة.

(وقيل) والقائل ابن إدريس : (تجب فيها على التقديرين) (١).

(و) قد أشرنا إلى أنّ (الأوّل) مع كونه مشهورا (مرويّ) في عدّة أخبار :ففي موثّقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي الحسن الماضي ـ عليه‌السلام ـ قال : قلت له : رجل خلّف عند أهله نفقة ألفين لسنتين ، عليها زكاة؟قال : «إن كان شاهدا فعليه زكاة ، وإن كان غائبا فليس عليه زكاة» (٢).

وموثقة أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له :الرجل يخلّف لأهله نفقة ثلاثة آلاف درهم نفقة سنتين ، عليه زكاة؟قال : «إن كان شاهدا فعليها زكاة ، وإن كان غائبا فليس فيها شي‌ء» (٣).

__________________

(١) السرائر ١ : ٤٤٧.

(٢) الكافي ٣ : ٥٤٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٩٩ / ٢٧٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٤٤ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٥ / ٤٣ ، التهذيب ٤ : ٩٩ / ٢٨٠ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٣.

٣٢٣

وفي الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ في رجل وضع لعياله ألف درهم نفقة فحال عليها الحول ، قال : «ان كان مقيما زكّاه ، وإن كان غائبا لم يزكّه» (١).

وفي المدارك ، بعد أن استدلّ للمشهور بموثّقة إسحاق وأبي بصير ، قال : وفي الروايتين قصور من حيث السند ، فيشكل التعلّق بهما في إثبات حكم مخالف لمقتضى العمومات المتضمّنة لوجوب الزكاة في ذلك في حالتي الغيبة والحضور.

ومن ثم ذهب ابن إدريس ـ رحمه‌الله ـ في سرائره إلى وجوب الزكاة فيه إذا كان مالكه متمكّنا من التصرّف فيه متى رامه ، كالمودع والمكنوز.

والواجب المصير إليه إن لم نعمل بالرواية الموثّقة المؤيّدة بعمل الأصحاب (٢). انتهى.

وحيث تقرّر لدينا حجية مثل هذه الأخبار ، خصوصا بعد اعتضادها بعمل الأصحاب ، فلا يبقى مجال للاستشكال في الحكم المزبور.

وقد جعل العلّامة في التذكرة كونها معرضة للإتلاف بنفسه هو الدليل عليه (٣) ، فكأنّ وجهه ما تقدمت الإشارة إليه من أنه بعد أن دفع المال إلى الغير لينفقه في نفقته وغاب عنه ، خرج عرفا عن مصداق كونه عنده وفي يده بالمعنى الذي اعتبرناه في تعلّق الزكاة به ، وهو لا يخلو من وجه ، والله العالم.

المسألة (السابعة : لا تجب الزكاة حتّى يبلغ كلّ جنس) من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٤٤ / ٢ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٢.

(٢) مدارك الإحكام ٥ : ١٢٦ ـ ١٢٧ ، وانظر : السرائر ١ : ٤٤٧.

(٣) تذكرة الفقهاء ٥ / ٣٢.

٣٢٤

الزكوي بعينه (نصابا) كما يدلّ عليه الأدلّة الدالة على اعتبار النصاب في كل جنس.

(فلو) ملك جميع الأجناس و (قصر كلّ جنس) منها (أو بعضها) عن النصاب (لم يجبر بالجنس الآخر) بلا خلاف فيه بيننا على الظاهر.

بل في المدارك : هذا قول علمائنا أجمع ، حكاه في المنتهى ، ووافقنا عليه أكثر العامّة.

وقال بعضهم : يضمّ الذهب والفضّة ، لأنّهما متفقان في كونهما أثمانا.

وقال آخرون : يضمّ الحنطة والشعير ، لاشتراكهما في كونهما قوتا (١). انتهى.

ويدلّ عليه مضافا إلى عموم الأدلّة الدالّة على اعتبار بلوغ النصاب في كلّ جنس ، خصوص صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا ، أيزكّيهما؟ فقال : «لا ، ليس عليه زكاة في الدراهم ، ولا في الدنانير ، حتّى تتمّ» قال زرارة : وكذلك هو في جميع الأشياء.

وقال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل كنّ عنده أربع أنيق وتسع وثلاثون شاة ، وتسع وعشرون بقرة أيزكّيهنّ؟ قال : لا يزكّي شيئا منهنّ لأنّه ليس شي‌ء منهنّ تامّا فليس تجب فيه الزكاة» (٢).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٢٧ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٥٠٥ ، والمغني لابن قدامة ٢ : ٥٩٧ ـ ٥٩٨.

(٢) الفقيه ٢ : ١١ / ٣٢ ، التهذيب ٤ : ٩٢ / ٢٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٩ / ١٢٠ ، الوسائل ، الباب ١ و ٥. من أبواب زكاة الذهب والفضّة الحديث ١٤ و ١ ، والباب ١ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

٣٢٥

ولا يعارضها موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ قال : قلت له : تسعون ومائة درهم وتسعة عشر دينارا ، أعليها في الزكاة شي‌ء؟ فقال : «إذا اجتمع الذهب والفضّة فبلغ ذلك مائتي درهم ففيها الزكاة ، لأنّ عين المال الدراهم ، وكلّ ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات» (١) لقصورها عن المكافئة من وجوه.

هذا ، مع أنّه لم ينقل القول بمضمونها عن أحد منّا ، فيحتمل جريها مجرى التقية ، أو يكون المراد بها زكاة مال التجارة ، كما يناسبه ألفاظها.

واحتمل بعض (٢) كونها خاصّا بمن جعل ماله أجناسا مختلفة ، كل واحد منها أقلّ من النصاب فرارا عن الزكاة ، مستشهدا لذلك بموثّقته الأخرى عن أبي إبراهيم أيضا ، عن رجل له مائة درهم وعشرة دنانير ، أعليها زكاة؟ فقال : «إن فرّ بها من الزكاة فعليه الزكاة» (٣) الحديث.

وفيه ما لا يخفى من البعد ، بل إباء ألفاظ الرواية عنه.

وأمّا خبر الفرار فمحمول على الندب أو غيره من المحامل ، كما عرفته فيما سبق ، فراجع.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٦ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٩٣ / ٢٦٩ ، الإستبصار ٢ : ٣٩ / ١٢١ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٧.

(٢) هو الشيخ الطوسي في التهذيب ٤ : ٩٤.

(٣) التهذيب ٤ : ٩٤ / ٢٧٠ ، الإستبصار ٢ : ٤ / ١٢٢.

٣٢٦

(القول) (في زكاة الغلّات).

(والنظر : في الجنس والشرط ، واللواحق).

(أمّا الأوّل) (ف) قد عرفت ـ فيما سبق ـ أنّه (لا تجب الزكاة فيما يخرج من الأرض ، إلّا في الأجناس الأربعة : الحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، لكن تستحبّ فيما عدا ذلك من الحبوب ممّا يدخل في المكيال والميزان ، كالذرّة والأرز والعدس والماش ، و) كذا (السلت والعلس) بناء على خروجهما عن مسمى الشعير والحنطة.

(وقيل : السلت كالشعير ، والعلس كالحنطة في الوجوب).

والقائل بذلك الشيخ وجمع من الأصحاب ، كالحلّي ، والفاضل في بعض كتبه ، والشهيدين ، والمحقّق الثاني ، والميسي على ما حكي (١) عنهم.

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ٢٢٥ ، وانظر : المبسوط ١ : ٢١٧ ، والسرائر ١ : ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ، وقواعد الأحكام ١ : ٥٥ ، والبيان : ١٧١ ، ومسالك الأفهام ١ : ٣٩٠ ، وجامع المقاصد ٣ : ٢٢ ـ ٢٣.

٣٢٧

واستدلّ عليه بنصّ أهل اللّغة على أنّ العلس نوع من الحنطة ، والسلت نوع من الشعير.

ففي القاموس : السلت ـ بالضمّ ـ الشعير ، أو ضرب منه (١).

وفيه أيضا العلس ـ محرّكة ـ القراد وضرب من البرّ تكون حبّتان في قشر ، وهو طعام صنعاء (٢).

وفي الجمع : السلت ـ بالضمّ فالسكون ـ ضرب من الشعير لا قشر فيه ، كأنّه الحنطة ، تكون في الحجاز ، ثمّ نقل عن الأزهري أنّه قال : هو كالحنطة في ملاسته ، وكالشعير في طبعه (٣). انتهى.

وعن الصحاح قال : العلس ضرب من الحنطة حبّتان في قشر ، وهو طعام أهل صنعاء.

وقال أيضا : السّلت ـ بالضمّ ـ ضرب من الشعير ليس له قشر ، كأنّه الحنطة (٤).

وعن ابن الأثير في النهاية أنّه قال : السّلت ضرب من الشعير أبيض لا قشر له. وقيل : هو نوع من الحنطة ، والأوّل أصحّ ، لأنّه سئل عن بيع البيضاء بالسّلت ، فكرهه ، والبيضاء الحنطة (٥).

وعن الأزهري : العلس صنف من الحنطة يكون عنه في الكمام الحبّتان وثلاثة (٦).

__________________

(١) القاموس المحيط ١ : ١٥٠.

(٢) القاموس المحيط ٢ : ٢٣٢.

(٣) مجمع البحرين ٢ : ٢٠٥.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٠٦ ، وانظر : الصحاح ١ : ٢٥٣ و ٣ : ٩٥٢.

(٥) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٠٦ ، وانظر : النهاية ٢ : ٣٨٨.

(٦) كما في الجواهر ٥ : ٢٠٦ ، وانظر : تهذيب اللغة ٢ : ٩٦.

٣٢٨

وعن العين : السّلت شعير لا قشر عليه بالحجاز والغور يتبرّدون بالسويق منه في الصيف (١).

وعن المغرب : شعير لا قشر له ، يكون بالغور والحجاز (٢).

وعن المقاييس : السّلت ضرب من الشعير لا يكاد يكون له قشر ، والعرب تسمّيه العريان (٣).

ولكن مع ذلك كلّه لم يتحقّق اندراجهما في مسمّى الطبيعتين حقيقة (و) لذا ذهب المصنّف وغيره إلى أنّ (الأوّل أشبه) بل عن كشف الالتباس والمفاتيح نسبته إلى المشهور (٤) ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٥) ، فإنّ كلمات اللغويين لا تخلو من اختلاف.

فقد حكي عن ابن دريد أنّه قال : السّلت حبّ يشبه الشعير أو هو بعينه ، والعلس حبّة سوداء تخبز في الجدب أو تطبخ (٦).

وعن المغرب : العلس ـ بفتحتين ـ عن السوري والجوهري : حبّة سوداء إذا أجدب الناس طحنوها وأكلوها. وقيل : هو مثل البرّ إلّا أنّه عسر الاستنقاء ، تكون في الكمامة حبّتان ، وهو طعام أهل صنعاء (٧).

وعن المحيط : العلس شجرة كالبرّ إلّا أنّه مقترن الحبّ حبّتين حبّتين (٨).

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٦ ، وانظر : العين ـ للخليل ـ ٧ : ٢٣٧.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٦ ، وانظر : المغرب ١ : ٢٥٩.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٦ ، وانظر : معجم مقاييس اللغة ٣ : ٩٣.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٥ ، وانظر : مفاتيح الشرائع ١ : ١٩١.

(٥) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٥ ، وانظر : الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٤.

(٦) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٥ ـ ٢٠٦ ، وانظر : جمهرة اللغة ١ : ٣٩٨ و ٢ : ١٤١.

(٧) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٦ ، وانظر : المغرب ٢ : ٥٥ ، وفي الأول : عن الثوري. وفي الثاني عن الغوري بدل : السوري.

(٨) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٦.

٣٢٩

وعن الفائق : السلت حبّ بين الحنطة والشعير لا قشر له (١).

وربّما يظهر من جملة من الروايات الدالّة على استحباب الزكاة في سائر الحبوب ـ التي تقدّم ذكرها فيما سبق ـ مغايرة السّلت للشعير.

هذا ، مع أنّ الاعتماد على قول اللغويّين في مثل المقام لا يخلو من الإشكال ، فإنه إنّما يرجع إلى اللغة في تفسير مداليل الألفاظ لا في تحقيق ماهيّتها ، وليس الإشكال هاهنا في تفسير مفهوم السّلت والعلس ، ولا في مفهوم الحنطة والشعير ، إذ لا شبهة في أنّ الحنطة موضوعة لجنس هذا الذي يخبز ويؤكل ، وكذا الشعير موضوع لجنس هذا الذي يخبز ويؤكل ، ويعطى للدواب ، وهو ممّا يعرفه أهل كلّ لغة بلغته ، فليس الإشكال هاهنا في شرح الاسم الذي بيانها وظيفة أهل اللغة ، بل الإشكال في أنّ الماهيتين المسمّيتين بذلك الاسمين في العرف ، هل هما متّحدتان بالنوع مع ما يسمّى في العرف حنطة أو شعيرا ، أم مغايرتان لهما بالذات وإن تشابهتا في الصورة وبعض الخواص؟ولذا تردّد العلّامة في قواعده في إلحاق السّلت بالشعير أو الحنطة ، أو عدم الإلحاق بشي‌ء منهما ، فقال : العلس حنطة حبّتان منه في كما واحد على رأي ، والسّلت يضمّ إلى الشعير لصورته ، ويحتمل إلى الحنطة ، لاتفاقهما طبعا ، وعدم الانضمام (٢). انتهى.

وهذا مباين لما نقل عن الشيخ في الخلاف من أنّه قال : السّلت نوع من الشعير ، يقال : إنّه بلون الحنطة ، وطعمه طعم الشعير بارد مثله ، فإذا كان كذلك ضمّ إليه وحكم فيه بحكمه (٣). انتهى.

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ٢٠٦.

(٢) قواعد الأحكام ١ : ٥٥.

(٣) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ٢٠٧ ، وانظر : الخلاف ٢ : ٦٥ ، المسألة ٧٧.

٣٣٠

ومرجع هذا النحو من الاستدلال إلى استكشاف وحدة الطبيعة بوجود خاصيتها ، دون القياس وشبهه ، كما قد يتوهّم.

وكيف كان ، فلم يحصل الوثوق من شي‌ء ممّا ذكر بكون شي‌ء منهما مصداقا حقيقيّا لمفهوم الحنطة والشعير ، بحيث يتناوله إطلاق اسمه على الإطلاق ، فمقتضى الأصل براءة الذمّة عن وجوب الزكاة فيهما ، ولكن الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه ، خصوصا بالنسبة إلى السّلت الذي قد يغلب على الظنّ ـ بالنظر إلى كلما اللغويّين وغيرها من المؤيّدات التي منها تسميته في العرف شعير النبي ـ كونه قسما من الشعير ، والله العالم.

(أمّا الشرط)

(فالنصاب) وهذا ممّا لا شبهة فيه ، والنصوص الدالّة عليه متواترة (وهو خمسة أوسق) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل عن غير واحد (١) :دعوى الإجماع عليه.

(والوسق ستّون صاعا) بلا خلاف فيه أيضا نصّا وفتوى.

وممّا يدلّ على ما ذكر مضافا إلى عدم الخلاف في شي‌ء منه ، صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : «ما أنبتت الأرض من الحنطة والشعير والتمر والزبيب ما بلغ خمسة أوساق ، وأوسق ستّون صاعا ، فذلك ثلاثمائة صاع ، ففيه العشر ، وما كان منه يسقى بالرشاء والدوالي والنواضح ففيه نصف العشر ، وما سقت السماء أو السيح أو كان بعلا

__________________

(١) انظر : الخلاف ٢ : ٥٨ ، المسألة ٦٩ ، والغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٥ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ١٤٢ ، المسألة ٧٨ ، ومفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، صفحة ٩٣ ، ومدارك الأحكام ٥ : ١٣١ ، وجواهر الكلام ١٥ : ٢٠٧.

٣٣١

ففيه العشر تامّا ، وليس فيما دون الثلاثمائة صاع شي‌ء ، وليس فيما أنبتت الأرض شي‌ء إلّا في هذه الأربعة أشياء» (١).

وصحيحة سعد بن سعد الأشعري ، قال : سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ عن أقلّ ما تجب فيه الزكاة من البرّ والشعير والتمر والزبيب ، فقال : «خمسة أوساق بوسق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله» فقلت :وكم الوسق؟ قال : «ستّون صاعا» قلت : وهل على العنب زكاة ، أو إنّما تجب عليه إذا صيّره زبيبا؟ قال : «نعم ، إذا خرصه أخرج زكاته» (٢).

وصحيحة الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «ليس فيما دون خمسة أوساق شي‌ء ، والوسق ستّون صاعا» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة ـ التي سيأتي نقل جملة منها في طيّ المباحث الآتية ـ التي وقع فيها التصريح بأنّه ليس فيما دون الخمسة أوساق زكاة ، وفي جملة منها أيضا التصريح بأنّ الوسق ستّون صاعا.

وأمّا ما ورد في شواذ الأخبار من أنّ النصاب وسق ، كما في بعض منها ، كمرسلة ابن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الزكاة في كم تجب في الحنطة والشعير؟ فقال : «في وسق» (٤).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته في كم

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٣ / ٣٤ ، الإستبصار ٢ : ١٤ / ٤٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٤ / ٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ٤ : ١٨ / ٤٨ ، الإستبصار ٢ : ١٨ / ٥٤ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٦.

(٤) التهذيب ٤ : ١٨ / ٤٥ ، الإستبصار ٢ : ١٨ / ٥١ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٤.

٣٣٢

تجب الزكاة من الحنطة والشعير والزبيب والتمر؟ قال : «في ستّين صاعا» (١).

وفي بعض : «وسقان» كخبر أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : «لا تجب الصدقة إلّا في وسقين والوسق ستّون صاعا» (٢).

وخبره الآخر عنه أيضا ، قال : «لا يكون في الحبّ ولا في النخل ولا في العنب زكاة حتّى تبلغ وسقين ، والوسق ستّون صاعا» (٣).

وفي بعض منها لم يعتبر نصابا ، كموثّق إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم ـ عليه‌السلام ـ قال : سألته عن الحنطة والتمر عن زكاتهما ، فقال : «العشر ونصف العشر ، العشر ممّا سقت السماء ، ونصف العشر ممّا سقي بالسواقي» فقلت : ليس عن هذا أسألك ، إنما أسألك عمّا خرج منه قليلا كان أو كثيرا إله حدّ يزكّي ما خرج منه؟ فقال : «زكّ ما (٤) خرج منه ، قليلا كان أو كثيرا ، من كلّ عشرة واحد ، ومن كلّ عشرة نصف واحد» قلت : فالحنطة والتمر سواء؟ قال : «نعم» (٥).

فالأولى ردّ علمه إلى أهله ، بعد مخالفة هذه الأخبار بظاهرها للإجماع والنصوص المعتبرة المستفيضة إن لم تكن متواترة.

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١٤ / ٣٦ ، الإستبصار ٢ : ١٥ / ٤٢ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١٠.

(٢) التهذيب ٤ : ١٧ / ٤٣ ، الإستبصار ٢ : ١٧ / ٤٩ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ١.

(٣) التهذيب : ٤ : ١٧ / ٤٤ ، الإستبصار ٢ : ١٧ / ٥٠ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٣.

(٤) في التهذيب : يزكّى ممّا. وفي الاستبصار : يزكّى ما. وفي الوسائل كما في المتن.

(٥) التهذيب ٤ : ١٧ / ٤٢ ، الإستبصار ٢ : ١٦ / ٤٥ ، الوسائل ، الباب ٣ و ٤ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٢ و ٦.

٣٣٣

وقد حكي عن الشيخ وغيره حملها على الاستحباب (١) ، ولا بأس به في مقام التوجيه ، فإنّه أولى من الطرح ، وأنسب بما تقتضيه قاعدة المسامحة في أدلّة السنن ، فيحمل ما فيها من الاختلاف على اختلاف المراتب ، والله العالم.

(والصاع تسعة أرطال بالعراقي ، وستّة بالمدني) كما يدلّ عليه صريحا خبر جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني ، قال : كتبت إلى أبي الحسن ـ عليه‌السلام ـ على يدي أبي : جعلت فداك ، إنّ أصحابنا اختلفوا في الصاع ، بعضهم يقول : الفطرة بصاع المدني ، وبعضهم يقول :بصاع العراقي ، قال : فكتب إليّ : «الصاع ستّة أرطال بالمدني ، وتسعة أرطال بالعراقي» قال : وأخبرني أنه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة (٢).

وما رواه في الوسائل عن الحسن بن عليّ بن شعبة في كتاب تحف العقول عن الرضا ـ عليه‌السلام ـ في كتابه ، قال : «والعشر من الحنطة والشعير والتمر والزبيب وكلّ ما يخرج من الأرض من الحبوب إذا بلغت خمسة أوسق ـ إلى أن قال ـ والوسق ستّون صاعا ، والصاع تسعة أرطال ، وهو أربعة أمداد ، والمد رطلان وربع بالرطل العراقي».

قال : وقال الصادق ـ عليه‌السلام ـ : «هو تسعة أرطال بالعراقي ، وستّة بالمدني» (٣).

__________________

(١) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ١١١ ، وانظر : التهذيب ٤ : ١٨ ذيل الحديث ٤٥ ، والاستبصار ٢ : ١٦ ذيل الحديث ٤٥.

(٢) الكافي ٤ : ١٧٢ / ٩ ، الفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٣ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٣ ، الإستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٣ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث ١.

(٣) الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الغلّات ، الحديث ٩ و ١٠ ، وانظر : تحف العقول : ٤١٨.

٣٣٤

وخبر عليّ بن بلال ، قال : كتبت إلى الرجل أسأله عن الفطرة ، وكم تدفع؟ قال : فكتب ـ عليه‌السلام ـ : «ستّة أرطال من تمر بالمدني ، وذلك تسعة أرطال بالبغدادي» (١) إذ الأرطال بحسب الظاهر عبارة عن الصاع ، لأنّه الواجب في الفطرة ، كما ستعرف.

(وهو) أي الصاع (أربعة أمداد) بلا نقل خلاف في ذلك من أحد ، بل عن المنتهى أنّه قول العلماء كافّة (٢). وعن الغنية والخلاف وظاهر التذكرة أيضا دعوى الإجماع عليه (٣).

وعن المعتبر والمنتهى : أنّ المدّ ربع الصاع بإجماع العلماء (٤).

ويدلّ عليه مضافا إلى ذلك ، جملة من الأخبار :

منها : صحيحة عبد الله بن سنان ، الواردة في الفطرة ، حيث قال فيها : «صاع من تمر ، أو صاع من شعير ، والصاع أربعة أمداد» (٥) ونحوها صحيحة الحلبي (٦).

__________________

(١) الكافي ٤ : ١٧٢ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٨٣ / ٢٤٢ ، الإستبصار ٢ : ٤٩ / ١٦٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث ٢.

(٢) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٣٤ ، والعاملي في مفتاح الكرامة ، كتاب الزكاة ج ٣ ص ٩٣.

(٣) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ج ٣ ، كتاب الزكاة ، صفحة ٩٣ ، وانظر : الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٥ ، والخلاف ٢ : ٥٨ ، المسألة ٦٩ و ١٥٦ ، المسألة ١٩٩ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ١٤٣ ، المسألة ٧٩.

(٤) كما في مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٩٣ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٣٣ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٩٧.

(٥) التهذيب ٤ : ٨١ / ٢٣٤ ، الإستبصار ٢ : ٤٧ / ١٥٥ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث ١٢.

(٦) التهذيب ٤ : ٨١ / ٢٣٣ ، الإستبصار ٢ : ٤٧ / ١٥٤ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث ١٢.

٣٣٥

وصحيحة زرارة عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال : «كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يتوضّأ بمدّ ، ويغتسل بصاع ، والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال» (١).

وفي المدارك ـ وكذا في الوسائل ـ بعد نقل هذه الصحيحة قال : قال الشيخ ـ رحمه‌الله ـ : يعني أرطال المدينة ، فيكون تسعة أرطال بالعراقي (٢).

وفي مفتاح الكرامة ، بعد أن نقل هذه الرواية ، وما ذكره الشيخ في تفسير الرطل الواقع فيها ، قال : والظاهر من جماعة أنّ التفسير من تتمّة الرواية.

ويشهد له قوله في التذكرة ما نصّه : وقول الباقر ـ عليه‌السلام ـ :«والمدّ رطل ونصف ، والصاع ستّة أرطال المدينة يكون تسعة أرطال بالعراقي».

وعن المحقّق أنه نقل الخبر من كتاب الحسين بن سعيد هكذا :«والصاع ستّة أرطال بأرطال المدينة ، يكون تسعة أرطال بالعراقي» (٣). انتهى.

وكيف كان ، فهذه الصحيحة أيضا مقتضاها : كون المدّ ربع الصاع ، (و) قضيّة ذلك أنّ (المدّ رطلان وربع) بالعراقي ، ورطل ونصف بالمدني ، كما هو واضح.

ولكن نقل عن البزنطي الذي هو من قدماء أصحابنا القول : بأنّ المدّ

__________________

(١) التهذيب ١ : ١٣٦ / ٣٧٩ ، الإستبصار ١ : ١٢١ / ٤٠٩ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ١.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ١٣٣ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، ذيل الحديث ١.

(٣) مفتاح الكرامة ٣ : ٩٤ ، وانظر : تذكرة الفقهاء ٥ : ١٤٤ ، والمعتبر ٢ : ٥٣٣.

٣٣٦

رطل وربع (١).

وهو شاذ لم يعرف له موافق ولا مستند ، ومقتضاه الالتزام بأنّ الصاع خمسة أرطال لو سلم كونه أربعة أمداد.

وأمّا إن ذهب إلى كونه خمسة أمداد ـ كما ورد ذلك في خبر المروزي وموثّقة سماعة الآتيتين (٢) اللّتين قد قيل : إنّ ثانيتهما هي دليل هذا القول ـ فمقتضاه الالتزام بكون الصاع ستّة أرطال وربع ، وهذا أيضا مخالف لما تطابقت عليه النصوص والفتاوى.

والخبران اللّذان أشير إليهما على تقدير صحّة الاستدلال بهما غير وافيين بالدلالة عليه ، كما لا يخفى ، وكيف كان فهو في غاية الضعف.

وأمّا ما في بعض الأخبار من أنّ الصاع خمسة أمداد ، كموثّقة سماعة المضمرة ، قال : سألته عن الماء الذي يجزئ للغسل ، فقال : «اغتسل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ بصاع ، وتوضّأ بمدّ ، وكان الصاع على عهده خمسة أمداد ، وكان المدّ قدر رطل وثلاث أواق» (٣).

وهذه الرواية مشعرة ، بل ظاهرة في مغايرة الصاع الذي كان على عهده ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ للصاع المتعارف في عصر صدور الأخبار المتقدّمة المحدّدة له بأربعة أمداد ، فلا يتحقّق على هذا معارضة بينهما.

وربّما يؤيّد ذلك أيضا خبر سليمان بن حفص المروزي ، المرويّ عن الفقيه والتهذيب ، قال : قال أبو الحسن موسى بن جعفر

__________________

(١) نقله عنه ، المحقق في المعتبر ٢ : ٥٣٣.

(٢) تأتيان عن قريب.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٦ / ٣٧٦ ، الإستبصار ١ : ١٢١ / ٤١١ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ٤.

٣٣٧

ـ عليه‌السلام ـ : «الغسل بصاع من ماء ، والوضوء بمد من ماء ، وصاع النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ خمسة أمداد ، والمدّ وزن مائتين وثمانين درهما ، والدرهم ستّة دوانيق ، والدانق وزن ستّ حبّات ، والحبّة وزن حبّتي شعير من أوساط الحبّ لا من صغاره ولا من كباره» (١).

ولكن يبعّد هذا التوجيه أنّ المتدبّر في الأخبار الواردة في تحديد الصاع بأربعة أمداد أو ستّة أرطال بالمدني وتسعة بالعراقي ، لا يكاد يرتاب في أنّ المراد بالصاع فيها ليس إلّا الصاع الذي جرى عليه الأحكام ، وهو صاع النبيّ ، كما وقع التعبير بذلك في جملة من الروايات الواردة في الفطرة (٢).

مع أنّ صحيحة زرارة المتقدّمة كادت تكون صريحة في أنّ المدّ الذي كان رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ يتوضّأ به ، كان رطلا ونصفا ، والصاع الذي كان يغتسل به ، كان ستّة أرطال.

هذا ، مع أنّ الرواية الأخيرة مشتملة على مخالفات أخر لما تطابقت عليه كلمة الأصحاب ، ودلّت عليه سائر أخبار أهل البيت ، كتحديد المدّ بمائتين وثمانين درهما ، مع أنك ستعرف أنّ الصاع نصّا وفتوى :ألف درهم ومائة وسبعون درهما ، فلا ينطبق العدد المزبور لا على ربع هذا العدد ولا على خمسه.

وكذا ما فيها من تحديد الدانق بست حبّات ، والحبّة بالشعرتين ، فإنّه

__________________

(١) الفقيه ١ : ٢٣ / ٦٩ ، التهذيب ١ : ١٣٥ / ٣٧٤ ، وأورده عن الفقيه والتهذيب ، صاحب الحدائق فيها ١٢ : ١١٣.

(٢) انظر : الكافي ٤ : ١٧١ / ٥ ، والفقيه ٢ : ١١٥ / ٤٩٢ ، والتهذيب ٤ : ٨٠ / ٢٢٧ ، و ٨٧ / ٢٥٧ ، والاستبصار ٢ : ٤٦ / ١٤٨ و ٥١ / ١٧٠ ، والوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث ١ و ٦.

٣٣٨

أيضا مخالف للنص والفتوى ، كما عرفته فيما سبق.

وقد تكلّف بعض (١) لتوجيه بعض فقراتها بما لا يهمّنا تحقيقه ، بعد مخالفة ظاهرها للنصّ والإجماع ، ووضوح عدم صلاحيّة مثل هذه الأخبار الشاذّة للمعارضة للروايات المعتبرة المعمول بها بين الأصحاب ، فالأولى ردّ علم الخبرين المزبورين إلى أهله.

فظهر بما ذكر أنّ الصاع الذي عليه مدار الأحكام : أربعة أمداد ، والمدّ رطلان وربع بالعراقي ، ورطل ونصف بالمدني (فيكون (٢) ألفين وسبعمائة رطل بالعراقي) حاصلة من ضرب الخمسة في الستّين ، فتبلغ ثلاثمائة صاع ، فتضرب الثلاثمائة في التسعة أرطال ، فتبلغ المقدار المزبور.

وألف وثمانمائة رطل بالمدني ، حاصلة من ضرب الثلاثمائة في الستة ، والصاع ألف ومائة وسبعون درهما ، بلا نقل خلاف يعتدّ به فيه.

وتدلّ عليه مكاتبة إبراهيم بن محمّد الهمداني ، قال : اختلفت الروايات في الفطرة ، فكتبت إلى أبي الحسن صاحب العسكر ـ عليه‌السلام ـ أسأله عن ذلك ، فكتب : «أنّ الفطرة صاع من قوت بلدك ـ إلى أن قال ـ تدفعه وزنا ستّة أرطال برطل المدينة ، والرطل مائة وخمسة وتسعون درهما ، تكون الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما» (٣).

ويدلّ عليه أيضا قوله في مكاتبة جعفر بن إبراهيم بن محمّد الهمداني

__________________

(١) الشيخ الطوسي في الاستبصار ١ : ١٢١ ـ ١٢٢ ، وانظر : الحدائق الناضرة ١٢ : ١١٤ ـ ١١٥.

(٢) في الشرائع ١ : ١٥٣ زيادة : النصاب.

(٣) التهذيب ٤ : ٧٩ / ٢٢٦ ، الإستبصار ٢ : ٤٤ / ١٤٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الفطرة ، الحديث ٢.

٣٣٩

المتقدّمة (١) : أخبرني أنّه يكون بالوزن ألفا ومائة وسبعين وزنة ، إذ الظاهر أنّ المراد بالوزنة الدراهم ، بشهادة الخبر السابق.

مع أنّه قد يؤيّده أيضا ما في الحدائق ، من أنّه روي هذا الخبر في كتاب عيون الأخبار ، وذكر الدرهم عوض الوزنة (٢). فيكون الرطل العراقي الذي هو تسع الصاع مائة وثلاثين درهما ، كما هو المشهور ، بل لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن الفاضل في التحرير وموضع من المنتهى ، فجعل الرطل العراقي مائة وثمانية وعشرين درهما وأربعة أسباع درهم (٣) ، أي :تسعين مثقالا.

وكأنّ مستنده تصريح بعض اللغويّين بذلك.

قال في المجمع حاكيا عن المصباح : الرطل معيار يوزن به ، وكسره أكثر من فتحه ، وهو بالبغدادي اثنتا عشرة أوقية ، والرطل تسعون مثقالا ، وهي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم (٤).

وقد أشرنا في مبحث الكرّ من الطهارة ، إلى أنّه لا يجوز ردّ شهادة جلّ الفقهاء ، لأجل تصريح بعض اللّغويين بذلك ، خصوصا فيما لا اختصاص للّغوي بمعرفته ، مع إمكان صيرورته في زمان ذلك اللغوي الذي فسّره بذلك كذلك (٥).

وكيف كان ، فلا ينبغي الالتفات إلى هذا التفسير في مقابل ما عرفت.

__________________

(١) تقدّمت في صفحة ٣٣٤.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ١١٢ ، وانظر : عيون أخبار الرضا ـ عليه‌السلام ـ ١ : ٣٠٩ / ٧٣.

(٣) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ١١٣ ، وانظر : تحرير الأحكام ١ : ٦٢ ، ومنتهى المطلب ١ : ٤٩٧.

(٤) مجمع البحرين ٥ : ٣٨٤ ، وانظر : المصباح المنير : ٢٣٠.

(٥) راجع ص ٢٧ من الطبع الحجري لكتاب الطهارة.

٣٤٠