مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

الإشارة إليه ، وسيأتي مزيد توضيح لذلك في مسألة ما لو تلف من النصاب شي‌ء بلا تفريط.

(و) كيف كان ، فما يأخذه الساعي من حقّه من الزوج (يرجع الزوج عليها به ، لأنّه مضمون عليها) لوجوبه في ملكها.

(ولو كان عنده نصاب فحال عليه أحوال ، فإن أخرج زكاته في) رأس (كلّ سنة من غيره تكرّرت الزكاة فيه ، وإن لم يخرج) من غيره (وجب عليه زكاة حول واحد) لعدم بقاء النصاب بعد تعلّق الزكاة به في الحول الأوّل جامعا للشرائط.

أمّا على القول بالشركة الحقيقيّة فواضح ، لورود النصّ عليه بصيرورة بعضه ملكا للفقير.

وأما على ما قوّيناه من كون حقّ الفقير المتعلّق بالنصاب من قبيل حقّ المنذور له التصدّق بعين بعد تنجّز التكليف بدفعها إليه ، فلخروج ما تعلّق به هذا الحقّ عن الطلقيّة التي قد عرفت اعتبارها في النصاب.

نعم ، لو قيل بتعلّقها بالذمّة المحضة ، كالدين من غير أن يكون لها تعلّق بالعين ولو من قبيل حقّ الرهانة ، اتّجه الالتزام بتكررها بتكرّر السنين ، ولكن لم يتحقّق وجود قائل بذلك بيننا ، وعلى تقدير وجوده فهو فاسد ، كما عرفت.

(ولو كان عنده أكثر من نصاب ، كانت الفريضة في النصاب ، ويجبر) في الحول الثاني (من الزائد ، وكذا في كلّ سنة حتّى ينقص المال عن النصاب).

(فلو كان عنده ستّ وعشرون من الإبل ، ومضى عليها حولان ، وجب عليه) للحول الأوّل (بنت مخاض) فينقص النصاب (و) يرجع في السنة الثانية إلى نصاب الخمس والعشرين ، فيجب للثاني

٢٦١

(خمس شياه ، فإن مضى عليها ثلاثة أحوال ، وجب عليه) للأوّل (بنت مخاض و) للثاني والثالث (تسع شياه) خمس منها للسنة الثانية ، وأربع منها للسنة الثالثة التي رجعت الإبل فيها إلى نصاب العشرين.

وفي المسالك قال في شرح العبارة : إنّما يتمّ ذلك لو كان النصاب بنات مخاض ، أو مشتملا على بنت المخاض ، أو على ما قيمته بنت مخاض ، حتى يسلم للحول الثاني خمس وعشرون تامّة من غير زيادة.

أمّا لو فرض كونها زائدة عليها في السنّ والقيمة ، وأمكن أن يفرض خروج بنت المخاض عن الحلول الأوّل من جزء واحدة من النصاب ، ويبقى من المخرج منه قيمة خمس شياه ، فيجب في الحول الثالث خمس اخرى ، بل يمكن ما يساوي عشر شياه وأزيد ، فيتعدّد الخمس أيضا ، ولو فرض كون النصاب بأجمعه ناقصا عن بنت المخاض ، كما لو كانوا ذكرانا ينقص قيمة كلّ واحد عن بنت المخاض ، نقص من الحول الأوّل عن خمس وعشرين ، فيجب في الحول الثاني أربع شياه لا غير ، وذلك كلّه مستثنى ممّا أطلقه (١). انتهى.

وقد تبعه فيما أفاده سبطه في المدارك (٢) ، واستجوده بعض (٣) من تأخّر عنهما ، وهو لا يخلو من جودة ، وإن كان بالنسبة إلى ما لو زادت قيمة الفريضة عن كلّ واحدة منها ، كما لو كانت الجميع ذكرانا ، ولم يبلغ قيمة أعلى أفرادها قيمة بنت مخاض ، لا يخلو من تأمّل ، لإمكان أن

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٣٨٠.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ١٠١.

(٣) وهو صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٥٠.

٢٦٢

يدّعى القطع بالتدبّر في أدلّة الزكاة وما وضعه الشارع في كلّ نصاب ، بأنّ الشارع لم يوجب على من ملك ستّا وعشرين من الإبل أزيد من واحدة منها حتّى من أعلى أفرادها ، بل جعل فريضة هذا النصاب بنت مخاض بملاحظة كونها أدنى الأسنان وأقلّها قيمة ، ففرض كون الجميع ذكرانا ، وكون قيمة كل منها دون قيمة بنت مخاض فرض نادر قلّما يتّفق حصوله في الخارج ، وعلى تقدير حصوله فما دلّ على أنّ فريضة هذا النصاب بنت مخاض منصرف عن مثله ، فليتأمّل.

(والنصاب المجتمع من الضأن والمعز ، وكذا من البقر والجاموس ، وكذا من الإبل العرب والبخاتي ، تجب فيه الزكاة) بلا خلاف فيه على الظاهر ، بل في الجواهر : الإجماع بقسميه عليه ، لكون الجميع من جنس واحد هنا ، ولتعليق الزكاة على اسم الإبل والبقر والغنم الشامل للجميع (١).

وانصراف إطلاق اسم البقر عن الجاموس عرفا غير قادح ، بعد شهادة النصّ والفتوى بثبوت الزكاة في الجواميس ، وأنّه ليس في شي‌ء من صنوف الحيوان زكاة ممّا عدا الإبل والبقر والغنم ، فإنه يستفاد من مجموع ذلك : أنّ المراد بالإبل والغنم والبقر التي وضع عليها الزكاة جنسها الشامل للجميع ، لا خصوص ما ينصرف إليه إطلاقها عرفا.

(والمالك بالخيار في إخراج الفريضة من أيّ الصنفين شاء).

في المدارك قال في شرحه : إطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في جواز الإخراج من أحد الصنفين بين ما إذا تساوت قيمتهما أو اختلفت.

وبهذا التعميم جزم المصنف في المعتبر والعلّامة في جملة من كتبه ،

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٥١.

٢٦٣

وهو متّجه ، لصدق الامتثال بإخراج مسمّى الفريضة ، وانتفاء ما يدلّ على اعتبار ملاحظة القيمة مطلقا ، كما اعترف به الأصحاب في النوع المتّحد (١). انتهى.

وحكي عن الشهيدين والفاضل في بعض كتبه ، وغير واحد من القدماء والمتأخّرين : القول بوجوب إخراج فريضة قيمتها مقسّطة على الصنفين ، لأنّه هو الذي تقتضيه قاعدة الشركة (٢).

فعلى هذا لو كان عنده عشرون بقرة وعشرون جاموسة ، وقيمة المسنّة من أحدهما اثنا عشر ، ومن الآخر خمسة عشر ، أخرج مسنّة من أيّ الصنفين شاء قيمتها ثلاثة عشر ونصف.

واحتمل الشهيد في البيان ـ على ما حكي عنه ـ أنّه يجب في كلّ صنف نصف مسنّة أو قيمته كما عن بعض العامّة.

ثمّ قال : وردّ بأن عدول الشرع في الناقص عن ستّ وعشرين من الإبل إلى غير العين إنّما هو لئلا يؤدّي الإخراج من العين إلى التشقيص (٣) ، وهو هنا حاصل.

نعم ، لو لم يؤدّي إلى التشقيص كان حسنا ، كما لو كان عنده من كلّ [نوع] (٤) نصاب (٥). انتهى.

أقول : أمّا الاحتمال الأخير فهو فاسد ، إذ ليس لأبعاض النصاب

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٠٢ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥١٦ ، والمنتهى ١ : ٤٨٥ ، والقواعد ١ : ٥٤.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ وانظر : الدروس ١ : ٢٣٤ ، ومسالك ، ومسالك الأفهام ١ : ٣٨٠ ، وتحرير الأحكام ١ : ٦٠ و ٦١ و ٦٢ ، وجامع المقاصد ٣ : ١٨.

(٣) الشقص بالكسر : السهم والنصيب والشرك. القاموس المحيط ٢ : ٣٠٦.

(٤) أضفناها من المصدر.

(٥) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٥١ ـ ١٥٢ ، وانظر : البيان : ١٧٦.

٢٦٤

من حيث هي اقتضاء في إيجاب شي‌ء ، إذ المؤثّر في إيجاب الزكاة إنّما هو مجموع النصاب من حيث المجموع ، وهو سبب لإيجاب فرد من المسنّة ، وليس نصف من هذا ونصف من ذاك فردا من المسنّة ، ولا العشرون من البقر والعشرون من الجاموس من حيث هما سببان لإيجاب نصفي مسنّة ، بل مجموعها سبب واحد لإيجاب مسنّة ، وقضيّة إطلاق المسنّة كفاية إخراج مسمّاها من أيّ الصنفين شاء ، كما قوّاه في المدارك (١) وغيره (٢).

ودعوى انصرافها في مثل الفرض بواسطة المناسبة المغروسة في الذهن إلى فريضة قيمتها مقسّطة على الصنفين ، غير مسموعة ، خصوصا بعد أن علم بأنّ الشارع لم يلاحظ القيمة في هذا الباب ، بل لاحظ العدد ، فوضع في خمس من الإبل شاة ، وفي أربعين شاة شاة ، وفي ثلاثين بقرة تبيعا حوليّا ، وهكذا من غير فرق بين كون الجميع من أعلى الأسنان وأغلاها قيمة أو أدناها أو مختلفة.

وأمّا ما قيل : من أنّ هذا هو الذي تقتضيه قاعدة الشركة ، ففيه بعد الغضّ عمّا حقّقناه من ضعف القول بالشركة الحقيقيّة ، أنّه ليس لما يستحقّه الفقير في كلّ نصاب حدّ مضبوط سوى ما قدّره الشارع فريضة لذلك النصاب ، فالعبرة في تشخيص حقّ الفقير المتعلّق بجنس البقر بما يتبادر من إطلاق قوله : «في كلّ ثلاثين بقرة تبيع حوليّ وفي أربعين بقرة مسنّة» (٣) وهذا ممّا لا يختلف فيه الحال بين أن نقول : بأنّ حق الفقير

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٠٢.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٧٣ ، جواهر الكلام ١٥ : ١٥٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

٢٦٥

الذي وضعه الشارع على هذا النصاب هو عين الفريضة التي قدّرها له ، أو بأنّ حقّه كسر شائع في النصاب محدود شرعا بوقوع الفريضة قيمة له كما هو مقتضى القول بالشركة ، فإخراج مسمّى الفريضة على ما يقتضيه إطلاق دليلها مجزئ على كلّ تقدير ، غاية الأمر أنّه على القول بالشركة ليس إخراجا لعين ما يستحقّه الفقير بل قيمته.

نعم ، لا يبعد أن يدعى انصراف إطلاق الفريضة فيما إذا لم تكن من غير الجنس إلى واحدة من صنف النصاب الموجود عنده المتعلّق به الزكاة ، فإن كان جميع النصاب من الجاموس فتبيع منه ، وإن كان الجميع من البقر فتبيع منه ، وكذا إن كان الجميع من الضأن فواحدة منه ، أو من المعز فكذلك ، وهكذا بالنسبة إلى سائر الأصناف التي يتفاوت بها الرغبات ، ككون الجميع عرابا أو بخاتيا أو نجديّا أو عراقيّا ، وإذا كان مجتمعا من صنفين فواحدة منهما من أيّهما تكون ، لا من صنف ثالث خارج من النصاب ، فليتأمّل.

(ولو قال ربّ المال : لم يحل على مالي الحول ، أو قد أخرجت ما وجب علي) أو تلف ما ينقص بتلفه النصاب ، أو اختلّ بعض الشرائط في أثناء الحول ، أو نحو ذلك ولو بأن يقول إجمالا : لا حقّ بالفعل عليّ في مالي (قبل منه) ما لم يعلم كذبه بلا خلاف يظهر منّا ، كما اعترف به في الجواهر (١).

ويدلّ عليه قول أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ لمصدّقه ، في صحيحة بريد ابن معاوية ، أو حسنته بإبراهيم بن هاشم ، عن الصادق ـ عليه‌السلام ـ :«ثمّ قال لهم : يا عباد الله ، أرسلني إليكم وليّ الله لآخذ منكم حقّ الله في

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٥٣.

٢٦٦

أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال لك قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه ، من غير أن تخيفه أو تعده إلّا خيرا» (١) الحديث.

وخبر غياث ، عن جعفر ، عن أبيه ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «كان عليّ ـ صلوات الله عليه ـ ، إذا بعث مصدّقه ، قال له : إذا أتيت ربّ المال ، فقل : تصدّق ـ رحمك الله ـ ممّا أعطاك الله ، فإن ولّى عنك فلا تراجعه» (٢).

وفي نهج البلاغة فيما كان يكتبه أمير المؤمنين ـ عليه‌السلام ـ ، لمن يستعمله على الصدقات : «ثمّ تقول : عباد الله ، أرسلني إليكم وليّ الله وخليفته لآخذ منكم حقّ الله في أموالكم ، فهل لله في أموالكم من حقّ فتؤدّوه إلى وليّه؟ فإن قال قائل : لا ، فلا تراجعه ، وإن أنعم لك منعم فانطلق معه» (٣) إلى آخره.

(ولم يكن عليه بيّنة ولا يمين) في شي‌ء من ذلك ، كما يدلّ عليه الروايات المزبورة ، مضافا إلى أنّ الزكاة حقّ متعلّق بما في يده وتحت سلطنته.

وله الولاية على إخراجه وتبديله بالقيمة ، وصرفه إلى مستحقّيه ، وتخصيصه ببعض دون بعض ، وليس لأحد معارضته في شي‌ء من ذلك ، فليس لهذا الحقّ مستحقّ خاص ، كي يسوغ له معارضته في شي‌ء من

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٦ / ١ ، التهذيب ٤ : ٩٦ / ٢٧٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٨ / ٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٥.

(٣) نهج البلاغة بشرح محمد عبده ٣ : ٢٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٧.

٢٦٧

ذلك ، ويرفع أمره إلى الحاكم ، كي يطالبه بالبيّنة أو اليمين.

نعم ، لو علم كذبه وبقاء الحقّ في ماله ، كان على الحاكم وغيره إلزامه بإخراجه من باب الأمر بالمعروف ، كإلزامه بفعل الصلاة وغيرها من العبادات ، واستيفاؤه من ماله لدى امتناعه من الإخراج من باب الحسبة.

وعن الدروس بعد أن حكم بتصديقه في عدم الحول بغير اليمين قال :يصدّق المالك في تلفها بظالم وغيره بيمينه (١).

قيل : ولعلّه لكون الاولى على وفق الأصل دون الثانية (٢) ، ومقتضاه ثبوت اليمين في كلّ ما كان من هذا القبيل حتّى الإخراج.

وكيف كان فهو ضعيف ، فإنّه لو امتنع عن اليمين ليس لأحد أن يخرج الزكاة من ماله بعد كون المال في يده وتحت تصرّفه وهو يدّعي ملكيّته وخلوصه عن حقّ الغير من غير أن يكون في مقابله خصم يدّعي كون يده عادية.

هذا ، مع أنه لم ينقل الخلاف فيه صريحا من أحد.

(ولو شهد عليه شاهدان) بأنّه قد حال عليه الحول ، أو أنّ المال موجود غير تالف ، أو أنّه لم يخرجها في الوقت الذي يدّعيه ، بحيث تخرج الشهادة عن كونها شهادة على النفي (قبلا) لعموم حجّية البيّنة حسب ما تقرّر في محلّه ، فهي بمنزلة العلم ، والروايات المزبورة منصرفة عن مثل الفرض.

ولكن لا يخفى عليك أنّ قبول البيّنة في حؤول الحول وعدم الإخراج

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٥٤ ، وانظر : الدروس ١ : ٢٣٢.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١٥٤.

٢٦٨

ونحوهما إنما يجدي في جواز إلزامه بإخراج الزكاة ، أو استيفائه من ماله إذا علم أو اعترف بثبوت الحقّ في ماله بالفعل على تقدير كونه كاذبا في دعوى الإخراج ، أو اختلال شي‌ء من الشروط ، وإلّا فليست البيّنة أوضح حالا من العلم بكونه كاذبا فيما يدّعيه من الإخراج ونحوه ، وهذا بنفسه لا يسوّغ إلزامه بدفع الزكاة أو استيفائها من ماله ما لم يعترف بثبوت الحقّ فيه بالفعل أو يعلم من الخارج بكونه كذلك.

ولا يكفي في ذلك العلم إجمالا بتعلّق الزكاة بماله ، وكونه كاذبا فيما يدّعيه من الإخراج ، أو عدم حؤول الحول ، لإمكان سقوطها عنه بتلف ، أو احتسابها من دين ، أو غير ذلك من الأسباب التي لم يرد إظهارها ، فاستند إلى دعوى كاذبة تخلّصا عن كلفة الجواب.

وكون ذلك كلّه مخالفا للأصول غير قادح ، بعد كون يده حجّة شرعيّة للحكم بكون ما في يده بالفعل ملكا طلقا له ، وعدم جواز إلزامه بدفع شي‌ء منه إلى الغير ما لم تقم بيّنة على خلافه ، أو يمكن في مقابله خصم ينكر انتقاله إليه.

(وإذا كان للمالك أموال متفرّقة) في أماكن متباعدة من أحد الأجناس الزكويّة (كان له إخراج الزكاة من أيها شاء) كما هو واضح.

ولعلّ وجه تخصيصه بالذكر مع استفادته من المباحث السابقة وقوع الخلاف فيه من بعض أهل الخلاف بناء منه على منع إخراج الزكاة عن البلد التي حصلت فيه مع وجود المستحق (١).

وفيه : أنّ هذا ليس إخراجا للزكاة التي حصلت فيه ، مع أنّ في

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١٥٥.

٢٦٩

كبراه نظرا بل منعا. كما ستعرف إن شاء الله.

(ولو كان السنّ الواجبة في النصاب) كبنت المخاض والحقّة والتبيع مثلا (مريضة) أو هرمة أو ذات عوار ، وباقي النصاب صحيحا فتيا سليما (لم يجب) (١) على الساعي (أخذها) بل لا يجوز إلّا أن يرى المصلحة في قبوله ، كما عرفته فيما سبق (وأخذ غيرها) (٢) ممّا هي أعلى سنّا ، أو أدنى ، على التفصيل الذي مرّ شرحه في مبحث الأبدال.

وقد أشرنا فيما مر إلى أنّه لا يتعيّن على المالك إخراج الفريضة أو بدلها من عين النصاب ، بل له إخراجها عينا أو قيمة من مال آخر.

وأمّا الساعي فليس له استيفاؤها عينا أو بدلا حتى مع امتناع المالك من أداء الزكاة إلّا من النصاب.

(و) من هنا يظهر أنّه (لو كان) ما بلغ النصاب (كله مراضا) وهرمة ، أو ذات عوار (لم يكلّف شراء صحيحة) بل على الساعي أن يقبل منه ما يدفعه إليه من النصاب الذي تعلّق به ممّا يندرج في مسمّى فريضته عينا أو بدلا ، كما يدلّ عليه الروايات الواردة في آداب المصدّق (٣).

وما ورد فيها من النهي عن أخذ الهرمة وذات العوار (٤) ، منصرف عمّا إذا كان النصاب كلّه كذلك ، كما أنّ خروج المريضة والهرمة وذات العوار عن منصرف إطلاق لفظ «الفريضة» الثابتة في النصاب

__________________

(١) في الشرائع ١ : ١٤٩ : لم يجز.

(٢) في الشرائع ١ : ١٤٩ زيادة : بالقيمة.

(٣) انظر : الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الأحاديث.

(٤) انظر : التهذيب ٤ : ٢٠ / ٥٢ ، والاستبصار ٢ : ١٩ / ٥٦ ، والوسائل ، الباب ١٠ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٣.

٢٧٠

من مثل قوله : «في كلّ أربعين شاة شاة» (١) أو «أربعين بقرة مسنّة» (٢) إن سلمت فهي فيما إذا لم يكن جميع النصاب كذلك ، وإلّا فدعوى انصراف الإطلاقات عن مثل هذا النصاب أولى من دعوى انصراف فريضتها إلى الصحيحة السليمة عن العيب.

هذا ، مع أنّ الحكم في حدّ ذاته بحسب الظاهر ممّا لا خلاف فيه بيننا ، بل في المدارك هذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب ، بل عن العلّامة في المنتهى نسبته إلى علمائنا ، مؤذنا بدعوى الإجماع عليه.

ثمّ حكى عن بعض العامّة قولا بوجوب شراء الصحيحة ، لإطلاق قوله ـ عليه‌السلام ـ : «لا تؤخذ في الصدقة هرمة ، ولا ذات عوار» (٣).

وأجاب عنه بالحمل على ما إذا كان النصاب صحاحا ، لأنّه المتعارف (٤). وهو جيّد.

واستدلّ أيضا للمدعى بأنّه هو الذي تقتضيه قاعدة تعلّق الزكاة.

بالعين ، وكونها على وجه الشركة الحقيقيّة ، كما نسب إلى المشهور (٥) ، حيث إنّ الفقير على هذا لا يستحقّ إلّا كسرا مشاعا في الجميع ، فإذا كان الجميع مراضا لم يستحقّ الفقير إلّا جزءا منها ، فكيف يصحّ أن يكلّف المالك بشراء الصحيحة؟!.

وربّما فرّعوا على هذا وجوب ملاحظة النسبة بحسب القيمة ، فيما لو

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) سنن ابن ماجة ١ : ٥٧٧ / ١٨٠٥ ، سنن النسائي ٥ : ٢١ و ٢٩.

(٤) مدارك الأحكام ٥ : ١٠٤ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٨٥.

(٥) الناسب هو صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٣٨.

٢٧١

كان نصفه أو ثلثه أو أقلّ أو أكثر ، بل واحدة منها مريضة والباقي صحيحة أو بالعكس.

وفيه : ما عرفت آنفا من أنّه ليس لما يستحقّه الفقير حدّ مضبوط ، وإنما يعرف مقدار ما يستحقّه الفقير في النصاب بما فرضه الشارع للفقير في ماله بقوله : «في أربعين شاة شاة» (١) و «في ثلاثين بقرة تبيع حوليّ» (٢) و «في ستّ وعشرين من الإبل بنت مخاض» (٣) وهكذا.

فإن قلنا : بأن المنساق من هذه الأدلة إنّما هو الفرد الصحيح السويّ مطلقا ، فكون النصاب كلّها مراضا غير مجد في الاجتزاء بغير الصحيح ، إذ لا امتناع في إيجاب الشارع في هذا المال حصّة شائعة تعادل فردا صحيحا من الفريضة على القول بالشركة ، كما أنه لا امتناع فيه أيضا على القول بأنّ الفريضة عين ما يستحقّه الفقير ، وأنّ إيجابها في النصاب من قبيل استحقاق غرماء الميت حقّهم من تركته.

فالحقّ ما عرفت من منع الانسباق المذكور ، بل قد أشرنا فيما سبق من إمكان دعوى القطع في مثل هذه الفروض الخارجة عن المتعارف التي يمكن دعوى خروجها عن منصرف إطلاقات النصوص بأنّ الشارع لم يجعل الزكاة فيها بأكثر من فريضة من صنفها.

نعم يجب أن لا يكون ما يدفعه صدقة من أدنى الأفراد وأشدها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٤ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٥٣٢ / ٢ ، التهذيب ٤ : ٢١ / ٥٣ ، الإستبصار ٢ : ١٩ / ٥٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٤.

٢٧٢

مرضا ، أو أكثرها عوارا ، بحيث يدخل في موضوع النهي الوارد في قوله تعالى «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» (١).

(ولا تؤخذ الربّى : وهي الوالد إلى خمسة عشر يوما) على ما في المتن (٢) وغيره (٣) ، بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب (٤) ، مشعرا بالإجماع عليه.

ولكنّ كثيرا منهم بعد أن فسّروها بذلك ، قالوا : (وقيل : إلى خمسين يوما) ولكنّهم لم يسمّوا قائله.

وأما ما ذكروه من التحديد بالخمسة عشر ، فهو وإن كان معروفا بين الفقهاء ، ولكنّه غير معروف في كلمات اللغويّين.

قال الجوهري ـ على ما حكي عنه ـ : الربّى على (فعلى) (٣) بالضمّ التي وضعت حديثا ، وجمعها رباب بالضمّ ، والمصدر رباب بالكسر ، وهو قرب العهد بالولادة ، تقول : شاة ربّى بيّنة الرباب ، وأعنز رباب (٥).

وفي الحدائق بعد أن نسب إلى ظاهر الأصحاب : الاتفاق على أنّه لا تؤخذ الربى ، ولا الأكولة ، ولا فحل الضراب ، واستدلّ عليه بموثّقة سماعة الآتية (٦) ، قال : والأصحاب قد علّلوا المنع في الربّى بالإضرار بولدها ، وجعلوا الحدّ في المنع من أخذها إلى خمسة عشر يوما ، وقيل : إلى خمسين يوما ، ولم نجد لهذين الحدّين مستندا.

__________________

(١) البقرة ٢ : ٢٦٧.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ١٤٩.

(٣) المعتبر ٢ : ٥١٤.

(٤) كما في الجواهر ١٥ : ١٥٨.

(٥) حكاه عنه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٠٥ ، وانظر : الصحاح ١ : ١٣١.

(٦) تأتي في صفحة ٢٧٥.

٢٧٣

والذي يفهم من كلام أهل اللغة : أنّ الربّى هي التي ولدت حديثا ، كما في الصحاح.

وفي النهاية : أنّها قريبة العهد بالولادة (١). انتهى.

وقد تعرّض في مفتاح الكرامة لنقل كلمات جملة من اللغويّين ، فقال : قال في القاموس : الربّى كحبلى الشاة إذا ولدت ، وإذا مات ولدها أيضا ، والحديثة النتاج.

وفي الصحاح : هي ولدت حديثا.

وفي النهاية : قريبة العهد بالولادة.

وعن جامع اللّغة : هي الشاة إذا ولدت وأتى عليها من ولادتها عشرة أيّام أو بضعة عشر.

وعن الأزهري : هي ربّى ما بينهما وبين شهر.

وعن أبي عبيدة : الربّى من المعز والضأن ، وربّما جاء في الإبل أيضا.

وفي مجمع البحرين قال : هي الشاة تربّى في البيت من الغنم لأجل اللبن.

وقيل : الشاة القريبة العهد بالولادة.

وقيل : هي الوالد ما بينهما وبين خمسة عشر يوما.

وقيل : ما بينها وبين عشرين.

وقيل : ما بينها وبين شهرين ، وخصّها بعضهم بالمعز ، وبعضهم بالضأن (٢). انتهى.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٧٠ ـ ٧١ ، وانظر : الصحاح ١ : ١٣١ ، والنهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ١٨٠.

(٢) مفتاح الكرامة ، كتاب الزكاة ٣ : ٧٧ ، وانظر : القاموس المحيط ١ : ٧١ ، والصحاح ١ : ١٣١ ، والنهاية ـ لابن الأثير ـ ٢ : ١٨٠ ، ومجمع البحرين ٢ : ٦٥.

٢٧٤

والذي يغلب على الظنّ أنّها لغة وعرفا ما كانت قريبة العهد بالولادة ، وهذا معنى مقول بالتشكيك ، ومن هنا نشأ الاختلاف في تحديده ، فكأنّ ما ذكره الأصحاب من التحديد بالخمسة عشر ، هو القدر المتيقّن ممّا يطلق عليها أنّها ولدت حديثا.

وكيف كان فممّا يدلّ على المنع عن أخذ الربّى بالمعنى المزبور : موثقة سماعة عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال : «لا تؤخذ الأكولة ـ والأكولة الكبيرة من الشاة تكون في الغنم ـ ولا والدة ولا الكبش الفحل» (١) إذا الظاهر أنّ المراد بالوالد هي الوالدة عن قرب ، وربّما علّل المنع عن أخذها بكونه إضرارا بالمالك أو بولدها.

ويؤيّده ما في مجمع البحرين ، قال : وفي حديث المصدّق : «دع الربّى ، والماخض ، والأكولة» أمر المصدّق أن يعدّ هذه الثلاثة ولا يأخذها ، لأنّها خيار المال (٢).

ولكن الظاهر كون الحديث عاميّا ، بل في الجواهر نقله عن النهاية من حديث عمر (٣) بأدنى اختلاف في اللفظ ناش من تحريف الناسخ.

وكيف كان فلا بأس بإيراده في مقام التأييد.

واستوجه في المسالك كون العلّة في المنع : المرض ، لأنّها بمنزلة النفساء ، والنفساء مريضة ، ولذا لا يقام عليها الحدّ ، قال : وعلى هذا لا يجزئ إخراجها وإن رضي المالك (٤). انتهى.

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥٣٥ / ٣ ، الفقيه ٢ : ١٤ ـ ١٥ / ٣٨ ، الوسائل الباب ١٠ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ٢.

(٢) مجمع البحرين ٥ : ٣٠٨.

(٣) جواهر الكلام ١٥ : ١٦٠ ، وانظر : النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ٥٨.

(٤) مسالك الأفهام ١ : ٣٨٢.

٢٧٥

أقول : لا يعدّ هذا مرضا في العرف ، وعلى تقدير صدق كونها مريضة عرفا ، فلا دليل على منع مطلق المرض بحيث يتناول مثل ذلك عن قبولها صدقة ، كما لا يخفى.

والأولى الالتزام به من باب التعبّد بظاهر الموثّقة المزبورة ، دون مثل هذه التعليلات الغير المطّردة.

نعم سوق الرواية يشهد بأنّ ذلك من باب الإرفاق بالمالك ، فتجزئ مع رضاه كما عن جماعة التصريح به (١). بل عن ظاهر المحكي عن المنتهى نفي الخلاف فيه (٢) ، خلافا لظاهر من علّله بالمرض (٣) ، وقد عرفت ما فيه.

وقد ورد في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، تفسير الربّى بالتي تربّي اثنين ، قال «ليس في الأكيلة ولا في الربّى ، والربّى التي تربّي اثنين ، ولا شاة لبن ، ولا فحل الغنم صدقة» (٤) هكذا نقله في الجواهر ، واحتمل كون التفسير من الراوي ، إلّا أنّه قال : لكن عن الفقيه روايته : «ولا في الربّى التي تربّي اثنين» فتعيّن كونه من لفظ الإمام ـ عليه‌السلام ـ (٥).

وكيف كان فظاهر هذه الصحيحة عدم عدّ الربّى بهذا المعنى من النصاب ، كما أنّ ظاهرها ذلك أيضا بالنسبة إلى الأكولة وفحل الضراب ، لا أنّها تعدّ منه ولكنّها لا تؤخذ في الصدقة ، وهو خلاف

__________________

(١) انظر جواهر الكلام ١٥ : ١٦٠.

(٢) انظر جواهر الكلام ١٥ : ١٦٠.

(٣) انظر جواهر الكلام ١٥ : ١٦٠.

(٤) الكافي ٣ : ٥٣٥ / ٢ ، الفقيه ٢ : ١٤ / ٣٧ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٥) جواهر الكلام ١٥ : ١٥٩ ـ ١٦٠.

٢٧٦

المشهور ، وسيأتي البحث عنه إن شاء الله.

(و) كذا (لا) تؤخذ (الأكولة : وهي السمينة المعدة للأكل ، ولا فحل الضراب) كما يدلّ عليها الموثّقة المتقدمة (١).

وما في الموثّقة من تفسير الأكولة بالكبيرة من الشاة ، غير مناف لما سمعته من تفسيرها بالسمينة المعدة للأكل ، إذ الظاهر أنّ هذا المعنى هو المراد بالكبيرة المذكورة في الرواية لا الكبيرة من حيث السن ، كما يشهد لذلك كونها مفسّرة بذلك في اللغة.

فعن الصحاح : الأكولة الشاة التي تعزل للأكل وتسمن (٢).

وفي القاموس : الأكولة العاقر من الشياة ، والشاة تعزل للأكل (٣).

وعن العلّامة في المنتهى أنّه علّل المنع عن أخذهما بأنّ في تسلّط الساعي على أخذهما إضرارا بالمالك ، فكان منفيّا.

وبقوله ـ عليه‌السلام ـ لمصدّقه : «إيّاك وكرائم أموالهم» (٤) والفحل المعدّ للضراب من كرائم الأموال ، إذ لا يعدّ للضراب في الغالب إلّا الجيّد من الغنم.

ثمّ قال : ولو تطوّع المالك بإخراج ذلك جاز بلا خلاف ، لأنّ النهي عن ذلك ينصرف إلى الساعي ، لتفويت المالك النفع ، وللإرفاق به ، لا لعدم إجزائهما (٥). انتهى.

أقول : قد أشرنا آنفا إلى أن المنساق من الموثّقة المزبورة الناهية عن

__________________

(١) موثّقة سماعة تقدّمت في صفحة ٢٧٥.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٦٢ ، وانظر : الصحاح ٤ : ١٦٢٥.

(٣) القاموس المحيط ٣ : ٣٢٩.

(٤) سنن الدارمي ١ : ٣٨٤ وسنن البيهقي ٤ : ٩٦ و ٧ : ٧ و ٨.

(٥) حكاه صاحب المدارك فيها ٥ : ١٠٦ ، وانظر : منتهى المطلب ١ : ٤٨٥.

٢٧٧

أخذ الأكولة والوالدة وفحل الضراب بوساطة المناسبة المغروسة في الذهن ، إنما هو رعاية حال المالك والإرفاق به ، كما فهمه الأصحاب ، فما ذكروه من أنّه لو تطوّع المالك بإخراجها جاز ، متّجه.

لا يقال : فعلى هذا لا وجه لتخصيص هذه الثلاثة بالمنع بعد ما بيّنّا ـ فيما سبق ـ من أنّ الخيار للمالك في إخراج أيها شاء.

لأنّا نقول : المقصود بمثل هذه النواهي بيان ما يستحقّه الساعي بحيث لو امتنع المالك عن أداء الزكاة ، أو كان غائبا مثلا ، أو أوكل الأمر إليه ، بأن يقول له : خذ ما تستحقّه من غير زيادة ، فيستفاد من مثل هذه النواهي أنّه ليس للساعي ـ عند كون الأمر موكولا إليه شرعا أو برخصة المالك ـ أن يأخذ مثل المذكورات التي هي من كرائم أموالهم ، فلا ينافيه كون المالك مخيّرا في دفع أيّها شاء.

ثمّ إنّهم اختلفوا في عدّ الأكولة وفحل الضراب من النصاب ، فظاهر الأكثر كما في المدارك (١) ، بل المشهور كما في الحدائق (٢) عدّهما.

وحكي عن جمع ، منهم المحقّق في النافع ، والشهيد في اللمعة ، والعلّامة في الإرشاد : عدم عدهما (٣) ، واختاره صريحا في الحدائق (٤).

وعن المحقّق الأردبيلي : نفي البعد عنه (٥) ، لقوله ـ عليه‌السلام ـ في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة (٦) : «ليس في الأكيلة ، ولا في الربّى التي

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٠٦.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٦٩.

(٣) حكاه عنهم : صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٦٩ ، وانظر : المختصر النافع : ٥٦ ، واللمعة الدمشقية : ٥٠ ، وإرشاد الأذهان ١ : ٢٨١.

(٤) الحدائق الناضرة ١٢ : ٧٠.

(٥) حكاه صاحب الحدائق فيها ١٢ : ٧٠ ، وانظر مجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٧٤.

(٦) تقدّمت في صفحة ٢٧٦.

٢٧٨

تربّي اثنين ، ولا شاة لبن ، ولا فحل الغنم صدقة» فإنّ ظاهرها عدم تعلّق الزكاة بهذه الأصناف ، كما تقدّمت الإشارة إليه.

وفي المدارك بعد أن استدلّ للقول المزبور بهذه الصحيحة ، قال :وهي غير صريحة في المطلوب ، لاحتمال أن يكون المراد بنفي الصدقة فيها عدم أخذها في الصدقة ، لا عدم تعلّق الزكاة بها ، بل ربّما تعيّن المصير إلى هذا الحمل ، لاتّفاق الأصحاب ظاهرا على عدا شاة اللبن والربّى.

واستقرب الشهيد ـ رحمه‌الله ـ في البيان عدم عدّ الفحل خاصة إلّا أن يكون كلّها فحولا أو معظمها ، فيعدّ ، والمسألة محلّ إشكال ، ولا ريب أنّ عدّ الجميع أولى وأحوط (١). انتهى.

واعترضه في الحدائق بأنّ الصحيحة وإن لم تكن صريحة كما ذكره ، إلّا أنّها ظاهرة في ذلك تمام الظهور ، والاستدلال لا يختصّ بالصريح ، بل كما يقع به يقع بالظاهر ـ إلى أن قال ـ : وما أيّد به هذا الحمل من قوله بعد العبارة المتقدّمة : بل ربّما تعيّن المصير إلى هذا الحمل ، لاتّفاق الأصحاب ظاهرا على عدّ شاة اللبن والربّى ، ففيه : أنّ ما ذكره من الاتّفاق غير معلوم ولا مدّعي في المسألة.

ومع فرض دعواه ، فأيّ مانع من العمل بظاهر الخبر ، وترجيحه على الإجماع المذكور؟ومع تسليم العمل به وترجيحه على الخبر ، فأيّ مانع من العمل بالخبر المذكور في الباقي ممّا لم يقم إجماع ولا دليل على ما ينافيه؟ (٢) انتهى ملخّصا.

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١٠٦ ـ ١٠٧ ، وانظر : البيان : ١٧٦.

(٢) الحدائق الناضرة ١٢ : ٦٩ ـ ٧٠.

٢٧٩

أقول : ما ذكره من ظهور الصحيحة في نفي تعلّق الزكاة بالمذكورات ، وصحّة الاستدلال بالظاهر ، وعدم صلاحيّة نقل الإجماع بعد ثبوته لمعارضتها ، وجيه ، ولكن الغالب في المذكورات عدم كونها مرسلة في مرجها عامها ، إذ المراد بشاة اللبن على الظاهر ما يعزلها صاحب الغنم عن قطيعة التي يرسلها في مرجها عامها ، ويتركها في بيته للانتفاع بلبنها في مئونة عياله والواردين عليه من الضيف ونحوه ، وهي لا تكون غالبا إلّا معلوفة ، كما أنّ الأكيلة التي تعزل للأكل وتسمن لا تكون غالبا إلّا كذلك ، بل فحل الضراب أيضا في الغالب ليس إلّا كذلك ، وكذلك الربّى التي تربّي اثنين ، فلا محالة قد يرعيها المالك في الغالب ولو بعلفها في الليل ، فيمكن كون الصحيحة واردة مورد الغالب من عدم تحقّق شرط الزكاة ، أي : السوم محضا ، من غير كونه مشوبا بالعلف في المذكورات.

فيشكل حينئذ رفع اليد عن عمومات أدلّة الزكاة بمثل هذا الإطلاق ، خصوصا بعد الالتفات إلى أنّ ثبوت الزكاة في مثل هذه الأصناف على تقدير كونها جامعة للشرائط ، أولى ، لكونها من خيار أمواله ، وأكثرها نفعا ، فكونها كذلك موجب لصرف الإطلاق إلى غيرها ممّا لا تكون جامعة للشرائط لو لم نقل بانصرافها في حدّ ذاتها إليه من حيث الغلبة ، فما ذهب إليه المشهور مع أنه أحوط هو الأقوى.

(ويجوز أن يدفع من غير غنم البلد وإن كان أدون قيمة) سواء كان في زكاة الإبل أو الغنم ، لإطلاق أدلّتها.

وفصّل بينهما في المسالك ، فقال في شرح عبارة المصنّف : هذا ـ أي جواز الإخراج من غير غنم البلد ـ مع التساوي في القيمة ، أو كونها زكاة

٢٨٠