مصباح الفقيه - ج ١٣

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
الطبعة: ٠
الصفحات: ٦٢٥

الإبل ، وإلّا لم يجزئ إلّا بالقيمة (١).

ولعلّ مبناه دعوى أنّ المنساق من قوله ـ عليه‌السلام ـ : «في أربعين شاة شاة» (٢) إرادة واحدة من النصاب ، وأنّ الاجتزاء بدفع شاة من غير غنم البلد إنّما هو من باب القيمة.

ولكن مقتضى ذلك اعتبار التساوي في القيمة حتّى في غنم البلد إذا كانت خارجة من النصاب ، ولعلّه ملتزم بذلك ، وتخصيص الكلام بما إذا كان من غير البلد للجري مجرى الغالب من عدم زيادة قيمة جميع أجزاء النصاب من قيمة الأفراد المتعارفة من سائر غنم البلد.

وكيف كان ، فهو ضعيف ، لما عرفت ـ فيما سبق ـ من أنّ ظاهر النصوص والفتاوى وقوع مطلق الشاة التي يأخذها المصدّق مصداقا للفريضة الواجبة عليه لا خصوص ما هي أجزاء النصاب ، وكيف لا ، مع ذهاب المشهور إلى كفاية الجذع من الضأن في زكاة الغنم ، مع أنّه يمتنع كونه من أجزاء النصاب بناء على ما هو المشهور من تفسيره بما كمل له سبعة أشهر.

(ويجزئ الذكر والأنثى) سواء كان النصاب فحولا أو إناثا أو ملفّقا (لتناول الاسم) أي اسم الشاة التي جعلت فريضة لهما على الإطلاق بمقتضى إطلاق دليلها.

فما عن الخلاف من أنّ من كان عنده أربعون شاة أنثى أخذ منه أنثى ، وفي الذكر يتخيّر (٣).

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ٣٨٣.

(٢) الكافي ٣ : ٥٣٤ / ١ ، التهذيب ٤ : ٢٥ / ٥٨ ، الإستبصار ٢ : ٢٢ / ٦١ ، الوسائل ، الباب ٦ من أبواب زكاة الأنعام ، الحديث ١.

(٣) كما في الجواهر ١٥ : ١٦٧ ، وانظر : الخلاف ٢ : ٢٥ ، المسألة ٢٢.

٢٨١

وعن جامع المقاصد من أنه يتخيّر في الذكران أو في شاة الإبل لا مطلقا (١).

وعن المختلف من أنّه يجوز دفع الذكر إذا كان بقيمة واحدة منها دون غيره (٢) ، ضعيف.

ودعوى أنه هو مقتضى قاعدة الشركة في العين ، قد عرفت ما فيها فيما مرّ ، كما أنّك عرفت آنفا اندفاع ما قد يتوهّم من أنّه إذا كانت الجميع أنثى ، فلا يكون دفع الذكر إلّا من باب القيمة ، فلا يكون مجزيا إلّا إذا كان بقيمة واحدة منها ، فلاحظ.

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١٦٧ ـ ١٦٨ ، وانظر : جامع المقاصد ٣ : ١٧.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١٦٨ ، وانظر : مختلف الشيعة : ١٣٢ ـ ١٣٣ ، المسألة ١٠٣.

٢٨٢

(القول في زكاة الذهب والفضّة)

(ولا تجب الزكاة في الذهب حتّى يبلغ عشرين دينارا) أي مثقالا شرعيّا.

في الجواهر : بلا خلاف أجده فيه نصّا وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص متواترة فيه (١).

فإذا بلغ عشرين (ففيه) نصف دينار ، وهو كما في المتن (٢) وغيره (٣) : (عشرة قراريط).

في القاموس : القيراط والقرّاط بكسرهما ، يختلف وزنه بحسب البلاد ، فبمكّة ربع سدس دينار ، وبالعراق نصف عشرة (٤).

فما في المتن وغيره ، بل الشائع في عرف الفقهاء من التعبير عن نصف دينار بعشرة قراريط ، وعن عشرة بقيراطين ، منزل على ما بالعراق.

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٦٨.

(٢) شرائع الإسلام ١ : ١٥٠.

(٣) المختصر النافع : ٥٦.

(٤) القاموس المحيط ٢ : ٣٧٩.

٢٨٣

(ثم ليس في الزائد شي‌ء حتّى تبلغ أربعة دنانير ، ففيها قيراطان ، ولا زكاة فيما دون عشرين مثقالا ، ولا فيما دون أربعة دنانير ، ثمّ كلما زاد المال أربعة ، ففيه قيراطان بالغا ما بلغ) (وقيل : لا زكاة في العين) أي المذكورة (حتّى تبلغ أربعين) دينارا (ففيها دينار).

وقد نسب في المعتبر ـ على ما حكي عنه ـ هذا القول إلى ابني بابويه ، وجماعة (١).

وعن الخلاف نسبته إلى قوم من أصحابنا (٢).

(و) القول (الأول أشهر) فتوى ورواية ، بل هو المشهور ، كما ادّعاه غير واحد (٣). بل عن غير واحد (٤) دعوى الإجماع عليه ، أو نفي الخلاف.

ويدلّ عليه أخبار كثيرة :

منها : ما عن الكليني ـ في الصحيح ـ عن الحسين بن يسار ، قال :سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ ، في كم وضع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، الزكاة؟ فقال : «في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم ، فإن نقصت فلا زكاة فيها ، وفي الذهب في كلّ عشرين دينارا نصف دينار ، فإن نقص فلا زكاة فيها» (٥).

__________________

(١) كما في الجواهر ١٥ : ١٦٩ ، وانظر : المعتبر ٢ : ٥٢٣.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١٦٩ ، وانظر : الخلاف ٢ : ٨٤ ، المسألة ٩٩.

(٣) كصاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٦٩.

(٤) حكاه صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٦٩ ، وانظر : الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٥ ، والخلاف ٢ : ٨٤ ، المسألة ٩٩.

(٥) الكافي ٣ : ٥١٦ / ٦ وفيه : الحسين بن بشار ، الوسائل ، الباب ١ و ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٣ و ٣.

٢٨٤

وفي الموثّق عن عليّ بن عقبة ، وعدة من أصحابنا ، عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليهما‌السلام ـ ، قالا : «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء ، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال إلى أربعة وعشرين ، وإذا كملت أربعة وعشرين ففيها ثلاثة أخماس دينار إلى ثمانية وعشرين ، فعلى هذا الحساب كلما زاد أربعة» (١).

وعنهم بإسناده عن أبي عيينة ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ ، قال :«إذا جازت الزكاة العشرين دينارا ، ففي كلّ أربعة دنانير عشر دينار» (٢).

وعن الشيخ ـ في الصحيح ـ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر ، قال :سألت أبا الحسن ـ عليه‌السلام ـ عمّا اخرج من المعدن من قليل أو كثير هل فيه شي‌ء؟ قال : «ليس فيه شي‌ء حتّى يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» (٣).

وعنه ـ في الموثّق ـ عن يحيى بن أبي العلاء ، عن أبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ قال : في عشرين دينارا نصف دينار» (٤).

وعنه أيضا ـ في الموثّق ـ عن زرارة ، عن أبي جعفر ـ عليه‌السلام ـ قال :«في الذهب إذا بلغ عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وليس فيما دون العشرين شي‌ء ، وفي الفضة إذا بلغت مائتي درهم خمسة دراهم ، وليس فيما دون المائتين شي‌ء ، فإذا زادت تسعة وثلاثون على المائتين فليس فيها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥١٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ / ١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٥.

(٢) الكافي ٣ : ٥١٦ / ٤ وفيه : ابن عيينة ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٦.

(٣) التهذيب ٤ : ١٣٨ / ٣٩١ ، الوسائل ، الباب ٤ من أبواب ما يجب فيه الخمس ، الحديث ١.

(٤) التهذيب ٤ : ٦ / ١٤ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٦ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٨.

٢٨٥

شي‌ء حتّى تبلغ الأربعين ، وليس في شي‌ء من الكسور شي‌ء حتّى تبلغ الأربعين ، وكذلك الدنانير على هذا الحساب» (١).

وعنه أيضا ـ في الموثّق ـ عن زرارة وبكير ، أنّهما سمعا أبا جعفر ـ عليه‌السلام ـ يقول في الزكاة : «أمّا في الذهب فليس في أقلّ من عشرين دينارا شي‌ء ، فإذا بلغت عشرين دينارا ففيه نصف دينار ، وليس في أقلّ من مائتي درهم شي‌ء ، فإذا بلغ مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فبحساب ذلك ، وليس في مائتي درهم وأربعين درهما غير درهم إلّا خمسة دراهم ، فإذا بلغت أربعين ومائتي درهم ففيها ستّة دراهم ، فإذا بلغت ثمانين ومائتي درهم ففيها سبعة دراهم ، وما زاد فعلى هذا الحساب ، وكذلك الذهب» (٢) الحديث.

ويدلّ عليه أيضا صحيحة الحلبي ، قال : وسئل أبو عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : عن الذهب والفضّة ما أقلّ ما يكون فيه الزكاة؟ قال :«مائتا درهم وعدلهما من الذهب» (٣).

وصحيحة محمّد بن مسلم أو حسنته ، قال : سألت أبا عبد الله ـ عليه‌السلام ـ عن الذهب كم فيه من الزكاة؟ فقال : «إذا بلغ قيمته مائتي درهم فعليه الزكاة» (٤) فإن قيمة مائتي درهم في صدر الشريعة

__________________

(١) التهذيب ٤ : ٧ / ١٥ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٧ ، الوسائل ، الباب ١ و ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٦ و ٩.

(٢) التهذيب ٤ : ١٢ / ٣٣ ، الوسائل ، الباب ١ و ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١٠ و ١١.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٦ / ٧ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١.

(٤) الكافي ٣ : ٥١٦ / ٥ ، التهذيب ٤ : ١٠ / ٢٨ ، الإستبصار ٢ : ١٣ / ٣٨ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٢.

٢٨٦

عشرون دينارا ، على ما نصّ عليه الأصحاب ، وشهدت به الآثار ، ولذلك خيّر الشارع في باب الديات والجنايات بينهما ، وجعلهما على حد سواء ، إلى غير ذلك.

ويدلّ عليه أيضا غير ذلك من الروايات التي لا حاجة إلى استقصائها ، وستمرّ عليك جملة منها في طيّ المباحث الآتية إن شاء الله.

واستدلّ للقول الآخر بموثّقة الفضلاء عن أبي جعفر وأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ أنّهما قالا : «في الذهب في كلّ أربعين مثقالا مثقال ، وفي الورق في كلّ مائتين خمسة دراهم ، وليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي‌ء ، ولا في أقلّ من مائتي درهم شي‌ء ، وليس في النيّف شي‌ء حتى يتمّ أربعون فيكون فيه واحد» (١).

واستدلّ له أيضا بصحيحة زرارة المرويّة عن التهذيب ، قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما وتسعة وثلاثون دينارا ، أيزكّيهما؟ قال : «لا ، ليس عليه شي‌ء من الزكاة في الدراهم ولا في الدنانير ، حتّى تتم أربعين والدراهم مائتي درهم».

وقال : قلت : فرجل عنده أربعة أينق (٢) ، وتسعة وثلاثون شاة ، وتسعة وعشرون بقرة أيزكّيهنّ؟ قال : «لا يزكّي شيئا منها ، لأنّه ليس شي‌ء منهنّ قد تمّ فليس تجب فيه الزكاة» (٣).

وفي الحدائق بعد أن نقل الاستدلال له بهذه الرواية ، قال ما لفظه :

__________________

(١) التهذيب ٤ : ١١ / ٢٩ ، الإستبصار ٢ : ١٣ / ٣٩ ، الوسائل ، الباب ١ و ٢ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٧ و ١٣.

(٢) أينق : جمع قلة لناقة ، وأصله : أونق. النهاية لابن الأثير ٥ : ١٢٩.

(٣) التهذيب ٤ : ٩٢ / ٢٦٧ ، الإستبصار ٢ : ٣٨ / ١١٩ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١٤.

٢٨٧

ويشكل بأنّ هذه الرواية قد رواها الصدوق في الفقيه بما هذه صورته.

قال زرارة : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل عنده مائة وتسعة وتسعون درهما ، وتسعة عشر دينارا ، أيزكّيهما؟ فقال : «لا ، وليس عليه زكاة في الدراهم ، ولا في الدنانير حتى تتمّ» قال زرارة : وكذلك هو في جميع الأشياء ، وقال : قلت ، إلى آخر ما تقدم.

وبذلك يضعّف الاعتماد على رواية الشيخ للخبر المذكور ، ولهذا إنّ المحدّث الكاشاني في الوافي إنّما نقل الخبر برواية الصدوق ، ثمّ نبيه على رواية الشيخ ، وقال : إن ما في الفقيه هو الصواب (١). انتهى ما في الحدائق.

وممّا يؤيّد وقوع التحريف في رواية الشيخ ولكن من النسّاخ لا منه :أنّ الشيخ أورد هذه الرواية كما سمعت ، ولم يتعرّض لتوجيهها كما تعرّض لتوجيه الرواية الأولى (٢) بما ستسمعه ، فهذا ينبئ عن أنّ تلك الرواية لم تكن مخالفة لمذهبه ، وإنّما وقع الاشتباه في نقلها.

وكيف كان ، ففي المدارك بعد أن نقل احتجاج ابن بابويه لمذهبه برواية الفضلاء ، قال : وهذه الرواية مرويّة في التهذيب والاستبصار بطريق فيه عليّ بن الحسن بن فضّال ، وقيل : إنّه فطحيّ ، لكن روى الشيخ ـ في الصحيح ـ عن زرارة نحو ذلك ، فإنّه قال : قلت لأبي عبد الله ـ عليه‌السلام ـ : رجل عنده مائة درهم وتسعة وتسعون درهما ، ثمّ ساق الحديث إلى مائتي درهم.

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٨٨ ، وانظر : الفقيه ٢ : ١١ / ٣٢ ، والوافي ١٠ / ٦٩.

(٢) أي : رواية الفضلاء.

٢٨٨

ثمّ قال : وأجاب الشيخ في التهذيب عن الرواية الأولى بأنّ قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس في أقلّ من أربعين مثقالا شي‌ء» يجوز أن يكون أراد به دينارا واحدا ، لأنّ قوله : «شي‌ء» يحتمل الدينار ولما يزيد عليه ولما ينقص عنه ، وهو يجري مجرى المجمل الذي يحتاج إلى التفصيل.

قال : وإذا كنّا قد روينا الأحاديث المفصّلة في أنّ في كل عشرين دينارا نصف دينار ، وفيما يزيد عليه في كلّ أربعة دنانير عشر دينار ، حملنا قوله ـ عليه‌السلام ـ : «وليس فيما دون الأربعين دينارا شي‌ء» أنّه أراد به دينارا واحدا ، لأنّه متى نقص عن الأربعين إنّما يجب فيه دون الدينار.

فأمّا قوله في أوّل الخبر : «في كلّ أربعين مثقالا مثقال» ليس فيه تناقض لما قلناه ، لأنّ عندنا أنّه يجب فيه دينار وإن كان هذا ليس بأوّل نصاب ، وإذا حملنا هذا الخبر على ما قلناه ، كنّا قد جمعنا بين هذه الأخبار على وجه لا تنافي بينها. هذا كلامه ـ رحمه‌الله تعالى.

ولا يخفى ما في هذا التأويل من البعد وشدة المخالفة للظاهر ، ويمكن حمل هذه الرواية على التقيّة ، لأنها موافقة لمذهب بعض العامّة ، وإن كان أكثرهم على الأوّل (١). انتهى ما في المدارك.

أقول : لولا مخالفة الإجماع وإعراض المشهور عن هذه الرواية ، لكان الجمع بينها وبين غيرها من الروايات المزبورة بحمل الزكاة فيما دون الأربعين على الاستحباب أولى من ارتكاب هذا النحو من التكلفات ، وإن كان هذا أيضا لا يخلو من إشكال ، فإنّ ، الأخبار بظاهرها متعارضة ، والمقام مقام الترجيح لا الجمع ، ومن الواضح قصور هذه الرواية عن معارضة الروايات المشهورة بين الأصحاب فتوى ورواية من جميع الوجوه ،

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١١١ ـ ١١٢ ، وانظر : التهذيب ٤ : ١١ ، ذيل الحديث ٢٩.

٢٨٩

فالأولى ردّ علمها إلى أهله.

(ولا زكاة في الفضّة حتى تبلغ مائتي درهم ، ففيها خمسة دراهم ، ثمّ كلما زادت أربعين كان فيها درهم).

في الجواهر : بلا خلاف أجده في شي‌ء من ذلك نصّاب وفتوى ، بل الإجماع بقسميه عليه ، والنصوص يمكن دعوى تواترها فيه (١).

أقول : وقد تقدّم جملة من النصوص الدالّة عليها ، ولا حاجة إلى استقصائها.

(وليس فيما نقص عن الأربعين زكاة ، كما ليس فيما ينقص عن المائتين شي‌ء) ولو يسيرا كالحبة ونحوها وإن تسومح فيه في المعاملات العرفيّة ، لأنّ المسامحة العرفية لا يبتني عليها الأحكام الشرعيّة ، إذ الحقيقة في التقدير كونه على التحقيق دون التقريب ، كما اعترف به في الجواهر (٢).

ولكن لا يخفى عليك أنّ المسامحة العرفيّة قد تكون في الصدق ، كإطلاق المثقال أو الرطل أو المن أو غير ذلك من أسماء المقادير ، على ما نقص عنها بمقدار غير معتدّ به مسامحة ، كإطلاق المن على ما نقص عنه بمثقال ، والمثقال على ما نقص عنه نصف حبّة مثلا ، وهذا إطلاق مسامحي مبنيّ على ضرب من التجوز ، فهذا ممّا لا اعتداد به في التقديرات الشرعيّة الواردة في مقام التحديد ، كما في قوله ـ عليه‌السلام ـ : «ليس فيما دون العشرين مثقالا من الذهب شي‌ء ، فإذا كملت عشرين مثقالا ففيها نصف مثقال» (٣) فإنّ مقتضى حمله على حقيقته نفي الزكاة

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٧٢.

(٢) جواهر الكلام ١٥ : ١٧٣.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٥ / ٣ ، التهذيب ٤ : ٦ / ١٣ ، الإستبصار ٢ : ١٢ / ٣٥ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٥.

٢٩٠

فيما نقص عن العشرين كائنا ما كان ولو أقلّ قليل.

وقد تكون في المصداق ، كإطلاق الذهب على الذهب الردي‌ء الغير الخالص عن الأجرام الموجبة لرداءته وإطلاق الحنطة على الحنطة الغير النقيّة عن الأجزاء الأرضيّة ، وشبهها المستهلكة فيها.

وهذا النحو من المسامحة موجبة لاندراج الموضوعات تحت مسمّياتها عرفا ، فيكون إطلاق العرف أساميها عليها إطلاقا حقيقيّا فيترتّب عليها أحكامها ، وقد تقدّم في كتاب الطهارة في مبحث المياه ، وكذا في التيمّم بالتراب ، مزيد توضيح لذلك (١) ، فلاحظ.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ أسماء المقادير أسام لأصول مضبوطة محدودة في الواقع بحدود غير قابلة للزيادة والنقيصة ، فكأنّ جميعها مأخوذة من أصل واحد ، مثل أنّ الذراع الجديد الذي وضعه العبّاسيّون لتحديد المسافات ، أصله ذراع خاصّ عيّنه المأمون مثلا لتقدير المساحة وحقّة إسلامبول المتعارفة في هذه الأعصار ، أصلها الحقّة التي أرسلوها من إسلامبول إلى سائر البلاد ، وهكذا سائر المقادير.

فالعشرون مثقالا الذي هو نصاب الذهب اسم لمقدار خاصّ لا يصدق حقيقة على ما نقص عن ذلك المقدار ولو بمقدار شعرة ، وكلّ فرد من أفراد الذهب أو غيره إمّا بالغ وزنه هذا الحدّ أو ليس ببالغة ، وطريق معرفته : موازنته بالموازين المتعارفة في البلاد اللاتي يعتمد عليها العرف والعقلاء في تشخيص مقادير الأشياء ، فلو اختلفت الموازين ، فبلغ ببعضها حد النصاب دون الآخر ، سقطت الموازين عن الاعتبار ، حيث علم إجمالا بمخالفة أحدهما للواقع ، ولدى تعذّر تحقيق ما هو الحقّ منهما ،

__________________

(١) تقدم في صفحة ٢٥ و ٤٧٤ من الطبع الحجري.

٢٩١

يجب الرجوع في حكمه إلى ما يقتضيه الأصل ، وهو براءة الذمة عن التكليف بالزكاة ، كما حكي القول بذلك عن خلاف الشيخ وتذكرة الفاضل (١) ، خلافا لما عن غير واحد من الحكم بالوجوب.

ففي المسالك بعد أن اعترف بأنّه لو نقص عن النصاب ولو حبة في كل الموازين ، لم تجب الزكاة ، قال : وأمّا لو نقص في بعضها وكمل في بعض آخر وجبت ، لاغتفار مثل ذلك في المعاملة (٢).

وفيه : أنّ اغتفاره في المعاملة مبنيّ على المسامحة ، ولذا يتسامحون لدى اختلاف الموازين في الفضّة بما لا يتسامحون بمثله في الذهب ، وفي الحنطة والشعير بما لا يتسامحون في النقدين ، وفي أيّام الرخاء بما لا يتسامحون في أيّام الغلاء.

والحاصل أنّ المدار على بلوغ النصاب حقيقة لا مسامحة ، واختلاف الموازين أو اتّفاقها لا يؤثّر في تغيير الحكم.

واستدلّ له أيضا بصدق بلوغ النصاب بهذا الميزان وهو كاف في وجوب الزكاة ، إذ لا يعتبر بلوغه بالجميع ، لعدم إمكان تحقّقه.

وفيه ما عرفت من أنّ موضوع الحكم كونه في حدّ ذاته بالغا حد النصاب ، سواء وجد في العالم ميزان أم لم يوجد ، والرجوع إلى الموازين المتعارفة في البلد ، لكونها طريقا لمعرفة مقادير الأشياء ، فإذا بلغ النصاب بشي‌ء منها ، يجب التعويل عليه من باب أصالة الصحّة والسلامة ما لم يعلم نقصه ، كما جرت عليه سيرة العرف والعقلاء في معاملاتهم ، ولدى

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١٥ : ١٧٣ وانظر : الخلاف ٢ : ٧٥ ، المسألة ٨٨ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ١٢٦.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ٣٨٤.

٢٩٢

معارضة بعضها ببعض سقطت الجميع عن الاعتبار ، فتصير الأصول مرجعا حتّى عند العرف والعقلاء ، كما لا يخفى على من راجعهم في أبواب معاملاتهم من مثل بيع السلم وشبهه ، ما لم يكن بناؤهم على المسامحة ، فلاحظ.

(والدرهم : ستّة دوانيق ، والدانق : ثمان حباب من أوسط حبّ الشعير).

في الجواهر : بلا خلاف أجده ، بل عن ظاهر بعض وصريح غيره :دعوى اتّفاق الخاصّة والعامّة عليه ، وتصريح اللغويّين به (١).

وفي المدارك بعد أن ذكر أنّ الواجب حمل الدرهم الواقع في النصوص الواردة عن الأئمة ـ عليهم‌السلام ـ ، على ما هو المتعارف في زمانهم ـ عليهم‌السلام ـ قال : وقد نقل الخاصّة والعامّة أنّ قدر الدرهم في ذلك الزمان ستّة دوانيق ، ونصّ عليه جماعة من أهل اللغة (٢).

وقال العلامة في القواعد : والدرهم ستّة دوانيق ، والدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير ، والمثاقيل لم تختلف في جاهليّة ولا إسلام ، أمّا الدراهم فإنّها مختلفة الأوزان ، واستقرّ الأمر في الإسلام على أنّ وزن الدرهم ستّة دوانيق ، كلّ عشرة منها سبعة مثاقيل من ذهب (٣).

وفي مفتاح الكرامة قال في شرح هذه العبارة : أمّا كون الدرهم ستّة دوانيق ، فقد صرّح به في المقنعة والنهاية والمبسوط والخلاف وما تأخّر

__________________

(١) جواهر الكلام ١٥ : ١٧٤.

(٢) مدارك الأحكام ٥ : ١١٣ ـ ١١٤.

(٣) قواعد الأحكام ١ : ٥٤.

٢٩٣

عنها ، بل ظاهر الخلاف أنّ عليه إجماع الأمّة. وظاهر المنتهى في الفطرة الإجماع. وفي المدارك : أنّه نقله الخاصّة والعامّة ، ونصّ عليه جماعة من أهل اللّغة. وفي المفاتيح : أنّه وفاقي عند الخاصّة والعامّة. وفي الرياض : أنّه لم نجد فيه خلافا بين الأصحاب ، وأنّه عزّاه جماعة منهم إلى الخاصّة والعامّة وعلمائهم مؤذنين بكونه مجمعا عليه عندهم.

وأمّا كون وزن الدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير ، فقد صرّح به المفيد وجمهور من تأخّر عنه. وفي المفاتيح : أنّه لا خلاف فيه منّا.

وقال العلامة المجلسي في رسالته ـ على ما حكي عنه ـ في تحقيق الأوزان : إنّه متّفق عليه بينهم ، وأنّه صرّح به علماء الفريقين. ومثله قال صاحب الحدائق. وفي المدارك : قطع به الأصحاب. وفي المنتهى : نسبته إلى علمائنا.

وأمّا كون كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ، فظاهر الخلاف إجماع الأمّة عليه ، وفي رسالة المجلسي : أنّه ممّا لا شكّ فيه ، وممّا اتّفقت عليه الخاصّة والعامّة ، وقال أيضا : إنّ ممّا لا شكّ فيه أنّ المثقال الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي ، فالصيرفي مثقال وثلث من الشرعي.

ثم قال : وأمّا كون المثاقيل لم تختلف في جاهليّة ولا إسلام عمّا هي عليه الآن ، ففي الحدائق : أنّه صرّح به علماء الطرفين ، وقد نقل ذلك عن الرافعي في شرح الوجيز.

ثم قال : قلت : وهو الموجود في شرحه الآخر لليمني ، وبه صرّح المصنّف في النهاية ، والمحقّق الثاني على ما حكي ، ويستفاد ذلك من قولهم : الدرهم ستّة دوانيق ، والدانق ثماني حبّات من أوسط حبّ الشعير ، فحيث علم الدرهم وعلم نسبته إلى المثقال علم المثقال (١). انتهى

__________________

(١) مفتاح الكرامة ج ٣ كتاب الزكاة ، ص ٨٨ ، وانظر : المقنعة : ٢٥١ ، والنهاية : ١٩١ ، والمبسوط : ٢٠٩ ، والخلاف ٢ : ٧٩ ، المسألة ٩٥ ، ومنتهى المطلب ١ : ٥٣٧ ، ومدارك الأحكام ٥ : ١١٤ ، ومفاتيح الشرائع ١ : ٥٠ ، ورياض المسائل ١ : ٢٧٠ ، والحدائق الناضرة ١٢ : ٩٠ و ٩١ ، وفتح العزيز ٦ : ٥ ، ونهاية الاحكام ٢ : ٣٤٠ ، وجامع المقاصد ٣ : ١٨ ، ومجمع الفائدة والبرهان ٤ : ٩٦.

٢٩٤

ما في مفتاح الكرامة.

وفي الحدائق قال : لا خلاف بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ وغيرهم أيضا ، أنّ الدنانير لم يتغير وزنها عمّا هي عليه الآن في جاهلية ولا إسلام ، صرّح بذلك جملة من علماء الطرفين.

قال شيخنا العلّامة ـ أجزل الله إكرامه ـ في النهاية : والدنانير لم يختلف المثاقل منها في جاهلية ولا إسلام.

وكذا نقل عن الرافعي في شرح الوجيز أنّه قال : المثاقيل لم تختلف في جاهلية ولا إسلام ، والدينار مثقال شرعي ، فهما متّحدان وزنا ، فلذا يعبر في أخبار الزكاة تارة بالدينار ، وتارة بالمثقال.

وأمّا الدراهم ، فقد ذكر علماء الفريقين أيضا أنّها كانت في زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ ، سابقا ، كما كانت قبل زمانه بغليّة ، وكان وزن الدرهم منها ثمانية دوانيق ، وطبريّة وزن الدرهم منها أربعة دوانيق ، وهكذا بعده إلى زمن بني أميّة ، فجمعوا الدرهمين وقسّموها نصفين ، كلّ درهم ستّة دوانيق ، واستقرّ أمر الإسلام على ذلك.

قال شيخنا الشهيد في كتاب الذكرى نقلا عن ابن دريد : إنّ الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين ، منسوب إلى رأس البغل ، ضربه الثاني في خلافته بسكّة كسرويّة ، وزنه ثمانية دوانيق.

قال : إنّ البغليّة كانت تسمّى قبل الإسلام بالكسرويّة ، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام والوزن بحاله ، وجرت في المعاملة مع الطبريّة وهي

٢٩٥

أربعة دوانيق ، ولمّا كان في زمن عبد الملك ، جمعهما واتّخذ الدرهم منهما ، واستقرّ أمر الإسلام على ستّة دوانيق (١). انتهى ما في الحدائق.

ولقد أطلنا الكلام في نقل الكلمات ، حيث إنّما هي العمدة في تشخيص مثل هذه الموضوعات ، وإن كانت العادة قاضية بأنّ ما اشتهر بين المسلمين في ضبط مقدار الدينار والدرهم ـ اللّذين بني عليهما أحكام شرعيّة كثيرة عامّة الابتلاء ـ من كون المثاقل الشرعي ثلاثة أرباع الصيرفي ، وكون الدرهم نصف المثقال وخمسه ، مأخوذا من أسلافهم يدا بيد ، خصوصا بعد الالتفات إلى قضاء العادة ببقاء عين الدراهم والدنانير المتعارفة في تلك الأعصار إلى الأعصار المتأخّرة ، بل قد يوجد في هذه الأعصار من الدنانير القديمة ، ولعلّ منها الدنانير التي يقال لها : أبو لعيبة ، فمثل هذه الأشياء لا يختفي وزنها على العلماء المتصدّين لضبطه.

وأمّا ما ذكروه من تحديد الدرهم بستّة دوانيق ، والدانق بثمان حبّات من أوسط حبّ الشعير ، وتحديدهم للذراع الأسود الذي وضعه العبّاسيّون بعدّة أصابع ، وتحديد كلّ إصبع بسبع شعيرات أو ستّ ، وتحديد كلّ شعير بسبع شعرات ، فهو تحديد تقريبي ذكروه لشدّة الاحتياط في ضبطه بما لا يسلم عن اختلاف كثير حتّى بالنسبة إلى صنف واحد من شعير مكان خاصّ في سنة واحدة ، فضلا عن البلاد المختلفة في الأقاليم المتشتّتة ، كما لا يخفى على من اختبره بمكيال كبير ، إذ قلّما يتفق مساواة مكيالين منه في العدد.

وفي الحدائق ، بعد أن نقل عن علماء الفريقين التصريح بأن الدرهم

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٨٩ ـ ٩٠ ، وانظر : نهاية الاحكام ٢ : ٣٤٠ ، وفتح العزيز ٦ : ٥ ، والذكرى : ١٦.

٢٩٦

ستّة دوانيق ، وأنّ كلّ دانق ثمان حبّات ، قال : إلّا أنّا قد اعتبرنا ذلك بالشعير الموجود في زماننا لأجل استعلام كمّيّة صاع الفطرة بصنج البحرين ، فوجدنا في ذلك نقصانا فاحشا عن الاعتبار بالمثاقيل الشرعيّة وهي الدنانير ، والظاهر أنّ حبّات الشعير المتعارفة سابقا كان أعظم حجما وأثقل وزنا من الموجود في زماننا (١). انتهى.

ولعلّ هذا هو الوجه فيما ورد من تحديد الدانق باثنتي عشرة حبّة من أوسط حبّ الشعير في خبر سليمان بن حفص المروزي عن أبي الحسن الرضا ـ عليه‌السلام ـ ، أنّه قال : «الدرهم [وزن] (٢) ستّة دوانيق ، والدانق وزن ستّ حبّات ، والحبة وزن حبّتي شعير من أوساط الحبّ ، لا من صغاره ولا من كباره» (٣).

والحاصل : أنّ تحديد المثقال أو الذراع وشبههما بالشعيرات أو الشعرات احالة على أمر غير مضبوط ، مع أنّ الدينار بنفسه شي‌ء معيّن ، وزنه مضبوط لم يتغيّر في جاهليّة ولا إسلام إلى هذه الأعصار المتأخّرة في كثير من بلاد المسلمين ، وهو ثلاث أرباع الصيرفي ، وهذا ممّا لا شبهة فيه.

(و) قد سمعت عن جملة منهم التصريح بأنّ الدرهم وزنه نصف مثقال شرعي وخمسه ، فعلى هذا (يكون مقدار العشرة) دراهم (سبعة مثاقيل) فالمائتا درهم التي هي أوّل نصب الفضّة وزن مائة وأربعين مثقالا.

(ومن شرط وجوب الزكاة فيهما) مضافا إلى بلوغ النصاب : (كونهما مضروبين دنانير ودراهم منقوشين بسكّة المعاملة)

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١٢ : ٨٩ ـ ٩٠.

(٢) زيادة من المصدر.

(٣) التهذيب ١ : ١٣٥ ـ ١٣٦ / ٣٧٤ ، الوسائل ، الباب ٥٠ من أبواب الوضوء ، الحديث ٣.

٢٩٧

بلا خلاف فيه على الظاهر فيما عدا ما فرّ به عن الزكاة ، كما ستعرفه.

بل في المدارك : هذا قول علمائنا أجمع ، وخالف فيه العامّة ، فأوجبوا الزكاة في غير المنقوش إذا كان نقارا (١) ، بل عن الغنية والانتصار والتذكرة أيضا دعوى الإجماع عليه (٢).

ويدلّ على اعتبار هذا الشرط جملة من الأخبار :

منها : صحيحة عليّ بن يقطين أو حسنته بإبراهيم بن هاشم ، عن أبي إبراهيم ـ عليه‌السلامة ، قال : قلت له : إنه يجتمع عندي الشي‌ء الكثير قيمته ، فيبقى نحوا من سنة ، أنزكّيه؟ فقال : «لا ، كلّ ما لم يحل عليه الحول فليس عليك فيه زكاة ، وكلّ ما لم يكن ركازا فليس عليك فيه شي‌ء» قال : قلت : وما الركاز؟ قال : «الصامت المنقوش» ثمّ قال : «إذا أردت ذلك فاسبكه ، فإنه ليس في سبائك الذهب ونقار الفضّة شي‌ء من الزكاة (٣).

وعن الشيخ في الموثّق عن جميل بن درّاج ، عن أبي عبد الله وأبي الحسن ـ عليهما‌السلام ـ أنّهما قالا : «ليس في التبر (٤) زكاة ، إنّما هي على الدنانير والدراهم» (٥).

__________________

(١) مدارك الأحكام ٥ : ١١٥.

(٢) كما في الجواهر ١٥ : ١٨٠ ، وانظر : الغنية (الجوامع الفقهية) : ٥٠٥ ، والانتصار : ٨٠ ، وتذكرة الفقهاء ٥ : ١١٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٨ ، التهذيب ٤ : ٨ / ١٩ ، الإستبصار ٢ : ٦ / ١٣ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٢.

(٤) التبر : ما كان من الذهب غير مضروب ، ولا يقال تبر إلّا للذهب ، وبعضهم يقوله للفضّة أيضا. الصحاح ٢ : ٦٠٠.

(٥) التهذيب ٤ : ٧ / ١٨ ، الإستبصار ٢ : ٧ / ١٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ٥.

٢٩٨

وعن الصدوق أنّه رواها عن جميل بن درّاج بسند فيه إرسال وإضمار نحوها (١).

وربّما يدلّ عليه أيضا بعض الروايات الآتية الدالّة على نفيها عن السبائك والحلي والنقار.

فهذا ، أي : اعتبار كونهما مسكوكين بسكّة المعاملة ، بحيث اندرجا في مسمّى الدنانير والدراهم ، أي : النقدين اللّذين يتعامل بهما على إجماله ، ممّا لا شبهة فيه.

كما أنّه لا شبهة في عدم اعتبار حصول المعاملة بهما بالفعل ، بل يكفي كونهما كذلك سابقا ، كما صرّح به المصنّف وغيره ، فقالوا : (أو ما كان يتعامل بهما) إذ العبرة نصّا وفتوى باندراجهما في مسمّى الدينار والدرهم ، وهذا ممّا لا يختلف فيه الحال بين بقائهما على ما كانا عليه من المعاملة بهما وبين هجرهما وسقوط سكّتهما عن الاعتبار.

كما أنه لا يتفاوت الحال فيه بين كون السكّة بالكتابة وبين غيرها من الأشكال ، ولا بين كونها سكّة الإسلام أو الكفر ، ولا بين عموم رواجها في سائر البلاد أو في خصوص بلد ولو من البلاد النائية ، بلا خلاف في شي‌ء منها على الظاهر ، بل ولا بين سكّة السلطان وغيرها إذا جرت في المعاملة ، كما صرّح به بعض (٢).

ويدلّ عليه مضافا إلى عموم الأدلّة ، خصوص خبر زيد الصائغ الآتي (٣) في مسألة الدراهم المنقوشة ، فلاحظ.

__________________

(١) انظر : الجواهر ١٥ : ١٨٠.

(٢) انظر : مستند الشيعة ٢ : ٢٧ ، وكشف الغطاء : ٣٥٠.

(٣) يأتي في صفحة ٣١٣.

٢٩٩

فرع : لو اتّخذ المضروب بالسكّة للزينة كالحلي أو غيرها ، فعن الروضة وشرحها للفاضل الأصفهاني : لم يتغيّر الحكم ، زاده الاتّخاذ أو نقصه في القيمة ما دامت المعاملة به على وجهه ممكنة (١) ، لإطلاق الأدلّة والاستصحاب الذي به يرجّح الإطلاق المزبور على ما دلّ على نفيها عن الحليّ ، وإن كان التعارض بينهما العموم من وجه ، بل يحكم عليه ، لأنّ الخاصّ وإن كان استصحابا يحكم على العامّ وإن كان كتابا ، هكذا قيل (٢).

وفيه نظر ، إذ لا مقتضي لتحكيم إطلاق وجوب الزكاة في النقدين على عموم ما دلّ على نفيها عن الحليّ ، بل العكس أولى بالإذعان ، خصوصا بالنسبة إلى بعض الروايات النافية المشتملة على التعليل المقتضي للاطّراد المشعر باختصاص شرع الزكاة بالمال الذي من شأنه الصرف في النفقة والصدقة ونحوهما ، لا مثل الحليّ الذي وضع للبقاء ، كما في خبر يعقوب بن شعيب المروي عن الكافي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحليّ أيزكّي؟ فقال : «إذن لا يبقى منه شي‌ء» (٣).

وخبر عليّ بن جعفر عن أخيه ، قال : سألته عن الزكاة في الحليّ ، قال : «إذن لا يبقى» (٤) إلى غير ذلك من الروايات الكثيرة التي لها قوّة ظهور في العموم.

مع إشعار جملة منها بأنّ لعنوان كونه حليّا من حيث هو مدخلية في وضع الزكاة عنه ، وأنّ زكاته إعارته ، كما يؤيّد ذلك ما ستسمعه عن

__________________

(١) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٨٢ ، وانظر : الروضة البهية ٢ : ٣٠.

(٢) قاله صاحب الجواهر فيها ١٥ : ١٨٢.

(٣) الكافي ٣ : ٥١٨ / ٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضّة ، الحديث ١.

(٤) قرب الإسناد : ٢٢٨ / ٨٩٣ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب زكاة الذهب والفضة ، الحديث ٩.

٣٠٠