مصباح الفقيه - ج ١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

الاستفصال في تلك الرواية على عدمه.

ومنها : لزوم العسر والحرج ، فإنّ التحرّز عن الغسالة حرج في كثير من المقامات من جهة جريانها إلى غير محلّ النجاسة وبالنسبة إلى المقدار المتقاطر والمقدار المتخلّف ، وربّما أيّد ذلك بعضهم ببعض المبعّدات والتقريبات الذوقيّة.

وفيه : منع العسر والحرج ، كيف وبناء الناس في سائر الأعصار والأمصار على التحرّز عنها ، وعلى تقدير تحقّقه في بعض الأحيان لا يوجب رفع الحكم كلّيّة ، بل يختص بخصوص مورده ، كسائر التكاليف الشرعيّة التي يسقطها دليل نفي الحرج في كثير الموارد.

وأمّا ما ذكره من الإشكال بما يتقاطر إلى الثوب والبدن بعد تحقّق الغسل ، ففيه : أنّ القائل بنجاسة الغسالة ربما يلتزم بطهارة ما يبقى في المغسول بعد تحقّق مسمّى الغسل تبعا للمغسول ، ولا محذور فيه بعد مساعدة الأدلّة ، وعلى تقدير التزامه بنجاستها لا يتوجّه عليه إلّا مجرّد استبعاد لا يرفع به اليد عمّا تقتضيه الأدلّة والأصول.

وممّا يستدلّ به لطهارة الغسلة المطهّرة : أنّ الباقي بعد الانفصال جزء المفصول ، وهو طاهر إجماعا فكذا المفصول ، لأنّ الماء الواحد لا تختلف أجزاؤه بالحكم.

وفيه ـ بعد تسليم المقدّمة ـ : أنّ الباقي خرج عن الجزئيّة بالانفصال ، وتبع المغسول في الحكم ، كما يدلّ عليه الإجماع والأخبار ، ويساعد عليه العرف والاعتبار.

٣٢١

ألا ترى أنّ الطبع يتنفّر من مساورة يد قذرة بالقذرات الصوريّة ، وكذا يستكره استعمال الماء المستعمل في إزالتها ، وكذا يشمئزّ من مساورة يد نظيفة تلوّثت بهذا الماء المستعمل ولا يتنفّر من مساورة تلك اليد القذرة التي أزيل قذارتها بهذا الماء الذي صيرته مستعملا ، ولا يلتفت أصلا إلى كون البلل الباقي فيها جزءا من هذا الماء ، بل يلاحظ في النظافة والقذارة نفس اليد لا غير.

وكذا لا إشكال نصّا وفتوى في طهارة ماء الاستنجاء ، ولكن الطبع يتنفّر من استعماله ومن مساورة من تلوّثت يده به ، ولا يستكره مساورة من استنجى وصيّر الماء مستعملا مع بقاء البلّة في يده.

وإذا تصوّرت ما ذكرت لك من التقريب ظهر لك أنّه لو ادّعى مدّع معرفته نجاسة الغسالة مع قطع النظر عن الأدلّة المتقدّمة تشبيها لها بالمياه المستعملة في القذارات الصورية التي تنتقل القذارة من المغسول إلى الغسالة ، ويعامل معها العرف بالطبع معاملة نفس القذارات ، ما ادّعى أمرا بعيدا.

وقد يقال في تقريب الاستدلال على طهارة الغسالة المطهّرة : بأنّ الماء فيها ما أصاب جزءا إلّا وقد طهّره ، فلا يتحقّق بالنسبة إليها ملاقاة النجس عرفا وإن استلزمها عقلا.

وفي مقدّمته الأخيرة منع ظاهر ، لما عرفت من ظهور كونها تخصيصا لعموم الملاقاة بنظر العرف ، فكيف يمكن دعوى انصراف الأدلّة عنها بعد تسليم العموم!؟

٣٢٢

وأمّا مقدّمته الاولى : ففيها كلام سيجي‌ء تفصيله إن شاء الله.

والإنصاف أنّ التفصيل بين أنحاء الملاقاة بالالتزام بالطهارة في شي‌ء من الموارد دون ما عداه في غاية الإشكال ، فلا بدّ إمّا من الالتزام بعدم انفعال الماء القليل ما لم يتغيّر ، كما عن العماني (١) ، أو القول بالانفعال مطلقا ، وقد عرفت في محلّه أنّ الثاني مع أنّه أحوط غالبا أقوى بالنظر إلى ظواهر الأدلّة ، والله العالم بحقائق الأمور.

تنبيه : لا ملازمة بين القول بطهارة الغسالة وبين اعتبار ورود الماء على النجس ، ضرورة أنّه لو تمّ شي‌ء من أدلّتهم لاقتضى القول بطهارتها مطلقا ، واعتبار ورود الماء على النجس على القول به شرط شرعيّ تعبّديّ دائر مدار دليله لا مدخليّة له بطهارة الغسالة وعدمها ، بل ربما يظهر من بعض وجود القول بالطهارة مطلقا ، وعدم اشتراطه ورود الماء.

وربما يستظهر من بعض من نفى شرطيّة الورود : اختيار التفصيل في طهارة الغسالة بين ما لو ورد الماء على النجس فلا ينجس ، نظرا إلى انصراف أدلّة النجاسة عن شمول الماء الوارد غسالة كان أم غيرها ، وبين ما لو وردت النجاسة عليه فينجس ، لما عرفته في أدلّة المختار ، ويطهر الثوب المغسول به ، لحصول الغسل المأمور به ، والله العالم.

تذنيب : هل يجوز على القول بطهارة الغسالة استعمالها في رفع الحدث وإزالة الخبث أم لا يجوز مطلقا أم يجوز في الثانية دون الاولى؟

وجوه ، أقواها : التفصيل ، للنهي في رواية ابن سنان عن التوضّؤ من الماء

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ١٣ ، المسألة ١.

٣٢٣

الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة (١).

مضافا إلى نقل الإجماع عليه ، كما عن المعتبر والمنتهى (٢).

وقد يناقش في الرواية بقصور السند ، وفي الإجماع المنقول بعدم الحجّيّة خصوصا في مثل المقام الذي لو كان محصّلا لأمكن منع اعتباره ، لقوّة احتمال استناد القائلين بالنجاسة في منعهم إلى نجاستها ، فلا يوجب اجتماعهم في مثل المقام القطع بموافقة المعصوم عليه‌السلام أو وجود دليل معتبر غير ما بأيدينا من الأدلّة.

ولكنّك ستعرف ضعف المناقشة في سند الرواية ، فالقول بالمنع قويّ.

وأمّا إزالة الخبث : فلإطلاقات أدلّة الغسل بالماء.

ودعوى انصرافها إلى غير هذا الفرد عريّة عن الشاهد ، وعلى تقدير الشكّ فالمرجع استصحاب مطهّرية الماء الحاكم على استصحاب النجاسة.

نعم ربما يستظهر من بعض الأخبار المنع ، مثل : رواية عمّار ، المتقدّمة (٣) الآمرة بإفراغ الماء ثلاثا.

وفي دلالتها منع ظاهر قد أشرنا إلى وجهه فيما سبق.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٢١ ـ ٦٣٠ ، الإستبصار ١ : ٢٧ ـ ٧١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ١٣.

(٢) حكاه عنهما صاحب الجواهر فيها ١ : ٣٥٠ ، وراجع : المعتبر ١ : ٩٠ ، ومنتهى المطلب ١ : ٢٤.

(٣) تقدّمت في ص ٣٠٨.

٣٢٤

هذا إذا لم يكن دليل القول بالطهارة لزوم العسر والحرج ، وإلّا فلا يجوز استعمالها في إزالة الخبث أيضا ، بل لا يخلو القول بنجاستها والعفو عنها ـ كما هو أحد القولين في ماء الاستنجاء ـ عن قوّة.

واعلم أنّ بعض القائلين بالطهارة جعلوا خلوّ كلام القدماء عن التعرّض لبيان حكم الغسالة وسائر فروعها الخفيّة ـ كحكم القطرات العالقة على المحلّ وغيره من الفروع المتكاثرة ـ مع عموم البلوى بها وشدّة الحاجة إلى معرفتها بناء على النجاسة من مؤيّدات مذهبهم.

وفيه : أنّ عدم تعرّضهم يدلّ على إيكالهم معرفة حكمها إلى ما ذكروه في مبحث الماء القليل من أنّه ينجس بملاقاة النجس ، لكونه جزئيّا من جزئيّاته ، ولذا خصّوا ماء الاستنجاء بالذكر ولم يتعرّضوا لغيره ، فهذا يشعر باختصاصه بالخروج عن القاعدة الكلّيّة التي ذكروها في ذلك المبحث.

وأمّا الفروع الخفيّة التي أشار إليها فإنّما صارت خفيّة في أنظار المدقّقين ، وإلّا فلا يشتبه على أهل العرف حكمها بعد علمهم بأنّ المغسول يطهر بالغسل ، لظهور كون القطرات العالقة وما بحكمها تابعة للمحلّ في نظرهم ، كما أوضحناه سابقا في ضمن مثال.

ألا ترى أنّ المتديّنين من العوام مع أنّهم معتقدون نجاسة الغسالة لا يلتفتون أصلا إلى هذه الفروع.

فرع : حكم الغسالة حكم النجاسة التي انفعلت بها في كفاية غسل ما يلاقيها مرّة أو أزيد ، فيعتبر التعدّد في غسالة البول وإن كانت من الغسلة

٣٢٥

المطهّرة ، وتكفي المرّة في غسالة سائر النجاسات ، كما تكفي المرّة في تطهير ما تنجّس بملاقاتها بنفسها على ما ستعرفه في محلّه.

ويحتمل الاكتفاء بالمرّة في غسالة البول أيضا خصوصا في الغسلة المطهّرة ، بل لا يخلو القول بكفاية الواحدة فيها عن قوّة وإن كان الأوّل أشبه.

ثم إنّك قد عرفت في مطاوي الكلمات السابقة تلويحا وتصريحا أنّ الماء المستعمل ـ الذي تقدّم الكلام في نجاسته ـ إنّما هو ما (عدا ماء الاستنجاء.)

وأمّا ماء الاستنجاء (فإنّه) لا بأس به بلا خلاف فيه إجمالا ، لأخبار مستفيضة :

منها : حسنة الأحول ـ وهو محمّد بن نعمان ـ قال : قلت للصادق عليه‌السلام : أخرج من الخلاء فأستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به ، فقال : «لا بأس» (١).

ورواها في العلل عن رجل عن العيزار (٢) عن الأحول أنّه قال لأبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به ، فقال : «لا بأس» فسكت ، فقال : «أو تدري لم صار لا بأس به؟» فقلت : لا والله جعلت فداك ، فقال عليه‌السلام : «إنّ الماء أكثر من

__________________

(١) الكافي ٣ : ١٣ ـ ٥ ، الفقيه ١ : ٤١ ـ ١٦٢ ، التهذيب ١ : ٨٥ ـ ٢٢٣ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ١.

(٢) في المصدر : العنزا.

٣٢٦

القذر» (١).

ومنها : رواية عبد الكريم بن عتبة الهاشمي ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام :عن الرجل يقع ثوبه على الماء الذي استنجى به ، أينجّس ذلك ثوبه؟ قال : «لا» (٢).

ومنها : رواية محمّد بن نعمان ـ المصحّحة ـ عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : قلت له : أستنجي ثم يقع ثوبي فيه وأنا جنب ، فقال عليه‌السلام : «لا بأس به» (٣).

وبهذا كلّه يقيّد إطلاق قوله عليه‌السلام في مضمرة العيص بعد أن سأله عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء : «إن كان من بول أو قذر فيغسل ما أصابه» (٤).

وحيث إنّ الإمام عليه‌السلام علّل نفي البأس عن الثوب الذي أصابه ماء الاستنجاء في رواية الأحول : بأكثريّة الماء من القذر ، يعلم منه أنّ القذر المستهلك في الماء لا يؤثّر في تنجيس الماء حتى يتنجّس به الثوب ، فيستفاد منه بأتمّ إفادة أنّ ماء الاستنجاء (طاهر) كما صرّح به المصنّف

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٨٧ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٢.

(٢) التهذيب ١ : ٨٦ ـ ٢٢٨ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٨٦ ـ ٢٢٧ ، الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٤.

(٤) المعتبر ١ : ٩٠ ، الذكرى : ٩ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ١٤.

٣٢٧

وغيره ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه ، لا أنّه نجس معفوّ عنه ، كما عن ظاهر بعض ، بل عن صريح الذكرى (١) تقويته ، إذ لو لا طهارة الماء لما صحّ تعليل نفي البأس عن ملاقيه بأكثريّته ، إذ يجب أن يكون بين العلّة والمعلول مناسبة ، وهي منتفية في الفرض حيث إنّه على هذا التقدير بمنزلة ما لو سئل عن حكم ملاقي الدم الكثير الذي أريق في إناء فيه قطرة بول ، فنفي عنه البأس ، ثمّ قال : «أو تدري لم صار لا بأس به؟ .. لأنّ الدم أكثر من البول» وهو كما ترى.

بل قد يقال : إنّه يستفاد ذلك أيضا من رواية عبد الكريم حيث إنّ تنجيس الثوب ـ على ما هو المغروس في أذهان المتشرّعة ـ من آثار نجاسة الماء ولوازمه ، فإذا قال عليه‌السلام : إنّه لا ينجّس الثوب ، يفهم منه عرفا أنّه ليس بنجس ، إذ لم يعهد لديهم وجود نجس غير منجّس ، ولذا لا يتردّدون في نجاسة الثوب الملاقي لشي‌ء من النجاسات بعد علمهم بنجاسته.

هذا ، ولكن لمانع أن يمنع هذه الاستفادة في خصوص المقام ، لما أشرنا من أنّ منشأها مغروسيّة القاعدة المسلّمة في أذهانهم ، وهي كون كلّ نجس منجّسا.

وهذه القاعدة منخرمة في المقام جزما ، لدوران الأمر بين كون الماء نجسا غير منجّس ، أو كون القذر الذي يستنجى منه كذلك ، وليس الثاني أولى من الأوّل ، فلا يفهم من عدم تنجّس الثوب ونفي البأس عنه في

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٣٥٤ ، وراجع : الذكرى : ٩.

٣٢٨

المقام إلّا عدم كون الماء مؤثّرا في تنجيسه ، وأمّا عدم نجاسة الماء فلا ، إلّا أن يقال : إنّ الالتزام بنجاسة الماء يستلزم التصرّف في جميع الأدلّة الدالّة على عدم جواز استعمال الماء النجس في المأكول والمشروب والوضوء والصلاة وغيرها ممّا يشترط بالطهارة ، لثبوت نفي البأس عن الكلّ ولو بالإجماع ، وهذا بخلاف ما لو التزمنا بطهارة الماء ، فإنّه لا يستلزم التصرّف إلّا فيما دلّ على انفعال الماء القليل بالنسبة إلى ماء الاستنجاء ، وهذا أهون من الأول.

هذا مع إمكان أن يقال : إنّ عدم تنجيس الملاقي أمارة عند المتشرّعة لإثبات عدم النجاسة لو لا العلم بتحقّقها من دليل خارجي ، وحيث إنّ نجاسة الماء في الفرض غير معلومة ، إذ لا دليل عليها عدا عموم انفعال الماء القليل الواجب تخصيصه بهذه الأمارة ، لأخصّيتها منه ، فيجب الحكم بطهارة الماء ، ولذا نجد من أنفسنا انسباق طهارة الماء إلى الذهن من هذه الرواية ، كما استدلّ بها غير واحد من الأعلام ، بل يمكن دعوى استفادة الطهارة أيضا من رواية محمّد بن نعمان الأخيرة ، لأنّ البأس الذي يتوهّمه السائل في مثل هذه الموارد ليس إلّا نجاسة الثوب الملاقي للماء ، فحيث نفى البأس عنه يفهم منه عرفا طهارته ، ولذا استمرّ سيرة العلماء في إثبات الطهارة بنفي البأس في مثل هذه الموارد ، أو إثبات النجاسة بثبوت بأس في الجملة ، كالمنع من الوضوء أو الصلاة أو الأكل والشرب.

وسرّه ما أشرت إليه من أنّ منشأ توهّم البأس في تلك الموارد ليس إلّا احتمال نجاسته ، فحيثما نفاه يعلم عدمها ، وإطلاق نفي البأس عنه

٣٢٩

يقتضي عدم الفرق بين جفاف الثوب وعدمه ، فيستفاد منه بالدلالة التبعيّة طهارة الجزء الموجود بالفعل في الثوب ، ومن المعلوم عدم الفرق بينه وبين سائر الأجزاء ، فيجب أن يكون المجموع طاهرا.

ولا يقاس ذلك بالبلّة الباقية من الغسالة في المحلّ المغسول به ، للفرق بين المقامين ، كما أوضحناه سابقا في ضمن مثال ، فتأمّل.

وممّا يؤيّد القول بالطهارة : الإجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة المحقّقة ، بل ربما يستدلّ له بها.

وفيه مناقشة ، لا لمجرّد كونها منقولة ، وهي غير معتمدة ، بل لخلوّ كلام جملة من القدماء عن التصريح بالطهارة ، فلا تسمع دعوى الإجماع من مدّعيه.

هذا ، مع أنّه لا ينفع ممّن قال بطهارة الغسالة ، لأنّ الطهارة عنده على القاعدة والاتّفاق الملفّق من القول باستثنائه من نجاسة الغسالة.

والقول بكونه على قاعدتها من الطهارة لا يورث القطع بموافقة الإمام عليه‌السلام الذي هو مناط اعتبار الإجماع لدى المتأخّرين.

وكيف كان فالظاهر أنّ المراد بالعفو عند القائل به إنّما هو العفو عن ملاقيه بمعنى عدم سراية نجاسته إليه.

قال في محكي المنتهى : عفي عن ماء الاستنجاء إذا وقع شي‌ء منه على ثوبه وبدنه (١).

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٥٦ ، وراجع : منتهى المطلب ١ : ٢٤.

٣٣٠

فملخّص هذا القول : التفكيك بين آثار النجاسة ، فبالنسبة إلى ذاته يعامل معاملة النجس ، فيحرم شربه ، ولا يجوز استعماله في إزالة الحدث والخبث ، ولكنّه لا يؤثّر في ملاقيه أصلا ، فلو وقع شي‌ء منه في الماء الذي يتوضّأ منه إن استهلك فيه فلا بأس به ، وإلّا فلا يجزئ إلّا على تقدير حصول العلم بوصول الماء الطاهر إلى جميع مواضع الغسل.

وأمّا حمله في الصلاة : فإن قلنا بعدم جواز حمل النجس فيها ، فمقتضى القاعدة : المنع منه ، فلا يجوز الصلاة في الثوب الذي أصابه الماء إلّا بعد زوال عينه واستهلاكه عرفا.

ويحتمل أن يكون مراد القائلين بالعفو معاني أخر غير ما ذكر ، ولكنّه لا حاجة إلى استقصائها بعد وضوح ضعف المبنى ، وعلى تقدير الالتزام به فالمتعيّن إرادة العفو بالمعنى المذكور ، كما لا يخفى وجهه على الناظر في وجهه.

ولا فرق في ماء الاستنجاء بين المخرجين ، كما صرّح به غير واحد ، ويقتضيه إطلاق غيرهم ، بل لم ينقل من أحد التصريح بالفرق بين المخرجين ، ولكنّه قد يستشكل في توجيهه بناء على اختصاص لفظ الاستنجاء بغسل موضع الغائط.

وفيه ـ مضافا إلى تصريح جماعة بشموله لغسل مخرج البول ـ أنّ العادة قاضية بندرة انفراد الغائط عن البول واجتماع غسالتهما غالبا في مكان واحد ، فلا يمكن تنزيل الأخبار المطلقة الواردة في مقام الحاجة على إرادة صورة انفراد غسالة الغائط.

٣٣١

وكون لفظ الاستنجاء حقيقة في خصوصها لا يصحّح إطلاق الجواب بعد قضاء العادة بندرة الانفكاك ، فيفهم من ذلك حكم صورة انفراد البول بالفحوى وعدم القول بالفصل.

هذا ، مع أنّ ترك الاستفصال في مثل المقام لأجل جواز إرادة السائل ما هو أعمّ ولو مجازا بقرينة الغلبة ، يفيد العموم.

وكذا لا فرق بين المخرج الطبيعي وغيره بشرط اعتياده ، بل مطلقا بشرط إطلاق الاسم عليه ، لإطلاق النصوص والفتاوى ، وانصرافها إلى الطبيعي بدويّ منشؤه ندرة الوجود ، فليس بضائر ، ولكن الإنصاف أنّ تعميم الحكم بالنسبة إلى المخرج الغير الطبيعي الذي لم يكن معتادا مشكل جدّا.

ودعوى كون التشكيك فيه بدويّا غير مسموعة ، فالتفصيل بينه وبين غيره لا يخلو عن وجه ، بل تعميم الحكم بالنسبة إلى غير المخرج الطبيعي ولو مع اعتياده لا يخلو عن إشكال ، نظرا إلى أنّ المنسبق إلى الذهن من أسئلة السائلين ليس إلّا ما يتعارف وجوده بحسب أصل الخلقة ، فإطلاق الجواب المنزّل عليه ، وأمّا إطلاق معاقد الإجماعات فلا وثوق بإرادة المجمعين ما يعمّ هذا الفرد ، والله العالم.

ولا فرق بين سبق اليد إلى المحلّ وعدمه ما لم يتحقّق الإعراض بحيث تخرج اليد عن الآليّة ، وتعدّ نجاستها نجاسة خارجيّة ، ولا بين تعدّي النجاسة عن المحلّ المتعارف وعدمه ما لم يخرج عن صدق اسم الاستنجاء عليه عرفا من دون مسامحة ، لإطلاقات الأدلّة.

٣٣٢

هذا كلّه (ما لم يتغيّر) أحد أوصاف الماء المنفصل (بالنجاسة) وإلّا فينجس بلا خلاف فيه ظاهرا ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ عموم ما دلّ على النجاسة المتغيّر وإن كان أعمّ من أخبار الاستنجاء من وجه ، لكن عموم النجاسة أقوى بالنسبة إلى مورد الاجتماع ، لضعف ظهور أخبار الاستنجاء بالنظر إلى هذا الفرد ، بل إمكان دعوى انصرافها عنه خصوصا بعد الالتفات إلى أنّه ليس لنا ماء لا يفسده التغيّر حتى الكرّ والجاري وماء المطر ، مضافا إلى إشعار التعليل بأكثريّة الماء في رواية الأحول بأنّ المناط قاهريّة الماء واستهلاك القذر فيه.

ثم لا يخفى عليك أنّ مقتضى الأدلّة المتقدّمة إنّما هو طهارة ماء الاستنجاء من حيث هو ، فلا ينافيها نجاسته لو كان المحلّ متنجّسا بنجاسة أخرى ، فطهارة ماء الاستنجاء إنّما هي ما لم يتنجّس المحلّ بنجاسة أخرى خارجة عن حقيقة ما يستنجى منه داخليّة كانت أم خارجيّة (أو تلاقيه) أي ماء الاستنجاء (نجاسة من خارج).

وبحكمه ما لو بقي عين النجس الذي يستنجى منه حسّا في الماء بعد الانفصال ، فإنّه حينئذ بمنزلة النجاسة الخارجية الواصلة إليه فينجّسه.

ولا فرق في ملاقاة المحلّ للنجس بين كونها قبل انفعاله بالنجاسة التي يستنجي منها أو معه أو بعده ، لأنّ انفعال المحلّ بسبب سابق لا يقتضي لغويّة الملاقاة اللاحقة لو كان لها أثر خاصّ ، كما فيما نحن فيه ،

٣٣٣

وهو تنجيس الماء ، فيجب أن يؤثّر السبب اللاحق فيه أيضا بقدر قابلية المحلّ.

نعم قد يتوهّم الطهارة فيما لو خرج مع الغائط شي‌ء من الدم ولاقى المحلّ ، لتعارفه خصوصا بالنسبة إلى أرباب البواسير ، ولا يخرج الماء بذلك عن كونه مصداقا لماء الاستنجاء ، فيعمّه الحكم.

ويدفعه : أنّ الدم الخارج كالغائط بنظر العرف له مدخليّة في إيجاب غسل ملاقيه ، فكما يصدق ـ في الفرض ـ عليه الماء الاستنجاء كذلك يصدق عليه غسالة الدم ولا أقلّ من تأثيره في التشكيك في إرادة هذا الفرد من المطلقات ، فلا يمكن استفادة حكمه منها ، لأنّ مثل هذا التشكيك مضرّ في التمسّك بالإطلاق جزما.

ولو خرج مع ما يستنجى منه أو بعده بعض الأجسام الطاهرة ـ كالوذي أو المذي أو الدود أو البلغم أو نحوها ـ فالأظهر عدم تأثيرها في نجاسة الماء.

وقد يتوهّم نجاسته ، نظرا إلى انفعالها بعد الخروج ، فليس ملاقاة المحلّ لها إلّا كملاقاته للمتنجّس الخارجي.

ويدفعه : عدم ملحوظيّة هذه الأشياء بنظر العرف بحيث يرون لها آثارا مستقلّة ، وليست هذه الأشياء بنظر العرف من الخصوصيات المصنّفة لماء الاستنجاء حتى يمكن ادّعاء أنّه لا يفهم عرفا من الأدلّة إلّا طهارة بعض دون بعض خصوصا مع غلبة حدوث هذه الأشياء ، وترك التفصيل في النصوص والفتاوى ومعاقد إجماعاتهم ، بل الظاهر طهارة الماء لو

٣٣٤

أصاب المحلّ جسم طاهر فتأثّر منه حيث إنّ العرف حين يرونه متأثّرا من المخلّ لا يتعقّلون تأثيره فيه حتّى يوجب ذلك صرف الأدلّة عن شموله ، والمتّبع في مثل هذه الموارد إنّما هو الفهم العرفي ، ولكن الاحتياط في هذه الصورة ، بل في سابقتها أيضا ممّا لا ينبغي تركه ، والله العالم.

فرع : صرّح غير واحد بعدم جواز استعمال ماء الاستنجاء في رفع الحدث ، واستدلّ له بما عن التحرير والمنتهى من دعوى الإجماع على عدم رفع الحدث بما يزال به الخبث (١).

ولكنّك عرفت في مبحث الغسالة أنّ التمسّك بالإجماع المحصّل فضلا عن منقولة في مثل المقام لا يخلو عن إشكال.

فما قوّاه في المستند والحدائق ـ وفاقا للمحكي عن الأردبيلي (٢) ـ من القول بالجواز (٣) لا يخلو عن وجه.

نعم يمكن الاستدلال له برواية ابن سنان ، الآتية الدالّة على عدم جواز الوضوء بالماء المستعمل في تطهير الثوب وغسل الجنابة وأشباهه ، بناء على كون النهي عن الوضوء تعبّديّا لا من حيث نجاسته ، لأنّ الماء المستعمل في الاستنجاء من أشباهه بلا شبهة ، وثبوت الطهارة له تعبّدا لا

__________________

(١) لم نجد دعوى الإجماع عليه في التحرير ، وكذا لم نعثر على مصدر ينسبها إليه ، بل في المدارك ١ : ١٢٦ ، والحدائق ١ : ٤٩٠ ، ومفتاح الكرامة ١ : ٩٥ ، وجواهر الكلام ١ : ٣٥٠ ، نسبتها إلى المعتبر ١ : ٩٠ ، والمنتهى ١ : ٢٤.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ١ : ٤٧٧ ، وراجع : مجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٨٩.

(٣) مستند الشيعة ١ : ١٨ ، الحدائق الناضرة ١ : ٤٧٧.

٣٣٥

يخرجه عن المشابهة العرفية ، ولكنّك ستعرف المناقشة في دلالتها على المدّعى.

نعم على القول بطهارة الغسالة مطلقا يتمّ الاستدلال بها ، كما سيتّضح وجهه.

وكيف كان فلا ينبغي الاستشكال في جواز استعماله في إزالة الخبث ، لحصول الغسل المأمور به معه ، وتقييده بما عداه يحتاج إلى دليل.

ودعوى الانصراف عن مثل هذا الماء المفروض طهارته غير مسموعة ، والله العالم.

(و) الماء (المستعمل في الوضوء طاهر) بضرورة مذهبنا (ومطهّر) عن الحدث والخبث إجماعا.

ويدلّ عليه ـ مضافا إلى الأصل والإجماع ـ الرواية الآتية.

وعن أبي حنيفة الحكم بنجاسته نجاسة مغلّظة حتى لو كان في الثوب منه أكثر من قدر الدرهم لم تجز الصلاة به (١).

وعن أبي يوسف أنّه نجس نجاسة مخفّفة ، فيجوز الصلاة به (٢).

ولا ينبغي الالتفات إليهما.

(وما استعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر) إجماعا ، ويجوز

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١ : ٣٥٩ ، وانظر : الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ٢٠ ، والمجموع ١ : ١٥١.

(٢) كما في جواهر الكلام ١ : ٣٥٩ ، وانظر : الهداية ـ للمرغيناني ـ ١ : ٢٠ ، والمجموع ١ : ١٥١.

٣٣٦

استعماله في إزالة الخبث بلا إشكال فيه ، للأصل والعمومات ، بل عن غير واحد دعوى الإجماع عليه.

وكذا لا إشكال بل لا خلاف في أنّه يرفع الحدث ثانيا لو كان كثيرا بالغا حدّ الكرّ أو جاريا وما بحكمه ، بل عن غير واحد نقل الإجماع عليه.

ويدلّ عليه السيرة المستمرّة عند المتشرّعة المعلوم تحقّقها من صدر الشريعة كما يفصح عن ذلك السير في أسئلة السائلين عن حكم المياه المجتمعة التي يغتسل فيها الجنب ، الظاهرة في كونه متعارفا لديهم ، إلى غير ذلك من القرائن الموجبة للقطع بذلك.

ويدلّ عليه أيضا غير واحد من الأخبار التي تقدّم بعضها في مبحث الكرّ :

منها : صحيحة صفوان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحياض التي ما بين مكّة إلى المدينة تردها السباع وتلغ فيها الكلاب وتشرب منها الحمير ويغتسل فيها الجنب ويتوضّأ منها ، قال : «وكم قدر الماء؟» قال : إلى نصف الساق وإلى الركبة ، فقال : «توضّأ منه» (١).

ويظهر من بعض الأخبار كراهة الاغتسال من المياه الراكدة التي يتعارف الاغتسال فيها في الحمّام وغيره : ففي خبر عليّ بن جعفر عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام في حديث ،

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٧ ـ ١٣١٧ ، الإستبصار ١ : ٢٢ ـ ٥٤ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٢.

٣٣٧

قال : «من اغتسل من الماء الذي اغتسل فيه فأصابه الجذام فلا يلومنّ إلّا نفسه» فقلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إنّ أهل المدينة يقولون : إنّ فيه شفاء من العين ، فقال : «كذبوا ، يغتسل فيه الجنب من الحرام ، والزاني والناصب الذي هو شرّهما وكلّ من خلق ثمّ يكون فيه شفاء من العين!؟» (١).

وظاهرها وإن كان كراهة الاغتسال ممّا اغتسل فيه مطلقا إلّا أنّ ذيلها ، بل وكذا التعليل بإصابة الجذام يشعر بأنّ المراد منها الاغتسال من المياه المتعارفة المعدّة للاستعمال التي يتوارد عليها عامّة الناس على وجه يكون في استعمالها ريبة إصابة الجذام ونحوه من الأمراض المسرية التي هي حكمة الكراهة ، والله العالم.

(وهل يرفع به الحدث ثانيا) لو كان قليلا؟ (فيه) قولان معروفان منشؤهما اختلاف الأخبار وتصادم الأدلّة ، ففيه (تردّد) بدويّ لا محالة.

ولكنّ المتأمل في مجموع الأخبار وما يقتضيه الجمع بين الأدلّة لا ينبغي أن يتردّد في أنّ الأقوى ـ كما هو الأشهر بل المشهور بين المتأخّرين ـ جوازه.

حجّة المانعين أمور :

منها : رواية أحمد بن هلال عن الحسن بن محبوب عن عبد الله بن

__________________

(١) الكافي ٦ : ٥٠٣ ـ ٣٨ ، الوسائل ، الباب ١١ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٢ ، والسند في المصدر هكذا : .. محمد بن علي بن جعفر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام.

٣٣٨

سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «لا بأس بأن يتوضّأ بالماء المستعمل» وقال (١) : «الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرجل من الجنابة لا يجوز أن يتوضّأ منه وأشباهه ، وأمّا الذي يتوضّأ الرجل به فيغسل وجهه ويده في شي‌ء نظيف فلا بأس أن يأخذه غيره ويتوضّأ به» (٢).

ونوقش فيها بضعف السند ، لاشتماله على أحمد بن هلال الذي روي اللعن عليه من العسكري عليه‌السلام (٣) ، وقد أكثروا في الطعن عليه برميه إلى الغلوّ تارة والنصب أخرى.

قال شيخنا المرتضى قدس سرّه : وبعد ما بين المذهبين لعلّه يشهد بأنّه لم يكن له مذهب رأسا (٤). ولكنّه ـ قدس سرّه ـ ذكر قرائن كثيرة موجبة للاطمئنان بصدق الرواية.

ويظهر من الفريد البهبهاني في حاشيته على المدارك (٥) أيضا الاعتماد عليها.

فالمناقشة فيها ممّن يعمل بالروايات الموثوق بها مشكلة جدّا ، ولكن للتأمّل في دلالتها مجال ، لغلبة اشتمال بدن الجنب على النجاسة ، كما يشهد به العادة خصوصا في تلك الأزمنة والأمكنة ، مضافا إلى شهادة

__________________

(١) في النسخ الخطية والطبعة الحجرية : فقال ، وما أثبتناه من المصدر.

(٢) التهذيب ١ : ٢٢١ ـ ٦٣٠ ، الإستبصار ١ : ٢٧ ـ ٧١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ١٣.

(٣) رجال النجاشي : ٨٣ ـ ١٩٩ ، اختيار معرفة الرجال : ٥٣٥ ـ ١٠٢٠.

(٤) كتاب الطهارة : ٥٧.

(٥) حاشية الوحيد البهبهاني على المدارك غير مطبوعة.

٣٣٩

الروايات الواردة في كيفيّة غسل الجنابة بذلك ، فيقوّى بها احتمال ورودها مورد الغالب.

هذا ، مع أنّ المتتبّع في الأخبار التي وقع فيها السؤال عن حكم الماء الذي يغتسل فيه الجنب والأجوبة الصادرة عن الأئمّة عليهم‌السلام لا يكاد يرتاب في أنّ جميعها ناظرة إلى نجاسة الماء وطهارته ، وأنّ الرخصة في التوضّؤ منه أو شربه مثلا لم تكن إلّا لبيان طهارته ، والنهي عن التوضّؤ أو الشرب لم يكن إلّا لبيان نجاسته ، وأمّا احتمال عدم جواز استعماله في التطهير تعبّدا لم يكن يخطر في أذهانهم أبدا.

ألا ترى أنّه حين سئل في غير واحد من الأخبار عن مجمع ماء ترد فيه السباع وتلغ فيه الكلاب ويغتسل منه الجنب أجابه بقوله عليه‌السلام : «إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي‌ء» (١).

وفي غير واحد من الأخبار سأل الرواة عن الثوب الذي يصيبه الماء المستعمل في غسل الجنابة ، فأجابوهم بنفي البأس (٢).

وفي صحيحة ابن مسلم ، الآتية في أدلّة المختار بعد أن سأله عن الحمّام يغتسل فيه الجنب اغتسل من مائه؟ قال : «نعم لا بأس أن يغتسل منه الجنب ولقد اغتسلت فيه وجئت فغسلت رجلي وما غسلت رجلي إلّا ممّا لزق بهما من التراب» (٣) إلى غير ذلك من الأخبار التي يستفاد منها أنّه

__________________

(١) أنظر : الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ و ٥.

(٢) الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الأحاديث ٩ و ١١ و ١٢.

(٣) التهذيب ١ : ٣٧٨ ـ ١١٧٢ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢ ، والباب ٩ من أبواب الماء المضاف والمستعمل ، الحديث ٣.

٣٤٠