مصباح الفقيه - ج ١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

الكرّ من الماء» إشارة إلى ما فهم من الصدر ، فلا يجوز أن يكون استدارة الكرّ في أصله صارفا له عن ظهوره.

والمراد من الرواية ـ والله العالم ـ أنّ الماء إن كان سعته مطلقا أي من جميع جوانبه ثلاثة أشبار ونصفا حال كون هذه المسافة ثابتة في تمام عمقه الذي هو أيضا ثلاثة أشبار ونصف ، فذلك الكرّ من الماء.

ويمكن أن يناقش في دلالتها : بأنّه ليس في هذه الرواية تصريح بكون ثلاثة أشبار ونصف عرضه حتى يقال : إنّ ذكره يغني عن ذكر الطول ، فمن الجائز أن يكون المراد من هذه الرواية مجموع مسطّح ثلاثة أشبار ونصف بأن كان مثلا عرضه شبرا وطوله ثلاثة أشبار ونصف ، فيكون مجموع مكعّبه اثني عشر شبرا وربع شبر.

ويدفعها : وجوب تقييد هذه الرواية بكون ثلاثة أشبار ونصف عرض مسافة الماء ، للرواية المتقدّمة وغيرها من الأخبار.

مضافا إلى الإجماع على عدم كون هذه المقدار حدّا للكرّ ، الكاشف عن عدم كون ثلاثة أشبار ونصف على إطلاقها مقصودة بالرواية ، بل المتأمّل في نفس الرواية وغيرها من القرائن الداخلية والخارجية لا يكاد يرتاب في عدم إرادة ذلك.

وكيف كان فهذان الخبران نصّان في زيادة النصف على الثلاثة فيرجّحان على رواية إسماعيل بن جابر ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الماء الذي لا ينجّسه شي‌ء ، فقال : «كرّ» قلت : وما الكرّ؟ قال : «ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار» (١) لاحتمال سقوط لفظ النصف فيها ، وعدم احتمال

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ٤١ ـ ١١٥ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

١٤١

زيادته في الروايتين ، مع اعتضادهما بالشهرة والإجماع المنقول وغيرهما من المؤيّدات التي سنشير إلى جملة منها.

وربما يقال في ترجيح رواية إسماعيل : بأنّ هذه المسافة أقرب إلى ما ورد من التحديد بالقلّتين والحبّ وأكثر من رواية :ففي رواية عبد الله بن مغيرة عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا كان الماء قلّتين لم ينجسه شي‌ء» (١).

وفي مرسلته الأخرى عن بعض أصحابه عنه عليه‌السلام ، قال : «الكرّ من الماء نحو حبّي هذا» وأشار إلى حبّ من تلك الحباب التي تكون بالمدينة (٢).

وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : قلت له : راوية من ماء سقطت فيها فأرة أو جرذ أو صعوة ميتة ، قال عليه‌السلام : «إذا تفسّخ فيها فلا تشرب من مائها ولا تتوضّأ وصبّها ، وإن كان غير متفسّخ فاشرب منه وتوضّأ واطرح الميتة إذا أخرجتها طريّة ، وكذلك الجرّة وحبّ الماء والقربة وأشباه ذلك من أوعية الماء» (٣).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٥ ـ ١٣٠٩ ، الإستبصار ١ : ٧ ـ ٦ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٨.

(٢) الكافي ٣ : ٣ ـ ٨ ، التهذيب ١ : ٤٢ ـ ١١٨ ، الإستبصار ١ : ٧ ـ ٥ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٢ ـ ١٢٩٨ ، الإستبصار ١ : ٧ ـ ٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٨.

١٤٢

وفي الجميع نظر ظاهر ، إذ لا امتناع عادة في أن تسع الحباب الكبار المتعارفة في أزمنتهم ألفا ومائتي رطل بالعراقي.

وأمّا القلّتان فهما الجرّتان العظيمتان.

وقد قيل (١) : إنّهما من قلال هجر ، وكان يسع كلّ واحدة منها ثلاث قرب أو أربع إلى خمس أو ستّ قرب من الماء.

ويدلّ على كون القلّة المتعارفة في أزمنتهم كذلك : الروايتان الآتيتان.

وأمّا الرواية الأخيرة فلا يمكن الأخذ بظاهرها ، بل لا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، إذ بعد توجيه التفصيل بين المتفسّخة وغيرها بدعوى ورودها مورد الغالب من كون المتفسّخة موجبة لتغيّر الماء في الغالب دون غيرها ، فهي من أدلّة القائلين بعدم انفعال الماء القليل بملاقاة النجس ، فيعارضها جميع الأدلّة المتقدّمة في محلّها ، ولا يمكن تقييد إطلاق القربة وأشباهها من أوعية الماء بما إذا كان ماؤها كرّا ، لأنّه تقييد بما لا يحتمل إرادته من الإطلاق ، كما لا يخفى.

نعم يؤيّدها ما أرسله الصدوق في المجالس حيث قال : روي أنّ الكرّ هو ما يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار عرضا في ثلاثة أشبار عمقا (٢).

ولكن يضعّف المؤيّد والمؤيّد ـ مضافا إلى قصورهما عن مكافئة

__________________

(١) راجع : جمهرة اللغة ١ : ١٦٤.

(٢) أمالي الصدوق : ٥١٤.

١٤٣

الروايتين المتقدّمتين المعمول بهما لدى الأصحاب ـ مخالفتهما لرواية علي بن جعفر في كتابه عن أخيه ، قال : سألته عن جرّة ماء فيها ألف رطل وقع فيه أوقية بول هل يصلح شربه أو الوضوء منه؟ قال عليه‌السلام : «لا يصلح» (١) فإنّ ألف رطل ـ على ما اعتبره بعضهم ـ يقرب من ثلاثين شبرا ، فلا معنى للحكم بانفعاله لو كان كرّا ، وحمله على التغيّر بالأوقية من البول ، التي هي نصف السدس من الرطل كما ترى.

نعم يمكن ارتكاب الحمل على تغيّر ما ينقصه على الكرّ في رواية سعيد الأعرج في الجرّة تسع مائة رطل من الماء تقع فيها أوقية من دم أشرب منه وأتوضّأ؟ قال : «لا» (٢) فإنّ التسعمائة أيضا وإن كانت تبلغ سبعة وعشرين شبرا في الغالب إلّا أنّ أوقية من الدم تغيّر لا محالة مقدارا من الماء يقطع بسببه نقصان غير المتغيّر عن كونه كرّا ، فتخرج هذه الرواية عن كونها شاهدة للمدّعى.

وقد ظهر لك ممّا ذكرنا مخالفتهما أيضا لما هو مقتضى التحديد بالوزن المذكور سابقا المتيقّن اعتباره بالنصّ والإجماع ، فإنّ ألفا ومائتي رطل بالعراقي على ما اعتبروه ربما يبلغ إلى ما يقرب من أربعين شبرا ،

__________________

(١) مسائل علي بن جعفر : ١٩٧ ـ ٤٢٠ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٦.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٨ ـ ١٣٢٠ ، الإستبصار ١ : ٢٣ ـ ٥٦ ، الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٨ وأيضا الباب ١٣ من تلك الأبواب ، الحديث ٢ ، ولا يخفى أنّ كلمة «تسع» فعل مضارع ، و «مائة» مفعوله ، وليس السؤال عن جرّة فيها تسعمائة رطل من الماء ، فلاحظ.

١٤٤

فلا يجتمع مع هذا التحديد ، فلا بدّ من طرح الروايتين أو تأويلهما بما لا ينافي الأرطال.

فاتّضح لك ممّا قرّرناه ضعف القول بكون الماء البالغ سبعة وعشرين شبرا كرّا ، كما هو مذهب القمّيّين على ما في الحدائق ، وقد نسبه إلى اختيار جماعة من المتأخّرين ، منهم : العلّامة في المختلف والشهيد الثاني في الروضة والرّوض ، والمولى الأردبيلي والمحقّق الشيخ علي في حواشي المختلف (١).

توضيح ضعفه : أنّ هذا التقدير ـ مضافا إلى استلزامه طرح الأخبار المعتبرة المعمول بها ـ لا يجتمع مع اعتبار كون وزن الماء ألفا ومائتي رطل بالعراقي ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح عند التعرّض للجمع بين التقديرين إن شاء الله.

قال السيّد في المدارك : وأوضح ما وقفت عليه في هذه المسألة من الأخبار متنا وسندا : ما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن إسماعيل بن جابر ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الماء الذي لا ينجّسه شي‌ء ، قال : «ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته» (٢) إذ معنى اعتبار الذراع والشبر في السعة اعتبارهما في كلّ من البعدين

__________________

(١) الحدائق الناضرة ١ : ٢٦١ ، وراجع : مختلف الشيعة ١ : ٢٢ ، المسألة ٤ ، والروضة البهية ١ : ٢٥٧ ، وروض الجنان : ١٤٠ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٦٠.

(٢) التهذيب ١ : ٤١ ـ ١١٤ ، الإستبصار ١ : ١٠ ـ ١٢ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

١٤٥

ويظهر من المصنّف رحمه‌الله في المعتبر الميل إلى العمل بهذه الرواية ، وهو متّجه (١). انتهى.

والظاهر أنّ مراده من العمل بالصحيحة القول بكون الكرّ ما بلغ مجموع مكسّرة ستة وثلاثين شبرا ، الحاصلة من ضرب الذراعين ـ اللتين هما أربعة أقدام ، كما يظهر في باب المواقيت (٢) ـ في ذراع وشبر عرضا وفي ذراع وشبر طولا.

وفي محكي المنتهى : أنّه لم يقل أحد بهذا المقدار ، واستجود حمل الشيخ لها على ما إذا بلغ الحدّ بالأرطال (٣).

ويؤيّده ما عن المحدّث الأسترابادي من أنّا اعتبرنا الكرّ بالوزن ، فوجدناه قريبا من هذا المقدار (٤).

والذي يقوى في نفسي عدم التنافي بين هذه الصحيحة وبين ما عليه المشهور ، بل هي في الحقيقة راجعة إليه ، لأنّ الذراع أطول من شبرين بمقدار يسير ، كما أنّ القدمين أيضا كذلك ، وهذا ظاهر بالعيان ، فلا يحتاج إلى البرهان ، فيبلغ مجموع مساحتها ما يقرب من المساحة المشهورة جدّا بحيث لا يبقى بينهما فرق إلّا بالمقدار الذي يحصل

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٥١ ، وراجع : المعتبر ١ : ٤٦.

(٢) راجع : الوسائل ، الباب ٨ من أبواب المواقيت ، الحديث ٣ و ٤.

(٣) حكاه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٤ ، وراجع : منتهى المطلب ١ : ٧.

(٤) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ١ : ٢٧٦ ، وكما في جواهر الكلام ١ : ١٧٨ ، وكتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٤.

١٤٦

التفاوت به في الأشبار المتعارفة ، لأنّ المتعارفة منها أيضا في غاية الاختلاف ، إذ قلّما يوجد شبران لا يكون بينهما اختلاف في مجموع مكسّرهما ، فكلّ ما نلتزمه في دفع الإشكال هناك نلتزمه هنا ، فعلى هذا تصير هذه الصحيحة أيضا من أدلّة المختار.

ثم إنّ في المقام أقوالا أخر لا يخفى ضعفها بعد الإحاطة بما مرّ.

منها : ما نقل عن القطب الراوندي من أنّه ما بلغ أبعاده الثلاثة : عشرة ونصفا (١).

والظاهر أنّ مراده بلوغ أبعاده الثلاثة هذا الحدّ على تقدير تساويها لا مطلقا ، فليس مخالفا للمشهور ، وإلّا لكفى في بطلانه أنّه لم نجد له مستندا يمكن الاستدلال به ، مضافا إلى شذوذه وشدّة اختلاف مصاديقه.

وعن شارح الروضة أنّه استدلّ له : برواية أبي بصير (٢) بجعل «في» بمعنى «مع» فلا يعتبر الضرب (٣).

وفيه ما لا يخفى.

ومنها : ما حكي عن الإسكافي من أنّه ما بلغ مكسّرة مائة شبر (٤).

__________________

(١) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢٢ ذيل المسألة ٤ ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ١ : ١١٦.

(٢) الكافي ٣ : ٣ ـ ٥ ، التهذيب ١ : ٤٢ ـ ١١٦ ، الإستبصار ١ : ١٠ ـ ١٤ ، الوسائل الباب ١٠ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.

(٣) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٥.

(٤) حكاه عنه العلّامة الحلّي في مختلف الشيعة ١ : ٢١ ، المسألة ٤.

١٤٧

ولم يظهر مستنده.

ومنها : ما عن ابن طاوس ـ رحمه‌الله ـ من العمل بكلّ ما روي (١).

وفيه بعد تسليم إمكانه ، أنّه طرح لكلّ ما روي لا عمل بكلّها ، ووجهه ظاهر.

بقي في المقام إشكال ، وهو : أنّ الوزن على ما اعتبروه لا يبلغ المساحة المذكورة غالبا ، خصوصا بالنظر إلى أشبار السابقين ، التي يغلب على الظنّ أطوليّتها نوعا بالنسبة إلى أشبار أهل هذه الأعصار ، فكيف التوفيق بين التحديدين ، مع أنّ التحديد بالأقلّ والأكثر في موضوع واحد غير معقول!؟

هذا ، مع أنّ الأشبار في حدّ ذاتها لا انضباط لها حتى في المتعارف منها فكيف يمكن أن تجعل حدّا لموضوع واقعي!؟

وحلّ الإشكال يتوقّف على رسم مقدّمة ، وهي : أنّه لا إشكال في جعل كلّ من الوزن والمساحة حدّا لمعرفة شي‌ء واحد لو كانا متساويين في الصدق ، وكذا لا إشكال في جعل مجموعهما حدّا لو كان بينهما عموم من وجه ، فيكون المدار على اجتماع الأمرين ، كما أنّه لا إشكال في جعل كلّ منهما في هذه الصورة منفردا ، فيكون التحديد بكلّ منهما مشروطا بعدم الآخر ، فيؤول الأمر إلى كفاية كلّ من الوزن والمساحة في إحراز ذلك الشي‌ء.

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ٨.

١٤٨

هذا إذا أمكن التخلّف ، وإلّا بأن كان أحدهما أخصّ مطلقا من الآخر فلا يعقل التحديد بهما بوجه من الوجوه ، بل لا بدّ من أن يكون الحدّ الحقيقي هو الأعمّ لا غير.

نعم يعقل أن يجعل ما هو الأخص طريقا ، للعلم بوجود الأعمّ ، فلو دلّ دليل على كون كلّ منهما حدّا ، فلا بدّ إمّا من طرح أحدهما أو جعل الأخصّ طريقا ، للعلم بوجود المحدود بعد مساعدة القرينة ، لما عرفت من عدم إمكان العمل بظاهرهما ولو بتقييد كلّ منهما بعدم الآخر ، كما في الصورة السابقة.

إذا عرفت ذلك ، فنقول : نفس الأشبار في حدّ ذاتها مع قطع النظر عن كونها أخصّ مطلقا ـ كما قيل ـ لا تصلح أن تكون حدّا حقيقيا لمعرفة الكرّ الذي هو موضوع واقعي لا يختلف باختلاف الأشخاص ، وليس مثل الوجه في مسألة الوضوء الدائر مدار دوران الأصابع بالنسبة إلى كلّ مكلّف ، لأنّ الموضوع بالنسبة إلى كلّ مكلّف هو وجهه المختصّ به ، فلا امتناع في جعل أصابعه كاشفة عن حدّ وجهه ، وهذا بخلاف الكرّ الذي هو موضوع واقعي ، وله حدّ واقعي يخرج عنه بنقصان قطرة ، فكيف يمكن أن تنطبق عليه أشبار كلّ من هو مستوي الخلقة من دون زيادة قطرة ونقصانها ، فكلّ ما ورد من التحديد لمثل هذه الأمور بمثل الأشبار والقلّتين والحبّ فإنّما هي كواشف عن تحقّق الموضوع الواقعي عند حصول هذه الأشياء ، لا أنّها حدّ حقيقي للموضوع النفس الأمري بحيث لا يزيد عليه أصلا في شي‌ء من مصاديقه.

١٤٩

وهذا المعنى وإن كان خلاف ظاهر الحدّ إلّا أنّ نفس جعل هذه الأمور حدّا قرينة قطعية على ذلك ، إذ من المعلوم الذي لا يعتريه شك أنّه لو كان مصداق من الماء يبلغ المساحة المعتبرة بشبر من هو من مستوي الخلقة وينقص عنها بمقدار رطل بشبر آخر ممّن هو أيضا من مستوي الخلقة مع فرض اتّحاد حكمهما في هذا الموضوع لا يعقل أن يجعل الشارع شبر كلّ منهما حدّا لهذا الموضوع.

هذا في الأشبار وأشباهها ، وأمّا الأرطال فالظاهر كونها تحديدا حقيقيا.

أمّا أوّلا : فلعدم الداعي على صرف أدلّتها عن ظواهرها ، لكونها عيارا مضبوطا في حدّ ذاتها لا يقبل الزيادة والنقصان.

وثانيا : فلأنّ في نفس التحديد بالأرطال إشارة إلى كونها بيانا للموضوع الواقعي ، لعسر معرفتها بالاختيار ، فلا يناسب أن تجعل طريقا ظاهريا لمعرفة ما هو الموضوع النفس الأمري ، وحيث إنّ الأرطال التي هي حدّ واقعي للكرّ من الماء لا يمكن معرفتها لغالب الناس بل لجميعهم في أغلب موارد حوائجهم كالبراري والصحاري ، يجب على الشارع الحكيم أن يرشدهم إلى ما يعرّفهم مقدار الكرّ بحيث يسهل عليهم معرفته ، فتارة أرشدهم إلى حبّة واخرى إلى غيره من التقريبات التي يسهل تناولها في مقام الحاجة ، ولا بدّ من أنّ يراعي الشارع الحكيم حال إرشادهم إلى طريق من هذه الطرق بعلمه المحيط جميع شتات المصاديق ، ويدلّهم على معرّف يكون حاويا للكرّ في تمام المصاديق المتعارفة ، سواء كان الماء خفيفا أو ثقيلا ، والشبر قصيرا أو طويلا ، فما

١٥٠

وجدوه بالاعتبار من كون الأرطال أقلّ من أربعين شبرا فليس منافيا للتحديد بثلاثة أشبار ونصف ، لما عرفت من وجوب مراعاة أخفّ الأفراد من المياه وأقصر الأشبار من الأشخاص المتعارفة في نصبه طريقا إلى معرفة الكرّ وإلّا لتخلّف في كثير من الموارد.

والحاصل : أنّ تخلّف الأرطال عن الأشبار بأن تكون الأرطال أعمّ وجودا غير ضائر بعد ما عرفت من أنّ الأشبار طريق تقريبي ، بل الإنصاف أنّه مؤكّد للوثوق بهذه الرواية بحيث لو كان لها معارض مكافئ من جميع الجهات مطابق لما وجدوه من الأرطال ، لكان العمل بهذه الرواية عندي أرجح ، لما ذكرت من امتناع تحديد الكرّ حقيقة بالأشبار بحيث يدور مدارها وجودا وعدما ، فلا بدّ من كونها كاشفة عن وجود الكرّ ، فيجب حينئذ مراعاة أخفّ مصاديق الماء وأقصر الأشبار المتعارفة ، واجتماع كلا الوصفين في مورد اختيارهم مظنون العدم ، والله العالم.

(ويستوي في هذا الحكم) أي في عدم نجاسة الكرّ ، بل وغيرها من الأحكام المتقدّمة (مياه الغدران والحياض والأواني على الأظهر) بل الظاهر كما هو المشهور شهرة كادت تكون إجمالا ، لعموم الحكم المستفاد من إطلاقات الأدلّة الدالّة على عدم انفعال الكثير بالملاقاة ، بل المتأمّل فيها لا يكاد يرتاب في عدم اختصاص الحكم المستفاد منها بمورد دون آخر.

مضافا إلى ما في بعضها من التصريح بعدم انفعال الحوض الكبير بولوغ الكلب (١) ، وفي بعضها التمثيل للكرّ من الماء بالحبّ الموجود

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ ـ ١٠٧ ، الإستبصار ١ : ٦ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

١٥١

عنده (١).

وكيف كان فلا شبهة في ضعف القول باختصاص الحكم بالغدران دون الأواني والحياض ، كما عن المفيد في المقنعة (٢) ، وسلّار في ما حكي (٣) عنه.

واستدلّ لهم : بإطلاق النهي في الأخبار المستفيضة ـ التي كادت تكون متواترة ـ عن استعمال الأواني التي أصابتها يد قذرة أو قطرة بول أو خمر أو دم (٤).

وفيه : أنّها في حدّ ذاتها منصرفة عمّا إذا كان ماؤها كرّا ، وعلى تقدير الشمول لا بدّ من تقييدها بما دلّ على عدم انفعال الكرّ ، لكونها أظهر في شمول مورد الاجتماع من هذه الأخبار لو لم نقل بأنّها نصّ في العموم.

(وأمّا ماء البئر) وهي من المفاهيم المبيّنة لدى العرف ، والأصل والظاهر قاضيان بعدم طروّ عرف جديد ، فإيكال معرفتها إلى العرف أسلم من التحديد ببعض ما ذكروه ممّا لا يكاد يسلم عن الخدشة.

نعم قد يشكّ في الصدق العرفي بالنسبة إلى بعض الموارد ، كالآبار المتواصلة الجاري ماؤها من بعض إلى بعض ما لم ينته ماؤها إلى سطح

__________________

(١) الكافي ٣ : ٣ ـ ٨ ، التهذيب ١ : ٤٢ ـ ١١٨ ، الإستبصار ١ : ٧ ـ ٥ ، الوسائل ، الباب ١٠ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٥٢ ، وراجع : المقنعة : ٦٤.

(٣) كما في مدارك الأحكام ١ : ٥٢ ، وراجع : المراسم : ٣٦.

(٤) راجع : الوسائل ، الباب ٨ من أبواب الماء المطلق.

١٥٢

الأرض ، فإنّ صحة السلب على هذا التقدير ظاهرة ، وكذا العيون الواقفة الواصل ماؤها إلى فمها ولا يتعدّاها ، لضعف مادّتها ، فإنّ إطلاق البئر عليها ـ كسابقتها ـ على الإطلاق خفيّ إلّا أنّه لا خفاء في انصراف إطلاقات البئر عن كلا الفرضين ، فلا يعمّهما حكمها ، بل سبيلها سبيل الجاري في الاعتصام إن قلنا بكفاية المادّة في ذلك ، كما هو الأقوى ، وإلّا فالواقفة منهما بحكم الراكد ، والله العالم.

وأمّا حكمها (فإنّه) أي ماء البئر كغيره من المياه (ينجس بتغيّره بالنجاسة) على النحو الذي عرفته في الجاري والكثير نصّا و (إجماعا. وهل ينجس) وإن كان كرّا فما زاد (بالملاقاة؟) كالقليل الراكد (فيه تردّد ، والأظهر) لدى أكثر قدماء أصحابنا (١) ، بل عن جماعة دعوى إجماعهم عليه (٢) : (التنجّس.)

ولكن الأقوى ما اشتهر بين المتأخّرين حتى انعقد إجماعهم عليه ـ كما ادّعاه العلّامة الطباطبائي ـ من أنّه لا ينجس بالملاقاة.

وعن الشيخ أبي الحسن محمد بن محمد البصروي من قدماء أصحابنا : التفصيل بين كونه كرّا فلا ينجس ، وعدمه فينجس (٣).

وربما ألزم العلّامة بهذا التفصيل حيث التزم به في الجاري (٤).

__________________

(١) راجع : مفتاح الكرامة ١ : ٧٨ ، وكتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٢٥.

(٢) راجع : مفتاح الكرامة ١ : ٧٨ ، وأيضا : الانتصار : ١١ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٨٩.

(٣) كما في مفتاح الكرامة ١ : ٨٠ ، ونقله عنه الشهيد في غاية المراد ١ : ٧٢.

(٤) راجع : تذكرة الفقهاء ١ : ١٦ ـ ١٧ ، المسألة ٣.

١٥٣

وفي لزوم التزامه به تأمّل.

وعن الجعفي : التفصيل بين ما إذا كان الماء ذراعين في الأبعاد الثلاثة فلا ينجس ، أو لم يكن فينجس (١).

ولعلّ مرجعه إلى التفصيل السابق ، وخلافه في مقدار الكرّ لا في أصل التفصيل ، والله العالم.

احتجّ المتأخّرون للقول بالطهارة : بوجوه من الأدلّة عمدتها : الأخبار الصحاح التي يتعذّر ارتكاب التأويل فيها ، فلا بدّ إمّا من طرحها أو الأخذ بمفادها ، وارتكاب التأويل في ما ينافيها بظاهره ، كما سيتّضح لك تفصيله إن شاء الله.

وأمّا سائر الوجوه فقلّما تسلم عن الخدشات ، والأولى نقلها كي يراها المتأمّل فيها ما فيها.

منها : استصحاب الطهارة وقاعدتها في كلّ شي‌ء وفي خصوص الماء.

وفيه : أنّ الأصل إنّما يصار إليه بعد المناقشة في أدلّة الطرفين عمومها وخصوصها ، فلا يحسن ذكره في عداد الأدلّة.

ومنها : عموم الآيات الدالّة على طهورية الماء المنزل من السماء ، بضميمة ما دلّ على أنّ مياه الأرض من السماء.

وفيه ـ بعد الإغماض عن قصور دلالتها ، ومنع تسليم كون الطهورية

__________________

(١) حكاه عنه الشهيد في الذكرى : ٩.

١٥٤

معناها عدم قابليته للانفعال بملاقاة النجس حتى يمكن الاستدلال بها في مثل المقام ـ أنّها عمومات يجب تخصيصها بما دلّ على نجاسة البئر على تقدير سلامته عن المعارض.

ومنها : عموم قوله عليه‌السلام : «خلق الله الماء طهورا لا ينجّسه شي‌ء إلّا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه» (١).

وفيه : أنّه يجب تخصيصه بما دلّ على انفعال البئر على تقدير سلامته عن المعارض.

اللهم إلّا أن يدّعى أنّه نصّ في البئر ، لكونها موردا له حيث إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ على ما روي ـ لمّا ورد بئر بضاعة (٢) قال : «آتوني بوضوء» فقالوا :يا رسول الله إنّه بأرض الخنا ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : «خلق الله الماء طهورا» (٣) إلى آخره.

ولكنه يدفعها ما عن المنتهى (٤) من أنّ بئر بضاعة كان جاريا ماؤها سائلا في البساتين.

ومعروفيتها بالبئرية غير مجدية بعد ما عرفت من انصراف أدلّة الانفعال عن الآبار التي يجري ماؤها ، وقد حكي عن قيّم البئر أنّ أكثر ما يكون فيها الماء إلى العانة ، وإذا نقص دون العروة (٥) ، فمورد الرواية إنّما

__________________

(١) المعتبر ١ : ٤٠ ، الوسائل ، الباب ١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٩.

(٢) بئر بضاعة هي معروفة بالمدينة. النهاية ـ لابن الأثير ـ ١ : ١٣٤.

(٣) راجع : مستدرك الوسائل ، الباب ١٣ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤.

(٤) منتهى المطلب ١ : ٨.

(٥) سنن أبي داود ١ : ١٨ ذيل الحديث ٦٧.

١٥٥

هو الكثير الجاري ، فلا مانع من تقييدها بما لا ينافي الأخبار الخاصّة.

ومنها : لزوم الحرج الشديد والعسر الأكيد على تقدير الالتزام بنجاسة البئر بمجرّد الملاقاة ، خصوصا في البلاد التي ينحصر ماؤها في البئر ، لأنّ الغالب نجاسة أطراف البئر وحواشيها في أغلب الأوقات ، وقلّما تنفك البئر عن ملاقاة الحبل النجس والترشّحات الواقعة فيها من أطرافها ، ولذا قال كاشف الغطاء ـ في ما حكي (١) عنه ـ ما حاصله : أنّ من لا حظ ذلك لم يحتج إلى النظر في الأخبار خاصّها وعامّها ، ونعم ما قال :فالإنصاف أنّ هذا الوجه مؤيّد قوّي للقول بالطهارة.

ومنها : أنّه انعقد إجماع المتأخّرين في هذه الأعصار ممّا يقرب من ثلاثمائة سنة ، فإجماعهم حجّة ، ولا يعارضه إجماع القدماء على النجاسة ، لأنّه بالنسبة إلينا منقول ، فلا اعتماد عليه ، خصوصا مع العثور على المخالف.

وفيه ـ بعد الإغماض عن أنّ هذا الإجماع أيضا كإجماع القدماء بالنسبة إلينا منقول ـ أنّ حجّية الإجماع لدينا إنّما هي لكشفه عن قول الحجّة ، ولا ملازمة بين إجماع المتأخّرين وبين صدور الحكم عن الحجّة إلّا بقاعدة اللطف ولا نقول بها.

وقد ذكروا وجوها أخر مرجعها إلى ترجيح أخبار الطهارة ، لموافقتها للكتاب والسنّة ، ومخالفتها للعامّة ، وعدم إمكان الأخذ بظواهر أخبار

__________________

(١) الحاكي هو الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٢٧ ، وراجع كشف الغطاء : ١٩٣.

١٥٦

النجاسة ، لمعارضة بعضها لبعض على وجه لا يمكن ارتكاب التصرّف فيها إلّا بحمل الأمر الوارد في تلك الأخبار على الاستحباب ، وتنزيل الاختلاف على اختلاف المراتب ، أو حملها على التقيّة ، إذ لا يكاد يوجد في أخبار النزح على كثرتها رواية مشتملة على عدّة أحكام سليمة عن المعارض أو عن مخالفة الإجماع.

ولكنك خبير بأنّ مثل هذه الأمور إنّما يحسن ذكره في مقام التكلّم في مفاد الأخبار وترجيح بعضها على بعض ، لا في مقام تعداد الأدلّة ، فاتّضح لك أنّ المعتمد في المقام إنّما هو الأخبار الخاصة ، وأمّا ما عداها من الوجوه فلا يصلح إلّا للتأييد.

وأمّا الأخبار التي يستدلّ بها للطهارة فمنها : صحيحة ابن بزيع ، الواردة بطرق عديدة عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام :ففي بعضها قال عليه‌السلام : «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلّا أن يتغيّر» (١).

وفي بعضها قال : «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادّة» (٢).

وفي بعضها قال : كتبت إلى رجل أسأله أن يسأل أبا الحسن الرضا عليه‌السلام ، فقال : «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه فينزح

__________________

(١) الكافي ٣ : ٥ ـ ٢ ، التهذيب ١ : ٤٠٩ ـ ١٢٨٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٢) الإستبصار ١ : ٣٣ ـ ٨٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.

١٥٧

منه حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأنّ له مادّة» (١).

وعن الاستبصار : أنّه وجّه الصحيحة بأنّ المراد أنّه لا يفسده شي‌ء إفسادا لا ينتفع بشي‌ء منه إلّا بعد نزح جميعه إلّا ما يغيّره ، لأنّه إذا لم يتغيّر ينزح منه مقدار وينتفع بالباقي (٢).

أقول : إنّما التجأ إلى مثل هذا التوجيه الذي يتوجّه عليه وجوه من الاعتراض بعد التزامه بالنجاسة لترجيح أخبارها فرارا عن طرح مثل هذه الصحيحة المشهور نقلها عن ابن بزيع ، ولعمري أنّ طرح الرواية وردّ علمها إلى أهله أولى من إبداء هذا النحو من الاحتمالات العقلية التي لا يكاد يحتمل المخاطب إرادتها من الرواية ، خصوصا في جواب المكاتبة.

وأضعف من ذلك احتمال أن يكون مراده عليه‌السلام من الإفساد : القذارة والكثافة ، لا النجاسة ، إذ لا يعقل تنزيل كلام الإمام المبيّن للأحكام في جواب من سأله عن حكم البئر مكاتبة أو مشافهة على هذا المعنى الذي لا يشتبه على أحد من العوام ، فضلا عن أن يستدلّ له بقوله عليه‌السلام : «لأنّ له مادّة».

فالإنصاف أنّ الصحيحة صريحة في المطلوب بحيث يتعذّر ارتكاب التأويل فيها ، فلا بدّ من طرحها على تقدير وجود معارض يكافئها من حيث الدلالة ، ويترجّح عليها من حيث الصدور أو جهة الصدور.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٤ ـ ٦٧٦ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٥٦ ، وصاحب الجواهر فيها ١ : ١٩٤ ، وراجع : الاستبصار ١ : ٣٣ ذيل الحديث ٨٧.

١٥٨

ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام ، قال : سألته عن بئر ماء وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو يابسة ، أو زنبيل من سرقين أيصلح الوضوء منها؟ قال : «لا بأس» (١).

ونظيرها ما رواه عمّار ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن البئر يقع فيها زنبيل عذرة يابسة أو رطبة ، فقال : «لا بأس إذا كان فيها ماء كثير» (٢) فإنّ الكثرة العرفية غير معتبرة في الماء إجماعا ، فهي للتحفّظ عن التغيّر ، ولم تثبت الحقيقة الشرعية في لفظ الكثير حتى تكون الرواية دليلا للقول باعتبار الكرّية في البئر.

وما أجيب به من حمل العذرة على عذرة غير الإنسان أو أنّ وصول الزنبيل إلى الماء لا يستلزم وصول العذرة ، أو أنّ المراد نفي البأس بعد النزح المقدّر ، ففيه ما لا يخفى.

ومنها : صحيحة معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سمعته يقول : «لا يغسل الثوب ولا تعاد الصلاة ممّا وقع في البئر إلّا أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر» (٣).

ومنها : صحيحته الأخرى عن الصادق عليه‌السلام أيضا في الفأرة تقع في

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٦ ـ ٧٠٩ ، الإستبصار ١ : ٤٢ ـ ١١٨ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٨.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٦ ـ ١٣١٢ ، الإستبصار ١ : ٤٢ ـ ١١٧ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٢ ـ ٦٧٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠ ـ ٨٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٠.

١٥٩

البئر فيتوضّأ الرجل ويصلّي وهو لا يعلم أيعيد الصلاة ويغسل ثوبه؟ قال :«لا يعيد الصلاة ولا يغسل ثوبه» (١).

ونظيرها موثّقة أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سئل عن الفأرة تقع في البئر لا يعلم بها إلّا بعد ما يتوضّأ منها ، إيعاد الوضوء؟فقال : «لا» (٢).

ونظيرها أيضا رواية جعفر بن بشير عن أبي عيينة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : وسئل عن الفأرة تقع في البئر فلا يعلم بها أحد إلّا بعد أن يتوضّأ منها ، أيعيد وضوءه وصلاته ، ويغسل ما أصابه؟ فقال عليه‌السلام : «لا ، قد استعمل أهل الدار ورشّوا» (٣).

ومنها : موثّقة أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء» قلنا فما تقول في صلاتنا ووضوئنا وما أصاب ثيابنا؟ فقال عليه‌السلام : «لا بأس به» (٤).

وهذه الرواية يستفاد منها أنّ الأمر بالنزح للتنزيه لا للنجاسة ، فهي ـ

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٣ ـ ٦٧١ ، الإستبصار ١ : ٣١ ـ ٨١ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٣ ـ ٦٧٢ ، الإستبصار ١ : ٣١ ـ ٨٢ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٣ ـ ٦٧٣ ، الإستبصار ١ : ٣١ ـ ٨٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٣ ـ ٦٧٤ ، الإستبصار ١ : ٣١ ـ ٨٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٢.

١٦٠