مصباح الفقيه - ج ١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

وأمّا عدم وجوب المقدّمات الوجودية على الصبي ـ الذي يعلم بأنّه سيبلغ ويفوته بعض ما افترضه الله عليه لو لم يأت بمقدّماته قبل البلوغ ـ فلنقص فيه ، وعدم صلاحيته في نظر الشارع ـ كغير المميز ـ لأن يلزم بشي‌ء ، لا لقصور في المقتضي ، فإذا أدرك العقل نقصه ، قيّد التكاليف المتوجّهة إلى البالغين بالقدرة المقيّدة بحصولها بعد البلوغ ، وهي أخصّ من مطلق القدرة التي يراها العقل شرطا في جواز التكليف بالفعل ، فلا يكون نقصا على المدّعى ، كما أنّه لا ينتقض ذلك ببعض المقدّمات التي دلّ الدليل على جواز تفويتها ، كنقض الطهارة بالجنابة العمدية مع العلم بعدم التمكّن من الاغتسال بعده ، فإنّه يفهم من ذلك الدليل ـ بالملازمة العقلية ـ أنّ القدرة على الاغتسال بعد الجنابة ـ التي هي أخصّ من مطلق القدرة على الطهارة ـ شرط شرعي لوجوب الصلاة مع الطهارة ، فلم يوجبها الشارع على الإطلاق حتى يجب حفظ مقدّماتها مع الإمكان كما هو المفروض في ما نحن فيه.

ولعلّ ما ذكرناه ـ من تنجّز التكليف بالمقدّمات الوجودية بعد إحراز تحقّق شرائط الوجوب ـ منشأ توهّم من توهّم أنّ العلم بصيرورة الفعل واجبا في ما بعد سبب لوجوب المقدّمة ، ولم يتفطّن الى أنّ العلم بحصول التقدير كاشف عن كون التكليف منجّزا في حقّه.

إن قلت : سلّمنا ذلك ، ولكنك اعترفت بأنّه لا يتنجّز التكليف ما لم يعلم بتحقّق الشرط واندراج المكلّف في زمرة المكلّفين بهذا التكليف ، فما لم يحرز كونه قادرا على الفعل ينفى وجوبه بأصل البراءة ، ولا يحرز

٢١

هذا الشرط غالبا إلّا بعد حضور زمان الفعل.

قلت : يتوجّه عليه أوّلا : النقض بالواجبات المنجّزة ، كالصوم مثلا بعد حضور وقته ، حيث إنّ المكلّف لا يعلم في أوّل الصبح من يوم يجب الصوم فيه أنّه قادر على امتثاله ، لاحتمال عروض موانع التكليف في أثنائه.

وثانيا : قد أجيب عن هذا الإشكال : بأنّ الظنّ في هذه الموارد طريق لإحراز الشرط عند العقلاء كما يشهد به سيرتهم القطعية.

والتحقيق : في الجواب أن يقال : إنّ الرجوع الى البراءة إنّما هو في ما إذا لم يكن الشرط المشكوك عقليا ، بل كان شرعيا ، بأن يكون له عنوان كلّي إجمالي ، فيكون ذلك العنوان الكلّي بالمقايسة إلى ظاهر الدليل المثبت للتكليف مقيّدا لإطلاقه ، أو مخصّصا لعمومه ، كما لو قال : حجّ إن استطعت ، فإنّ هذا الكلام في قوّة أن يقال : يجب على المستطيع الحجّ ، ولا يجب على غيره ، فلو شكّ زيد في أنّه مستطيع أم لا ، يتمسّك لنفي التكليف بأصل البراءة ، لأنّ كونه مصداقا لأحد العنوانين ليس بأولى من كونه مصداقا للآخر بالنظر إلى ظاهر الدليل.

وأمّا إذا كان العقل حاكما بالاشتراط ـ كما في ما نحن فيه ـ فلا ، إذ ليس للمصاديق التي يحكم العقل بخروجها عنوان كلّي يكون هذا العنوان من حيث هو قيدا للطلب ، لأنّ العقل دليل لبّي لا يحكم إلّا بخروج المعنون ـ أعني ذوات الأشخاص ـ عن تحت عموم الخطاب ، ولا يلتفت إلى المفهوم الكلّي من حيث هو ، بمعنى أنّ العقل يحكم بأنّ من عجز عن

٢٢

إتيان المأمور به فتركه واعتذر بالعجز ، فعذرة مسموع وعقابه قبيح ، فلا يصح أن يكون موردا للتكليف ، فالخطاب مخصوص بغيره ، فليس حكمه بخروج هذا الفرد لأجل كونه مصداقا لمفهوم العاجز الذي تخصص به الخطاب بعنوانه الإجمالي ، كما في القيود الشرعية المأخوذة من الأدلّة السمعية ، بل لكون كلّ عاجز واقعي بشخصه موضوعا لحكم العقل بقبح عقابه.

وببيان آخر : انّ العجز مناط لحكم العقل بخروج بعض الأفراد ، لا أنّ مفهوم غير العاجز بعنوانه الكلّي اعتبر قيدا للطلب حتى يكون مانعا عن ظهور اللفظ في شمول الحكم للفرد المشتبه.

وببيان ثالث : أنّ خروج غير القادر عن موضوع أدلّة التكاليف ليس لأجل صدق اسم غير القادر عليه ، كما هو الشأن في المخصّصات الشرعية التي لها عنوان إجمالي كلّي يدور الحكم بخروج شخص مدار صدق ذلك العنوان عليه ، كي يقال : إنّ اندراج المشكوك في عنوان المخصّص ليس بأولى من اندراجه في عنوان العام ، بل لأجل أنّه في حدّ ذاته لا يتمكّن من الامتثال ، فعدم التمكّن لدى العقل اعتبر علّة للخروج لا عنوانا للخارج ، فلو فرض محالا كون شخص عاجزا عن أداء الواجب ولكن لا يصدق عليه اسم غير القادر ، لا يتنجّز في حقّه ، ولو فرض عكسه ، انعكس ، وهذا بخلاف المخصّصات الشرعية التي لها عناوين كلّية ، كما لا يخفى.

إذا عرفت أنّ الموضوع ـ الذي يحكم العقل بقبح عقابه وعدم كونه

٢٣

مرادا من الخطاب ـ هو العاجز الواقعي ، علمت أنّه ليس للمكلّف أن يرفع اليد عن التكاليف المتوجّهة إليه بمجرّد احتمال عجزه ، لأنّ احتمال قدرته وعدم اندراجه في موضوع حكم العقل بقبح عقابه موجب لإلزام عقله باشتغاله بالفعل إلى أن يتحقّق الامتثال أو يتبيّن عجزه ، لأنّ التحرّز عن الضرر المحتمل واجب عقلا.

هذا ، مع أنّ مقتضى أصالة العموم : وجوب الفعل على كلّ من لم يعلم عجزه ، لما عرفت من أنّ خروج كلّ فرد في الفرض تخصيص مستقلّ ، فالشك في كون الشخص عاجزا شكّ في أصل التخصيص لا في مصداق المخصّص ، فالمرجع إذن أصالة العموم لا الأصول العملية.

وبما ذكرنا ظهر لك أنّه لا وجه لتخصيص وقت وجوب الغسل بآخر الليل ، نعم يتضيّق وجوبه في ذلك الوقت.

وربما علّل تخصيص الوجوب بآخر الوقت وأنّه لو قدّمه نوى الندب : بعدم تعقّل وجوب الشرط قبل وجوب المشروط ، وأمّا بعد أن تضيّق وقته فقد نزّل ضيق الوقت بمنزلة دخوله. وفيه ما لا يخفى.

ويتلوه في الضعف ما قيل : من أنّ صوم اليوم لا يتوقّف إلّا على الغسل المقارن لأول طلوع الفجر ، لأنّ الجنابة في هذا الوقت مانعة عن صحته لا غير ، فلا مدخلية لإزالة الجنابة قبله بصحة الصوم حتى يتّصف الغسل لأجلها بالمقدّميّة.

توضيح الضعف : أنّ زوال الجنابة في هذا الوقت يتوقّف على الغسل قبله ، سواء كان الغسل مقارنا له أو متقدّما عليه ، ولذا لا يجوز النوم

٢٤

لمن يعلم أنّه لا ينتبه من نومه في آخر الليل ، بل يجب عليه تقديم الغسل لو علم بأنّه لا يتمكّن من الغسل عند أول طلوع الفجر.

إن قلت : مقتضى ما ذكرت جواز إتيان الوضوء أيضا قبل دخول وقت الفريضة بنيّة الوجوب مع أنّ الظاهر عدم الخلاف في بطلانه.

قلت : أوّلا : لا نتحاشى عن الالتزام به لو لم يدلّ دليل شرعي من إجماع ونحوه على عدم الجواز في مثل الوضوء الذي هو من العبادات الموقوفة على التوظيف ، فيكون الإجماع أو غيره كاشفا عن أنّ للمقدّمة أيضا ـ كذيها ـ وقتا موظّفا لا تتحقّق قبله ، لا أنّها تتحقّق صحيحة ولا تتّصف بالوجوب.

ألا ترى أنّا نلتزم بوجوب تعلّم أحكامها قبل الوقت من باب المقدّمة ، وقد صرّح بعضهم بعدم جواز إراقة الماء لمن يعلم بأنّه لا يتمكّن من تحصيله في الوقت ، ومن المعلوم أنّه لا فرق بالنظر إلى القواعد بين الالتزام بحرمة الإراقة قبل الوقت ووجوب الوضوء ، وسيأتي تحقيق المسألتين ـ أعني حرمة الإراقة وعدم جواز تقديم الطهارة على الوقت ـ في مبحث التيمّم إن شاء الله تعالى.

وثانيا : أنّه يمكن إبداء الفارق بين الموارد وعدم الالتزام بما ذكر بالنسبة إلى بعضها وإن كان لا يخلو عن تأمّل ، ولتمام الكلام في ما يتوجّه على ما ذكرناه من النقض والإبرام مقام آخر ، والله الهادي إلى سواء الطريق. (و) يجب الغسل أيضا (لصوم المستحاضة إذا غمس دمها القطنة) سال منها أم لم يسل ، فيعمّ حالتي الوسطى والكبرى.

٢٥

(والمندوب) من الغسل (ما عداه) أي : الغسل الواجب. (والواجب من التيمّم : ما كان) مقدّمة (لصلاة واجبة).

وهل يجوز بعد حصول شي‌ء من مسوّغاته مع سعة الوقت ، أم لا يجوز إلّا (عند تضيّق وقتها) أو يفصّل بين رجاء زوال العذر وعدمه؟

أقوال.

وقد يوهم اقتصار المصنّف على الصلاة أنّه لا يجب التيمّم لغيرها عدا ما ستعرف ، وسيأتي أنّه أحد الطهورين ، وأنّه يجب لكلّ ما يجب له الغسل والوضوء عند تعذّرهما. (و) كذا يجب أيضا (للجنب في أحد المسجدين) أي : المسجد الحرام ومسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله (ليخرج به). (والمندوب ما عداه) ممّا ثبتت مشروعيته. (وقد تجب الطهارة) كغيرها من الأمور الراجحة (بالنذر وشبهه) من العهد واليمين.

هذا مجمل القول في الطهارات الثلاث ، وأمّا تفصيلها وبيان وجه وجوبها للأمور المذكورة ، وانحصار وجوبها في ما ذكر ، واستحبابها في ما عداه فيتّضح لك في محالّها إن شاء الله تعالى.

٢٦

(وهذا الكتاب) أي : كتاب الطهارة (يعتمد على أربعة أركان) :

الركن (الأول : في) الأحكام اللاحقة لأنواع (المياه) وفيه أطراف جمع ماء ، والمراد به في المقام ما يطلق عليه الماء ولو مسامحة.

والركن الثاني : في الطهارة المائية ، والركن الثالث : في الترابية ، والركن الرابع : في النجاسات.

وإنّما جعل البحث عن المياه ركنا من كتاب الطهارة ، لأنّ الماء هو الذي جعله الله طهورا ، وهو الأصل الذي يدور به رحى التطهير من الأحداث والأخباث ، فكان البحث عن عوارضه عمدة ما يتقوّم به هذا الكتاب. (و) للتكلّم (فيه) أي : في هذا الركن (أطراف) :

(الطرف الأول : في الماء المطلق) الذي ثبت بالضرورة من الدين أنّ الله تعالى جعله طاهرا مطهرا. (وهو) غنيّ عن التعريف ، لكونه من أوضح المفاهيم العرفية ، إلّا أنّه قد يعرضه الاشتباه في بعض الأفراد لبعض العوارض الخارجية ، فيشكّ في كون الفرد مصداقا لهذا المفهوم المبيّن أم لمفهوم آخر ، بل ربما يعرضه الاشتباه لا لأجل الجهل بماهية المصداق ، بل لأجل خفاء صدق

٢٧

مفهوم الماء عليه ، كما هو الشأن في أغلب المفاهيم العرفية ، إذ قلّما ينفكّ مفهوم عرفي عن أن يكون له موارد مشتبهة.

وسرّه أنّ مناط الصدق في المفاهيم العرفية ليس مكشوفا على التفصيل بحيث لم يبق له مورد اشتباه ، فلذا احتيج إلى تعريفه بأنّه : (كلّ ما يستحقّ) عرفا (إطلاق اسم الماء عليه من غير إضافة) بأن يكون إطلاق الاسم المجرّد عليه حقّا له بشهادة العرف من غير مسامحة ، تقييده أحيانا ـ كماء النهر والبحر ـ لا ينافي استحقاق الإطلاق كما هو ظاهر.

ولكنك خبير بأنّ ما ذكرناه ضابطا لا يجدي في أغلب موارد الاشتباه ، للشك في تحقّقه ، فلا بدّ حينئذ من العمل في كلّ مورد بما يقتضيه الأصل. (وكلّه طاهر) بالذات (مزيل للحدث والخبث) إجماعا كتابا وسنّة.

والمراد بالحدث : الأثر الحاصل عند عروض أسبابه ، المانع عن الدخول في الصلاة ، المتوقّف رفعه على النيّة. والخبث : النجاسة بمعناها المعروف عند المتشرّعة.

(و) تلحقه (باعتبار وقوع النجاسة فيه) أحكام كثيرة ، فإنّه (ينقسم إلى) ثلاثة أقسام : (جار ، ومحقون ، وماء بئر) وله باعتبار كلّ قسم أحكام خاصّة.

(أمّا الجاري) فهو ـ على ما يساعد عليه العرف واللغة ـ الماء

٢٨

السائل عن نبع.

وفي المسالك : المراد بالجاري : النابع غير البئر ، سواء جرى أم لا ، وإطلاق الجريان عليه مطلقا تغليب أو حقيقة عرفية (١).

وفيه : أنّه لا شاهد على إرادة هذا المعنى مع مخالفته للعرف واللغة.

ودعوى : كونه حقيقة عرفية بالنسبة إلى النابع الغير الجاري ممنوعة ، بل العرف لا يساعد على إطلاق الجاري عليه فضلا عن كونه حقيقة فيه.

وإن أريد كونه حقيقة في عرف الفقهاء لا العرف العام ـ كما صرّح به بعض متأخّر المتأخّرين (٢) ـ فهي أيضا ممنوعة ، خصوصا مع تصريح غير واحد باعتبار الجريان الفعلي فيه (٣).

نعم قد يقال : إنّ عدم تعرّض أكثر العلماء لبيان حكمه وحصرهم أقسام الماء في الثلاثة المتقدّمة يدلّ على أنّ المراد من الجاري ما يعمّه ، كما يؤيّده تصريح بعضهم بكونه كالجاري حكما.

وفيه : أنّ إدخاله في الجاري ليس بأولى من جعله من أقسام البئر ، كما يؤيّده تصريح آخرين بجريان أحكام البئر عليه ، بل عن بعض دخوله فيه موضوعا (٤) ، بل لا مانع عن أن يكون لديهم من مصاديق الراكد كما

__________________

(١) مسالك الأفهام ١ : ١٢.

(٢) راجع : مستند الشيعة ١ : ٥.

(٣) راجع : الموجز الحاوي (ضمن الرسائل العشر) : ٣٦ ، وكشف الغطاء : ١٨٥.

(٤) حكاه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٦١ عن ظاهر المقنعة : ٦٦ ، والتهذيب ١ :٢٣٤.

٢٩

يظهر من بعضهم على ما حكي عنهم.

وقيل : إنّ المراد بالجاري هو الماء السائل مطلقا ، نظرا إلى صحة إطلاقه على المياه الجارية من ذوبان الثلج (١).

وفيه : أنّ الإطلاق بحسب الظاهر مجاز ، لعدم الاطّراد ، إذ لا يطلق الماء الجاري على الماء المنصب من الإبريق ونحوه ، بل وكذا الجاري من ذوبان الثلج أيضا إذا كان قليلا ، فإنّه ينصرف عنه الإطلاق جزما ، بل يصحّ سلب الاسم عنه عرفا ، وإطلاق الجاري عليه بالفعل غير صدق الماء الجاري عليه على الإطلاق.

هذا ، مع تصريح غير واحد من الأساطين ـ على ما حكي (٢) عنهم ـ بعدم الخلاف في كون السائل من غير نبع راكدا ، فلا ينبغي التأمّل في اختصاص الحكم المخصوص بالجاري بغير مثل الفرض.

نعم ، الأظهر كون العيون الواقفة التي ليس لها جريان فعلي ـ لضعف موادها ـ في حكم الجاري من حيث عدم انفعال قليله بمجرّد ملاقاة النجاسة ، بمقتضى عموم التعليل المستفاد من الصحيحة الآتية وغيرها من الأخبار الدالّة على أنّ المادة عاصمة عن الانفعال ، كما سيتّضح لك في ما بعد إن شاء الله.

وأمّا حكم الجاري (ف) هو أنّه (لا ينجس) كثيره ولا قليله بمجرّد

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة للشيخ الأنصاري : ٢ ، وراجع : مستند الشيعة ١ : ٥.

(٢) الحاكي هو العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ٦١ ، وراجع : مدارك الأحكام ١ : ٢٨ ، ومجمع الفائدة والبرهان ١ : ٢٥٠.

٣٠

ملاقاة النجاسة على المشهور ، بل عن الذكرى : لم أقف فيه على مخالف ممّن سلف (١).

وعن جامع المقاصد : أنّ خلافه ممّا تفرّد به العلّامة (٢).

وعن مجمع الفائدة وكنز الفوائد وصريح الغنية وشرح الجمل وظاهر الخلاف والمعتبر وغيره دعوى الإجماع عليه (٣).

وعن حواشي التحرير للمحقّق الثاني دعوى الإجماع صريحا على عدم اشتراط الكرّية فيه (٤).

وفي الجواهر : إنّه يمكن للمتأمّل المتروّي في كلمات الأصحاب تحصيل الإجماع على عدم اشتراط الكرّية خلافا للعلّامة في بعض كتبه ، فاعتبر الكرّية في عدم انفعاله كالراكد ، ووافقه في ذلك الشهيد الثاني (٥).

قال في المسالك : والأصح اشتراط كرّيته ، سواء دام نبعه أم لا (٦).

وعن ظاهر الصدوقين والسيد في محكي الرسالة والفقيه والجمل اختياره (٧) ، ولكنه صرّح غير واحد بوجود ما ينافي الحكاية في الكتابين

__________________

(١) حكاه صاحب الجواهر فيها ١ : ٨٥ ، وراجع ، ذكري الشيعة : ٨.

(٢) حكاه صاحب الجواهر فيها ١ : ٨٥ ، وراجع جامع المقاصد ١ : ١١١.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣ ، وراجع : مجمع الفائدة والبرهان ١ :٢٥١ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٨٩ ، وشرح الجمل : ٥٦ ، والخلاف ١ :١٩٥ ، المسألة ١٥٢ ، والمعتبر ١ : ٤١ ، ومنتهى المطلب ١ : ٦.

(٤) كما في الجواهر الكلام ١ : ٨٥.

(٥) جواهر الكلام ١ : ٨٥.

(٦) مسالك الأفهام ١ : ٨١.

(٧) راجع : جواهر الكلام ١ : ٨٥.

٣١

الأوّلين ومحكي الانتصار (١).

فلم تتضح مخالفتهم للمشهور ، ولم ينقل عمّن عدا العلّامة والشهيد الثاني التصريح بهذا القول بل في محكي المعالم أنّ الشهيد أيضا عدل عنه (٢).

والإنصاف أنّه لو لم يكن للمشهور إلّا الإجماعات المنقولة المستفيضة المعتضدة بالشهرة المحقّقة المؤيّدة بكون الماء الجاري لدى العلماء ـ رضوان الله عليهم ـ من صدر الإسلام إلى يومنا هذا معنونا بعنوان مستقلّ ، بل جعلوا ماء الغيث من توابعه ، لكانت كافية في إثبات مذهبهم ، لكونها موجبة للحدس القطعي بكون الحكم معروفا عند أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام ، مغروسا في أذهانهم ، وأصلا إلى علمائنا يدا بيد عنهم من غير خلاف يعرف ، وإلّا لنقل بمقتضى العادة.

ولو لا أنّ فتاوى الأصحاب في مثل هذا الفرع المعنون في كلماتهم قديما وحديثا مورثة لاستكشاف رأي المعصوم عليه‌السلام ، لتعذّر استفادة موافقته عليه‌السلام في شي‌ء من المسائل الفرعية من فتاوى العلماء.

ومخالفة من خالف ـ مع ندرته ، وتأخّر عصره ، ومعلومية مستنده ، ومعروفيته لدى السابقين ـ لا تضرّ بكاشفية قول من عداه عن وجود مستند صحيح.

ويدلّ على صحة مذهب المشهور ، ويشهد على صدق ما ادّعيناه

__________________

(١) راجع : جواهر الكلام ١ : ٨٥.

(٢) حكاه عنه البحراني في الحدائق الناضرة ١ : ١٨٧ ، وراجع : معالم الفقه : ١١١.

٣٢

حدسا من كون الحكم معروفا عند أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام : صحيحة داود بن سرحان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في ماء الحمام؟ قال عليه‌السلام :«هو بمنزلة الماء الجاري» (١).

والمناقشة في دلالتها : بأنّ إطلاق المنزلة يقتضي عمومها ، وسيأتي أنّه يعتبر في اعتصام ماء الحمام كرّيّة مادّته ، فالصحيحة على خلاف المطلوب أدلّ ، مدفوعة :

أوّلا : بأنّ السؤال إنما هو عن حكم الماء الموجود في الحمّامات ، المتعارف استعماله لدى الحاجة ، وهو في الحمّامات المتعارفة بعد ضمّ المادّة إليه ، فكرّية المادّة مأخوذة في موضوع ماء الحمّام بحسب المتعارف ، فالغرض من التشبيه ليس إلّا بيان كون الماء المعهود الذي يتعارف استعماله بمنزلة مطلق الجاري ، لا أنّ الإمام عليه‌السلام أراد بهذا الكلام بيان مساواتهما في الحكم ، وأنّ كلّا منهما بمنزلة الآخر في ما هو شرط في الاعتصام ، فيستفاد من الصحيحة ما يستفاد من الرضوي : «ماء الحمّام سبيله سبيل الجاري إذا كان له مادة» (٢) إذ الظاهر أن التقييد لماء الحمّام ، فيكون التشبيه بعد التقليد ، إلّا أن يقال : خصوصية المورد في الصحيحة لا توجب تخصيص موضوع الحكم ، فتأمّل.

وثانيا : أنّ السؤال بحسب الظاهر إنّما هو عن الانفعال وعدمه لا عن كيفية انفعاله ، فإطلاق التشبيه ينصرف إلى الجهة المعهودة ، فقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٧٨ ـ ١١٧٠ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٢) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٨٦.

٣٣

«هو بمنزلة الجاري» أي : في عدم الانفعال لا في ما يعتبر في اعتصامه ، خصوصا مع كون عدم انفعال الجاري في الجملة هي الجهة الظاهرة التي ينصرف إليها الإطلاق.

وثالثا : أنّه لا قائل بأنّه يعتبر في مادّة الجاري بلوغها كرّا ، لأنّ العلّامة إنّما يعتبر في عدم انفعال الجاري كونه كرّا (١) ، فهو إمّا يعتبر كرّيّة الماء الخارج منفردا ، أو بانضمامه إلى ما في المادّة على تقدير تساوي سطحيهما واتّحادهما عرفا ، وأمّا اعتبار كرّية خصوص ما في المادّة على تقدير اختلافهما وأسفلية الماء الخارج ـ كما في مادّة الحمّام على ما سيتّضح لك في ما بعد إن شاء الله ـ فلا قائل باعتبارها على الظاهر ، والله العالم.

وقد يستدلّ أيضا : بخبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :قلت له : أخبرني عن ماء الحمّام يغتسل منه الجنب والصبي واليهودي والنصراني والمجوس؟ فقال عليه‌السلام : «إنّ ماء الحمّام كماء النهر يطهر بعضه بعضا» (٢).

وفيه : أنّ ماء النهر ينصرف عن العيون الصغار التي لا يبلغ ماؤها كرّا ، فالمقصود من التشبيه بحسب الظاهر بيان كون ماء الحمّام حال اتّصاله بالمادّة وجريانها فيه كالمياه الكثيرة الجارية التي يعتصم بعضها ببعض ، والمقصود في المقام إثبات أنّ الجاري مطلقا معتصم بالمادّة ولو

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٦ ، تحرير الأحكام ١ : ٤.

(٢) الكافي ٣ : ١٤ ـ ١ ، الوسائل ، الباب ٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

٣٤

لم يكن كثيرا بحيث يعتصم بعضه ببعض.

ويدلّ عليه أيضا : رواية سماعة ، قال : سألته عن الماء الجاري يبال فيه ، قال : «لا بأس به» (١) فإنّ ظاهرها السؤال عن حكم الماء الذي يبال فيه لا عن حكم البول في الماء.

ويؤيّده بل يدلّ عليه ـ لو لا المناقشة في السند ـ ما عن نوادر الراوندي عن علي عليه‌السلام : «الماء الجاري لا ينجّسه شي‌ء» (٢).

وعن الفقه الرضوي : «كلّ ماء جار لا ينجّسه شي‌ء» (٣).

وخبر دعائم الإسلام عن علي عليه‌السلام «في الماء الجاري يمرّ بالجيف والعذرة والدم يتوضّأ منه ويشرب وليس ينجّسه شي‌ء ما لم تتغيّر أوصافه :طعمه ولونه وريحه» (٤).

وتؤيّده أيضا الأخبار المستفيضة النافية للبأس عن البول في الماء الجاري (٥).

وصحيحة ابن مسلم ، الواردة في الثوب الذي يصيبه البول «وإن

__________________

(١) التهذيب ١ : ٣٤ ـ ٨٩ ، الإستبصار ١ : ١٣ ـ ٢١ ، الوسائل ، الباب ٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٢) أورده النراقي في مستند الشيعة ١ : ٦ ، وراجع : نوادر الراوندي : ٣٩.

(٣) أورده النراقي في مستند الشيعة ١ : ٦ ، وراجع : الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام :٩١.

(٤) دعائم الإسلام ١ : ١١١.

(٥) راجع : التهذيب ١ : ٣١ و ٤٣ ـ ٨١ و ١٢١ و ١٢٢ ، والاستبصار ١ : ١٣ ـ ٢٣ و ٢٤ ، والوسائل ، الباب ٥ من أبواب الماء المطلق.

٣٥

غسلته في ماء جار فمرّة» (١) إذ لو كان ملاقاة الماء للنجاسة سببا لتنجّسه لكان على الإمام عليه‌السلام التنبيه عليه في مثل هذه الفروض ولو لم يكن مقصودا بالسؤال.

هذا إذا لم نقل باعتبار ورود الماء القليل في تطهير الثوب النجس ، وإلّا فالصحيحة الأخيرة بإطلاقها مثبتة للمطلوب.

ودعوى : انصراف مثل هذه الأخبار عن العيون التي لا يكون ماؤها كرّا ، ممنوعة ، وعلى تقدير تسليم الانصراف فهو بدوي ، منشؤه انس الذهن يرتفع بعد ملاحظة كثرة العيون الصغيرة بل أكثريتها بمراتب ، خصوصا لو اعتبرنا في اعتصام الكرّ تساوي السطوح ، كما لا يخفي.

ويدلّ على عدم تنجّس الجاري بل مطلق المياه التي لها مادة متّصلة ولو لم يكن لها جريان فعلي لضعفها :التعليل في صحيحة ابن بزيع : «ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلّا أن يتغيّر ريحه أو طعمه ، فينزح حتى يذهب الريح ويطيب الطعم ، لأنّ له مادّة» (٢) لأنّ التعليل إمّا راجع إلى الفقرة الأولى ، فيدلّ على عدم انفعال كلّ ذي مادّة بما عدا التغيّر ، وإمّا راجع إلى الفقرة الثانية ، فيدلّ على أنّ وجود المادّة علّة لطهارة الماء مطلقا بعد زوال تغيّره ، فيستفاد منه عدم انفعاله بمجرّد الملاقاة ، لا لمجرّد دعوى أنّ الدفع أهو من الرفع ، فيدلّ عليه بالأولوية القطعية حتى يمكن الخدشة فيها

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٥٠ ـ ٧١٧ ، الوسائل ، الباب ٢ من أبواب النجاسات ، الحديث ١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٤ ـ ٦٧٦ ، الإستبصار ١ : ٣٣ ـ ٨٧ ، الوسائل ، الباب ٣ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٢.

٣٦

بلا نسبة إلى الأحكام التعبّدية ، بل لأنّ هذا لا يجتمع مع انفعال قليله بالملاقاة.

توضيحه : أنّه يستفاد من العلّة المنصوصة حصول الطهارة لكلّ ذي مادّة متغيّر بعد زوال تغيّره ، فإذا فرضنا أنّ مجموع الماء أقلّ من الكرّ ، وتغيّر بعضه بالنجاسة ، فلا محالة يتنجّس البعض الآخر أيضا بملاقاة النجاسة على القول باشتراط الكرّية ، وكذا كلّ ما يخرج من المادّة أيضا على هذا التقدير بسبب ملاقاة المتنجّس ، وحينئذ لا يعقل أن يكون وجود المادة علّة لارتفاع نجاسة المتغيّر بعد زوال تغيّره ، لأنّ اتّصاله بغير المتغيّر المتنجّس علّة تامّة لانفعاله ، فلا يعقل طهارته ما دامت العلّة موجودة.

وإن شئت مثالا أوضح ، فافرض بقاء عين النجاسة فيه بعد زوال التغيّر.

هذا ، مع أنّ الذي يقتضيه التدبّر في مفاد الرواية اختصاص التعليل بالفقرة الاولى ، وهي قوله : «ماء البئر واسع» فلا حاجة في إثبات المطلوب إلى المقدّمة الخارجية.

بيان ذلك : أنّ التعبير عن الطهارة بقوله : «واسع» وتأكيده ثانيا بقوله : «لا يفسده» واستثناءه حالة التغيّر عنه ، واقتصاره في بيان ما يزيل أثر التغير على الأمر بالنزح الموجب لزوال نفس التغيّر من دون تنصيصه على أنّه يطهر بعد ذلك ، بل إيكاله معرفة الحكم إلى ما استفيد من أول الكلام ، من أعظم الشواهد على أنّ المراد من الرواية بيان أنّ ماء البئر بالذات يأبى عن الانفعال ، وأنّه بالطبع غير قابل للتنجّس إلّا أن يتغيّر ،

٣٧

فيمنعه التغيّر عن اقتضائه الذاتي ، فإذا زال التغيّر بالنزح يعود الماء الى حالته الاولى ، فيستفاد من الرواية ـ على ما يشهد به سياقها ، ويساعد عليه الفهم العرفي ـ حكمان :

أحدهما : أنّ ماء البئر في غير حال التغيّر واسع مطلقا ، سواء كان قبل أن يتغيّر أم بعده.

والثاني : أنّ التغيّر موجب لعروض النجاسة واستمرارها إلى أن يزول التغيّر بالنزح ، فليست الطهارة بعد زوال التغير وقبل حدوثه حكمين مستقلّين حتى يحتاج حدوث ثانيهما إلى تعليل مستقلّ ، وهذا هو السرّ في استفادة حكم ما بعد التغيّر من الرواية ، وإلّا فليس في اللفظ ما يدلّ عليه ، فلا حظ وتدبّر.

وكيف كان فقد نوقش في دلالة الرواية : باحتمال رجوع التعليل فيها إلى ترتّب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح ، لأنّ هذا الترتّب مستند إلى المادّة ، فيكون بمنزلة قول الرجل : لازم غريمك حتّى يوفّيك حقّك ، فإنّه يكره ملازمتك (١).

وفيه : أنّ هذا الاحتمال في غاية الوهن ، لأنّ إرجاع العلّة في القضايا المعلّلة إلى الإسنادات الضمنية الغير المقصودة بالذات خلاف الظاهر ، مع احتياجه الى ارتكاب التأويل بتقدير جملة خبرية وأمّا في المثال فإنّما هو لوجود القرينة ، وهي : عدم صلاحية كونها

__________________

(١) راجع : حبل المتين : ١١٧.

٣٨

علّة للإسناد التام.

هذا ، مع أنّ المقصود بالأصالة في المثال إنّما هو استيفاء الحقّ ، فلا بأس بإرجاع التعليل إليه.

وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فإنّ ذهاب الريح وطيب الطعم غير مقصودين بالذات ، فلا يحسن إرجاع التعليل إليهما مع صلاحيته لأن يكون علّة للحكم الذي سيق الكلام لبيانه.

مضافا إلى أنّ ترتّب ذهاب الريح وطيب الطعم على النزح بديهي لا يحتاج إلى الاستدلال بل ذكر الدليل له ، مع أنّه واضح مستهجن عرفا ، خصوصا مع عدم مدخليته في الحكم الشرعي الذي يكون بيانه من وظيفة الإمام عليه‌السلام.

هذا كلّه ، مع أنّ المادّة بنفسها ليست علّة لذهاب الريح وطيب الطعم ، لأنّهما مسبّبان عن إخراج الماء الفاسد ، واستهلاك ما يبقى منه في الماء الذي يخرج من المادّة من دون خصوصية لها في ذلك ، فجعلها علّة لهما مبني على ضرب من التأويل والمسامحة ، وهذا بخلاف ما لو جعلناها علّة لكون ماء البئر واسعا ، فإنّها بنفسها هي العلّة التامّة للحكم ، فهي أوفق بظاهر التعليل.

وكفى لمثل هذه الاحتمالات وهنا ومخالفة للظاهر : اختصاص إبدائها بالمتأخّرين ، وعدم اعتناء من سبقهم بها ، أو غفلتهم عنها.

حجّة العلّامة : العمومات الدالّة على انفعال ما دون الكرّ ، الشاملة

٣٩

بإطلاقها للجاري وغيره (١).

وفيه : أوّلا : أنّه سيتّضح لك أنّ عمدة ما يستفاد منه العموم مفهوم بعض الأخبار :كقوله عليه‌السلام في المعتبرة المستفيضة : «إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي‌ء» (٢).

وهذه الاخبار في حدّ ذاتها لا يبعد دعوى انصراف منطوقها إلى الماء المجتمع الراكد ، خصوصا مع ما في بعضها ممّا يشهد بذلك :

كصحيحة ابن مسلم ، قال : قلت له : الغدير فيه ماء مجتمع تبول فيه الدوابّ ، وتلغ فيه الكلاب ، ويغتسل فيه الجنب ، قال : «إذا كان الماء قدر كرّ لا ينجّسه شي‌ء» (٣).

وهذا الانصراف وإن كان بدويا بالنسبة إلى أكثر أخبار الباب ، إلّا أنّه يوهنها عن المكافئة للأدلّة المتقدّمة المعتضدة بالشهرة المحقّقة والإجماعات المحكية.

مضافا إلى أنّ صحيحة ابن بزيع ، المشتملة على التعليل حاكمة على جميع الأدلّة الدالّة على انفعال الماء القليل ، لأنّها بمدلولها اللفظي تدلّ

__________________

(١) منتهى المطلب ١ : ٦ ، نهاية الإحكام ١ : ٢٢٩.

(٢) الكافي ٣ : ٢ ـ ١ و ٢ ، التهذيب ١ : ٣٩ و ٤٠ ـ ١٠٧ ـ ١٠٩ ، الاستبصار ١ : ٦ ـ ١ ـ ٣ ، الفقيه ١ : ٨ ـ ١٢ ، الوسائل ، الباب ٩ من أبواب الماء المطلق.

(٣) التهذيب ١ : ٤١٤ ـ ١٣٠٨ ، الإستبصار ١ : ١١ ـ ١٧ ، الوسائل الباب ٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥.

٤٠