مصباح الفقيه - ج ١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

وصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إن سقط في البئر دابّة صغيرة أو نزل فيها جنب نزح منها سبع دلاء ، فإن مات فيها ثور أو نحوه أو صبّ فيها خمر نزح منها الماء كلّه» (١).

وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «إذا سقط في البئر شي‌ء صغير فمات فيها فانزح منها دلاء» قال : «فإن وقع فيها جنب فانزح منها سبع دلاء ، وإن مات فيها بعيرا أو صبّ فيها خمر فلينزح» (٢).

وفي رواية كردويه عن أبي الحسن عليه‌السلام بعد أن سأله عن البئر يقع فيها قطرة دم أو نبيذ مسكر أو بول أو خمر ، قال : «ينزح منها ثلاثون دلوا» (٣).

ويمكن الجمع بينهما بحمل الصحاح على إرادة الكثير ، كما يؤيّده التعبير فيها بلفظ «الصبّ».

وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ، ينزح منه عشرون دلوا ، فإن غلب الريح نزحت حتّى تطيب» (٤).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٥ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩٣ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٢) الكافي ٣ : ٦ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ٢٤٠ ـ ٦٩٤ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٨ ، الإستبصار ١ : ٣٥ ـ ٩٥ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٧ ، الإستبصار ١ : ٣٥ ـ ٩٦ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

١٨١

وهذه الرواية وإن كان مورد السؤال فيها القليل إلّا أنّ الجواب بظاهره يعمّ الكثير أيضا ، كما لا يخفى.

واعلم أنّ النصوص إنّما تضمّنت نزح الجميع في الخمر إلّا أنّ معظم الأصحاب ـ كما في المدارك (١) ـ لم يفرّقوا بينها وبين سائر المسكرات ، محتجّين عليه بإطلاق الخمر في كثير من الأخبار على كلّ مسكر ، فيثبت له حكمها.

وفيه تأمّل ، كما قد يتأمّل في ثبوت حكم الخمر ـ أعني نزح الجميع ـ لو وقع فيها عصير عنبيّ بعد اشتداده ما لم يذهب ثلثاه إن قلنا بنجاسته (أو) وقع فيها (فقّاع) لو لم نقل بنزح الجميع لغير المنصوص.

ولكن عن الشيخ ومن تأخّر عنه إلحاق الفقّاع بالخمر في الحكم المذكور (٢) ، بل عن الغنية الإجماع عليه (٣).

وهو كاف في المقام بعد البناء على المسامحة ، خصوصا مع اعتضاده بما في الروايات من «أنّه خمرة مجهولة» (٤) أو «خمرة استصغرها الناس» (٥) ولو لا تبادر الحرمة من وجه الاستعارة ، لكان ما في الروايات

__________________

(١) مدارك الأحكام ١ : ٦٣.

(٢) حكاه عنهم العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٦٤ ، وانظر : النهاية : ٦ ، والمبسوط ١ :١١ ، والمراسم : ٣٤ ـ ٣٥ ، والمهذّب ـ لابن البرّاج ـ ١ : ٢١ ، والسرائر ١ : ٧٠.

(٣) كما في جواهر الكلام ١ : ٢١١ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٩٠.

(٤) الكافي ٣ : ٤٠٧ ـ ١٥ ، التهذيب ١ : ٢٨٢ ـ ٨٢٨ ، الإستبصار ٤ : ٩٦ ـ ٣٧٣ ، الوسائل ، الباب ٣٨ من أبواب النجاسات الحديث ٥.

(٥) الكافي ٦ : ٤٢٣ ـ ٩ ، التهذيب ٩ : ١٢٥ ـ ٥٤٠ ، الإستبصار ٤ : ٩٥ ـ ٣٦٩ ، الوسائل ، الباب ٢٨ من أبواب الماء الأشربة المحرّمة ، الحديث ١ ، وفيها : «خميرة» بدل «خمرة».

١٨٢

حجّة معتبرة ، فليتأمّل.

والفقّاع في القاموس : كرمّان ، هذا الذي يشرب ، سمّي به لما يرتفع في رأسه من الزبد (١).

وعن الانتصار : أنّه الشراب المتّخذ من الشعير (٢). (أو) وقع فيها (مني) من إنسان أو غير إنسان ممّا له نفس سائلة.

وقيل : باختصاصه بالإنسان (٣).

واعترف جماعة بعدم العثور على نصّ فيه (٤) ، ولكنّه قد يحتجّ عليه بما عن السرائر والغنية من دعوى الإجماع عليه (٥).

وقد نصّ في محكيّ السرائر بعدم الفرق في معقد إجماعه بين المنيّ من سائر الحيوانات (٦). (أو) وقع فيها (أحد الدماء الثلاثة) : الحيض والاستحاضة والنفاس (على قول مشهور) بل عن السرائر والغنية الإجماع عليه (٧).

__________________

(١) القاموس المحيط ٣ : ٦٤.

(٢) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٦٤ ، وانظر : الانتصار : ١٩٩.

(٣) كما في مدارك الأحكام ١ : ٦٥ ، وجواهر الكلام ١ : ٢١١.

(٤) كما في مدارك الأحكام ١ : ٦٥ وجواهر الكلام ١ : ٢١١.

(٥) حكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٠٥ ، وانظر : السرائر ١ : ٧٠ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٩٠.

(٦) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٢١١ ، وانظر : السرائر ١ : ٧٠.

(٧) حكاه عنهما العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٠٥ ، وانظر : السرائر ١ : ٧٠ والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٩٠.

١٨٣

وعن المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في المعتبر بعد نسبة هذا القول إلى الشيخ وأتباعه ، واعترافه بعدم الوقوف على نصّ في هذه الدماء بالخصوص ، قال : ولعلّ الشيخ نظر إلى اختصاص دم الحيض بوجوب إزالة قليله وكثيره من الثوب ، فغلّظ به حكمه في البئر ، وألحق به الدمين الآخرين ، لكنّ هذا التعليل ضعيف ، فالأصل أنّ حكمه حكم بقيّة الدماء ، عملا بالأحاديث المطلقة (١). انتهى.

وربما نوقش في وجود أحاديث مطلقة في حكم الدم ، لأنّ أغلب أخباره وردت في موارد خاصّة مثل دم الطير والشاة ودم الرعاف ، وما عداها يمكن دعوى انصرافها إلى ما عدا الدماء الثلاثة.

أقول : دعوى الانصراف قابلة للمنع ، فالقول بالتسوية بين الدماء وجيه.

وأوجه منه الالتزام بكون نزح الجميع أفضل ، استنادا إلى الإجماعين المنقولين ، والله العالم. (أو مات فيها بعير) إجماعا ، كما عن غير واحد نقله. ويدلّ عليه صحيحة الحلبي ، المتقدّمة (٢) ، بل وكذا صحيحة ابن سنان حيث قال فيها :«وإن مات فيها ثور أو نحوه أو صبّ فيها خمر فلينزح» (٣) لكون البعير

__________________

(١) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٦٥ ، وانظر : المعتبر ١ : ٥٩.

(٢) تقدّمت في ص ١٨١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٥ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩٣ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

١٨٤

نحو الثور ، فالأظهر بالنظر إلى هذه الصحيحة كون الثور وأشباهه كالبعير في هذا الحكم.

وتعبير المصنّف ـ رحمه‌الله ـ كغيره ـ بموت البعير فيها إنّما هو لأجل متابعة النصّ ، ووروده في النصّ ـ على الظاهر ـ لأجل جريه مجرى العادة ، فالأظهر ثبوت هذا الحكم لها لو وقع فيها البعير بعد موته ، والله العالم. (فإن تعذّر استيعاب مائها) لغلبته وكثرته في نفسه ، أو لتجدّد النبع لا لأمر آخر اقتصارا على ما يتبادر إلى الذهن من النصّ (تراوح عليها أربعة رجال كلّ اثنين دفعة يوما إلى الليل) بلا خلاف فيه ظاهرا.

ويدلّ عليه رواية عمّار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام ، وهي طويلة ، قال في آخرها : وسئل عن بئر وقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ، قال :«ينزف كلّها ، فإن غلب عليه الماء فلتنزف يوما إلى الليل ثم يقام عليها قوم يتراوحون اثنين اثنين فينزفون يوما إلى الليل وقد طهرت» (١).

وعن كاشف اللثام مرسلا إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام «فإن تغيّر الماء وجب أن ينزح الماء ، فإن كان كثيرا وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكتري أربعة رجال يستقون منها على التراوح من الغدوة إلى الليل» (٢).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٨٤ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٢١٥ ، وانظر : كشف اللثام ١ : ٣٥ ، والفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٤.

١٨٥

ونوقش فيهما بضعف السند ، وفي الأولى مضافا إلى أنّها ضعيفة السند متروكة الظاهر متهافتة المتن ، ومع ذلك فموردها أعيان مخصوصة ، فلا تصلح مستندا لإثبات الحكم على وجه العموم.

أقول : أمّا المناقشة في الرواية الأولى بضعف السند ، فهي مدفوعة :بأنّها موثّقة ، وقد حقّق في محلّه حجّية خبر الثقة ، خصوصا مثل عمّار الذي ادّعى الشيخ في محكي العدّة (١) إجماع الإمامية على العمل بروايته ورواية أمثاله ، ولا سيّما في مثل هذه الرواية المشهورة بين الأصحاب.

وأمّا تهافت متنها من حيث إقحامه لفظة «ثم» فهو غير مقتض لطرح الرواية المعتبرة ، وترك العمل بها ، خصوصا بالنسبة إلى ما لا تهافت فيه ، وهو كون الترواح موجبا للتطهير في الجملة.

وربّما وجّهوا التهافت بوجوه جلّها بل كلّها لا يخلو عن بعد ، كقراءة «ثم» بفتح الثاء ، أو تقدير «قال» بعدها ، أو كونها للترتيب الذكري ، أو أنّها بمعنى الفاء ، فيكون تفريعا على الكلام السابق ، أو كونها من زيادات عمّار.

وكيف كان فلا يهمّنا معرفته بعد انعقاد الإجماع على عدم اعتبار أمر آخر زائد على التراوح في يوم.

هذا ، مع أنّها على ما رواها في الوسائل خالية عن هذا التهافت ، فإنّه رواها هكذا : وسئل عن بئر يقع فيها كلب أو فأرة أو خنزير ، قال :«ينزف كلّها» قال الشيخ : يعني إذا تغيّر الماء. ثمّ قال أبو عبد الله عليه‌السلام :

__________________

(١) حكاه عنها المحقّق في المعتبر ١ : ٦٠ ، وانظر : عدّة الأصول ١ : ٣٨١.

١٨٦

«فإن غلب عليه الماء فلينزف يوما إلى الليل يقام عليها قوم» (١) إلى آخره.

وأمّا مهجوريّة ظاهرها من حيث إيجابها نزح الجميع للأشياء المذكورة فيها مع مخالفته للإجماع فغير ضائرة بالنسبة إلى سائر فقراتها ، خصوصا مع عمل الأصحاب بها.

ولو نوقش بمثل ذلك في أخبار البئر ، فلا يكاد توجد رواية سالمة عنها ، وهي من أقوى شواهد الاستحباب ، وقد حملها الشيخ على صورة تغيّر البئر بالأمور المذكورة (٢).

ولكنّك خبير بأنّ حملها على الاستحباب والالتزام بمفادها أولى من تقييد إطلاق موت الفأرة بما إذا تغيّر مثل هذه البئر بها.

ثمّ إنّ مقتضى الجمود على ظاهر النصّ وفتاوى الأصحاب اعتبار كونه في اليوم ، فلا يكفي مقداره من الليل أو الملفّق منهما ، وكذا اشتراط كون النازح أربعة رجال دون النساء والصبيان والخناثى ، فضلا عن أن ينزح ماؤها بالدوابّ وإن لم يقصر نزحها عن نزح الرجال.

وأمّا اشتراط عدم كونهم أزيد من الأربعة فلا يفهم من الرواية والفتاوى ، لأنّ الظاهر سوقها لبيان أقلّ ما يجزئ ، خصوصا مع عدم التنصيص على الأربعة في رواية عمّار التي هي عمدة ما يستند إليها في هذا الباب ، فلا ينافيها قيام قوم كثيرين يشتغلون بالنزح اثنين اثنين ، بل

__________________

(١) الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ ، وانظر : التهذيب ١ :٢٤٢ ـ ٦٩٩.

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٢.

١٨٧

الظاهر جواز نزحهم ثلاثة ثلاثة أو أزيد لو لم تكن كثرتهم موجبة للتعطيل.

نعم ظاهرها عدم كفاية ما لو تراوح ثمانية رجال في نصف يوم بأن ترسل دلوان في البئر.

وربما تخطّى بعضهم عن مورد النصّ ، فقوّى عدم اعتبار ما لا مدخليّة له في زيادة النزح.

وربما صرّح بعض بعدم اعتبار بعض هذه الأمور ، ككونهم رجالا لو لم يقصر نزح غير الرجال عن نزحهم (١).

وقال بعض مشايخنا قدس سرّه : والتحقيق أخذ كلّ ما يحتمل فيه أنّ له دخلا في التطهير من زيادة القوّة وعدم البطؤ ونحو ذلك دون الباقي ، للعلم بأنّه ليس المدار على التعبّد المحض ، فحينئذ يكتفي بالواحد والاثنين من الرجال أو النساء والصبيان ، بل الدوابّ أيضا لو لم يقصر نزحها عن الأربعة رجال ، ولا يكتفى مثلا بنزح الثمانية في نصف يوم وإن لم يقصر عن نزح الأربعة ، لاحتمال المدخليّة في طول الزمان في التطهير (٢).

ولا يخفى عليك أنّ ما ذكره إنّما يتمّ بعد العلم بعدم مدخليّة بعض الخصوصيّات وكون إخراج هذا المقدار من الماء في طول يوم سببا للتطهير ، ودعوى العلم بذلك عهدتها على مدّعيه.

__________________

(١) انظر : مدارك الأحكام ١ : ٦٨.

(٢) صاحب الجواهر فيها ١ : ٢١٧ ـ ٢١٨.

١٨٨

والأحوط هو الاقتصار على أربعة رجال بأن يشتغل اثنان منهم بالنزح على سبيل التبادل من أوّل طلوع الفجر إلى الليل.

وقيل : من أوّل طلوع الشمس إلى الغروب (١) ، كما تؤيّده الرواية الثانية (٢) ، لأنّه هو يوم الأجير ، بل لعلّه هو الذي ينسبق إلى الذهن من الأولى (٣) أيضا ، والأوّل أحوط ، كما أنّ الأولى والأحوط تهيئة المقدّمات القريبة فضلا عن البعيدة قبل اليوم ، وكذا إلحاق جزء ممّا قبل اليوم وما بعده به من باب المقدّمة العلميّة.

وهل يعتبر اشتغال الاثنين بإخراج الدلو من البئر بأن يعين كلّ منهما الآخر في ذلك كما صرّح به بعضهم (٤) ، أم يكفي اشتغالهما في الجملة ولو بإخراج أحدهما للدلو وتفريغ الآخر ماءه؟ وجهان.

ولو قيل بلزوم اشتغالهما في كلّ بئر على ما يتعارف فيها ويناسبها ، لكان أوفق بإطلاق النصّ والفتاوى.

وقيل : ينزل أحدهما في البئر فيملأ الدلو ويخرجها الآخر (٥).

وفيه : أنّه خلاف المتعارف ، فلا ينسبق إلى الذهن من الإطلاق.

وكيف كان فليس لهم ترك النزح واشتغالهم جميعا بعمل ، كما هو ظاهر.

__________________

(١) انظر : كشف اللثام ١ : ٣٥.

(٢) المرسلة المتقدّمة في ص ١٨٥.

(٣) أي : رواية عمّار ، المتقدّمة في ص ١٨٥.

(٤) ابن إدريس في السرائر ١ : ٧٠.

(٥) الشهيد الثاني في روض الجنان : ١٤٨.

١٨٩

وقيل : بجواز اجتماعهم في مثل الصلاة والأكل ممّا قضت العادة باجتماعهم فيه (١).

وفيه : أنّ العادة غير قاضية بالاجتماع في الأكل والصلاة في مثل المقام ممّا لا بدّ من اشتغال بعضهم بالعمل.

وقيل : يجوز لهم الصلاة جماعة دون سائر الأعمال أو الصلاة فرادى (٢).

ولعلّ وجه عموم أدلّة استحباب الجماعة.

وفيه ما لا يخفى ، لأنّ عموم الاستحباب لا ينافي شرطيّة النزح في يوم كامل لطهارة البئر ، ولو بني على تخصيصها بمثل هذه العمومات ، لجاز لهم ارتكب جميع المستحبّات من النوافل وغيرها ، كتشييع الجنائز وزيارة المؤمنين وقضاء حوائجهم ، وفساده ظاهر. (و) طريق تطهيره بالمعنى الأعمّ من الطهارة المصطلحة أو النظافة المطلقة حتى يناسب كلا القولين (بنزح كرّ إن مات فيها دابّة).

والمراد منها هنا على الظاهر خصوص الفرس والبغل ، لا مطلق المركوب أو مطلق ما يدبّ على الأرض ، بل يظهر ممّا حكاه في المجمع عن المصباح أنّ هذا المعنى هو الذي يراد منها عرفا عند الإطلاق ، قال : وأمّا تخصيص الفرس والبغل بالدابّة عند الإطلاق فعرف طارئ ، وتطلق

__________________

(١) ممّن قال به الشهيد في الذكرى : ١٠.

(٢) ممّن قال به السيوري في التنقيح الرائع ١ : ٤٩ ، والشهيد الثاني في الروضة البهية ١ :٢٧٦.

١٩٠

على الذكر والأنثى (١). (أو حمار أو بقرة).

ويدلّ عليه رواية عمرو بن سعيد بن هلال ، قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام : عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنّور إلى الشاة ، قال : فقال كلّ ذلك يقول : «سبع دلاء» قال : حتى بلغت الحمار والجمل ، فقال : «كرّ من ماء» (٢).

قال : «وأقلّ ما يقع في البئر عصفور ينزح منها دلو واحد» (٣).

وعن موضع من التهذيب قال : حتى بلغت الحمار والجمل والبغل ، فقال : «كرّ» (٤).

ويظهر من سوق الرواية كونها مسوقة لبيان حكم أصناف الحيوانات ، فيستفاد منها حكم كلّ حيوان هو شبه الحمار والبغل والجمل من حيث الجثّة ، مثل الفرس والبقرة والثور ونحوها.

ولا ينافيها ما تقدّم (٥) من نزح الجميع للبعير والثور ـ على المختار

__________________

(١) مجمع البحرين ٢ : ٥٥ «دبب» وانظر : المصباح المنير ١ : ٢٢٧ «دبّ».

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٥ ـ ٦٧٩ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩١ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥.

(٣) التهذيب ١ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ عن عمرو بن سعيد المدائني عن مصدق بن صدقة عن عمّار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ذيل الحديث ٥.

(٤) كما في جواهر الكلام ١ : ٢٢٠ ، وأورده المحقّق في المعتبر ١ : ٦٠ نقلا عن الشيخ الطوسي ، ولم نجده في التهذيب.

(٥) تقدّمت في ص ١٨١ صحيحتا عبد الله بن سنان والحلبي.

١٩١

من استحباب النزح ـ وتنزيل الاختلافات الواقعة في الأخبار على اختلاف مراتب الفضل.

نعم على القول بالوجوب لا بدّ من طرح هذه الرواية بالنسبة إلى الجمل ونحوه أعني الثور ، لصحيحتي الحلبي وابن سنان المتقدّمتين (١) ، كما أنّه على هذا القول لا يمكن الاتّكال على ما ادّعيناه من الظهور ، أعني استفادة حكم أصناف الحيوانات من هذه الرواية ، لمخالفته لما عليه بناء العلماء ، ومعارضته لكثير من الأخبار التي ستمرّ عليك ممّا ورد في السنّور والكلب وشبهه ، بل الإنصاف أنّه لا بدّ على القول بالنجاسة من طرح هذه الرواية ، لكونها مع قصور سندها معارضة في جلّ فقراتها بما هو أقوى منها دلالة ، والاقتصار في العمل بها على ما أفتى الأصحاب بمضمونه مع أنّهم طرحوها في أكثر فقراتها ليس في الحقيقة إلّا الاعتماد على عمل الأصحاب ، إذ لا يبقى مع هذه الموهنات وثوق بمثل هذه الرواية.

وفي صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر عليه‌السلام وأبي عبد الله عليه‌السلام : في البئر يقع فيها الفأرة والدابّة والكلب والطير فيموت ، قال : «يخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضّأ» (٢).

ووجه الجمع على المختار ما عرفت ، وعلى القول بالوجوب لا بدّ

__________________

(١) تقدّمتا في ص ١٨١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ـ ٦٨٢ ، الإستبصار ١ : ٣٦ ـ ٩٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥.

١٩٢

من الالتزام بإجمال الدّلاء ، وكون سائر الأخبار رافعا لإجمالها ، والله العالم.

وعن المصنّف في المعتبر : أنّه استشكل في إلحاق الفرس والبقرة بالحمار ، وقرّب إلحاقهما بما لا نصّ فيه.

قال ـ فيما حكي عنه ـ بعد أن ذكر الفرس والبقرة ، ونسب إلحاقهما بالحمار إلى المشايخ الثلاثة ، وطالبهم بدليل الإلحاق : فإن احتجّوا برواية ابن سعيد ، قلنا : هي مقصورة على الحمار والبغل ، فإن قالوا : هما مثلهما في العظم ، طالبناهم بدليل التخطّي إلى المماثل من أين عرفوه؟ ولو ساغ البناء على المماثلة في العظم لكانت البقرة كالثور ، ولكان الجاموس كالجمل ، وربما كان الفرس في عظم الجمل.

ثم قال : ومن المقلّدة من لو طالبته بدليل المسألة لادّعى الإجماع ، لوجوده في الكتب الثلاثة ، وهو غلط وجهالة إن لم يكن تجاهلا ، فالأوجه أن يجعل الفرس والبقرة في قسم ما لم يتناوله نصّ على الخصوص (١). انتهى.

واعترض عليه بظهور رواية ابن سعيد في كون الحيوانات المذكورة فيها من قبيل الأمثال بشهادة قوله : حتى بلغت الحمار والجمل والبغل بعد سؤاله عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنّور والشاة ، بأنّ مقصود السائل لم يكن إلّا معرفة حكم الحيوانات بترتيب جثثها ، فيفهم منها حكم البقرة والفرس.

__________________

(١) حكاه عنه الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٠ ، وانظر : المعتبر : ٦١ و ٦٢.

١٩٣

وفيه ما عرفت من عدم جواز الاعتماد على هذا الظّاهر على القول بالوجوب ، ولذا لم يعتمد العلماء على هذه الرواية بأن يجعلوها أصلا كلّيّا في هذا الباب ، مع أنّه على هذا التقدير يفهم منها حكم أغلب الحيوانات ، بل جميعها إلّا ما شذّ وندر ، كما لا يخفى.

واعترض عليه أيضا بدخولهما في مفهوم الدابّة المنصوص على حكمها في صحيحة الفضلاء ، فلا وجه لإلحاقهما بما لا نصّ فيه.

وفيه ما عرفت من أنّ من لوازم القول بالوجوب الالتزام بإجمال الدلاء الواردة في الصحيحة ، فهي غير مجدية في عدّ مطلق ما يعمّه لفظ الدابّة ممّا ورد فيه النصّ بالخصوص ، إذ ليس المقصود من ورود النصّ فيه إلّا استفادة حكمه منه ، لا مجرّد ورود نصّ مجمل فيه.

اللهمّ إلّا أن يدّعى ـ بعد الالتزام بنزح الجميع لما لا نصّ فيه ـ ظهور الرواية في عدم وجوب نزح الجميع لمطلق الدابّة ، وهذا لا ينافي إجمالها بالنسبة إلى تعيين مقدار النزح ، فيفهم منها إجمالا أنّه لا يجب للفرس والبقرة نزح الجميع ، فيتمّ القول بنزح الكرّ لهما بعدم القول بالفصل إن تمّ ، فتأمّل. (وبنزح سبعين إن مات فيها إنسان) إجماعا ، كما عن الغنية والمنتهى وظاهر غيرهما (١).

ومستنده رواية عمّار الساباطي ، قال : سئل أبو عبد الله عليه‌السلام : عن

__________________

(١) حكاه عنهما وعن ظاهر غيرهما العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٠٩ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٩٠ ، ومنتهى المطلب ١ : ١٣.

١٩٤

رجل ذبح طيرا فوقع بدمه في البئر ، فقال : «ينزح منها دلاء ، هذا إذا كان ذكيّا فهو هكذا ، وما سوى ذلك ممّا يقع في بئر الماء فيموت فيه فأكبره الإنسان ينزح منها سبعون دلوا وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد ، وما سوى ذلك فيما بين هذين» (١).

وعن المصنّف في المعتبر : أنّ هذه الرواية رواتها ثقات ، وهي معمول بها بين الأصحاب (٢). انتهى.

ولا يبعد أن يكون مراد الإمام عليه‌السلام من قوله : «أكبره الإنسان» ما هو أكبر بحسب الجثّة ، فتكون الرواية منزّلة على الغالب ، إذ وقوع مثل الجمل وأشباهه في البئر نادر ، فلا ينافيها وجوب نزح الجميع لها ، وعلى هذا يستفاد من هذه الرواية حكم كلّ ما يموت في البئر ، ولا تكون جثّته أكبر من الإنسان.

ويحتمل أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام : «أكبره الإنسان» كونه أكبر بالنسبة إلى حكم النزح بمعنى أنّ مقدّرة أكثر من غيره.

لكن يضعّفه عدم استفادة الأصحاب منها ذلك ، كما يفصح عن ذلك نزاعهم في أنّ الفرس والبقرة وأشباههما ممّا لا نصّ فيه ، فلو فهموا من هذه الرواية هذا المعنى ، لجعلوه أصلا متّبعا في حكم كلّ ما يموت في البئر بحيث لا يرفع اليد عنه إلّا بما هو أخصّ منه ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ ظاهر الرواية ـ كغيرها من الأخبار الواردة في بيان ما ينزح

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٤ ـ ٦٧٨ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٢) كما في جواهر الكلام ١ : ٢٢٧ ، وانظر : المعتبر ١ : ٦٢.

١٩٥

لموت سائر الحيوانات في البئر ـ في بادئ النظر : اختصاص الحكم بما لو وقع فيها حيّا فمات ، ولكنّه قد أشرنا ـ فيما سبق ـ أنّ المتفاهم من مثل هذه الروايات ـ بواسطة ما هو المغروس في الأذهان من نجاسة الميتة ـ ليس إلّا أنّ هذا المقدار من النزح هو الذي يقتضيه انفعال البئر بملاقاة هذه النجاسة من دون أن يكون لوقوعه حيّا وزهاق روحه فيها مدخليّة في الحكم ، فالتعبير بوقوعه في البئر وموته فيها جار مجرى الغالب ، نظير قوله تعالى (وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) (١) فعلى هذا لا فرق بين ما لو مات في البئر أو وقع فيها ميّتا.

نعم يتوجّه التفصيل حينئذ بين المسلم والكافر لو مات فيها ، بخلاف ما لو وقع فيها حيّا ، كما عن المحقّق والشهيد الثانيين (٢) ، فإنّه لو وقع الكافر فيها حيّا فمات ليس انفعال البئر مستندا إلى ميّت الإنسان ، لأنّ البئر انفعلت قبل الموت ، فلا مانع حينئذ عن الالتزام بوجوب نزح الجميع لو قلنا بذلك فيما لا نصّ فيه ، وأمّا لو وقع فيها ميّتا فمقدّره سبعون ، لأنّ الإنسان يعمّ المسلم والكافر ، كما يعمّ الصغير والكبير ، والذكر والأنثى.

نعم لو قلنا بأنّ الرواية مسوقة لبيان حكم ما لو وقع الإنسان في البئر حيّا فمات بأن يكون وقوعه حيّا من قيود الموضوع ، فالأوجه عدم التفصيل بين المسلم والكافر ، لعموم النصّ.

ودعوى انصرافه إلى المسلم ممنوعة.

__________________

(١) سورة النساء ٤ : ٢٣.

(٢) كما في جواهر الكلام ١ : ٢٢٩ ، وانظر : جامع المقاصد ١ : ١٤٠ ، وروض الجنان : ١٤.

١٩٦

وما يقال : من أنّ وقوع الكافر وخروجه حيّا يوجب نزح الجميع ، لكونه ممّا لا نصّ فيه ، فلا يجوز أن يجوز أن يكون موته بعد الوقوع موجبا لتقليل مقدّرة يتوجّه عليه أنّه اجتهاد في مقابل النصّ ، مع أنّ المتّجه على تقدير تسليم المدّعى قلب الدليل بأن يقال : إنّه يفهم من عموم الرواية حكم ما لو مات الكافر فيها ، ولا يجوز أن يكون خروجه حيّا موجبا لزيادة مقدّرة ، فيخرج بذلك عن كونه ممّا لا نصّ فيه.

لا يقال : إنّ الرواية مسوقة لبيان ما ينزح لأجل موته فيها ، فنجاسة كفره ليس إلّا كنجاسة خارجيّة ملاصقة بثوبه أو بدنه ممّا لم يرد فيها نصّ بالخصوص كالمنيّ.

لأنّا نقول : إنّ نجاسة كفره من الأعراض اللّازمة لهذا الصنف ، فإذا عمّه الدليل فكأنّه نصّ على أنّه لو وقع الكافر في البئر فمات ينزح منها سبعون دلوا ، وحيث إنّ الجهتين متلازمتان لا يصحّ تنزيل الحكم على إرادته من جهة دون اخرى ، نظير ما لو نفي البأس عن الصلاة ناسيا في الثوب المتلطّخ بخرء الكلاب ، فإنّه لا يمكن أن يدّعى أنّ الحكم بالصحّة من جهة نجاسته لا من جهة كونه فضلة غير المأكول.

هذا ، ولكن لقائل أن يقول بوضوح الفرق بين التنصيص على حكم الفرد وبين إرادته في ضمن العامّ ، فإنّ إطلاق نفي البأس عن الصلاة في عذرة الكلب المنسيّة وإرادة نفي البأس من حيث نجاستها قبيح ، وأمّا إرادته في ضمن العام كما لو قيل : لا بأس بالصلاة في النجاسة المنسيّة ، فلا قبح فيها أصلا ، ولتمام الكلام مقام آخر ، والله العالم.

١٩٧

(و) يطهر (بنزح خمسين إن وقعت فيها عذرة فذابت) هي فضلة الإنسان ، قيل : سمّيت بذلك ، لأنّها كانت تلقى في العذرات وهي أفنية الدور (١).

والمراد بالذوبان : تفرّق الأجزاء وشيوعها في الماء.

ومستنده رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن العذرة تقع في البئر ، قال : «ينزح منها عشر دلاء ، فإن ذابت فأربعون أو خمسون [دلوا]» (٢). (و) إنّما أوجب الخمسين مع أنّ (المرويّ أربعون أو خمسون) لاحتمال كون الترديد من الراوي ، فلا يحصل اليقين بزوال أثر الملاقاة إلّا بالخمسين فيستصحب ، ولكن احتمال كونه من الإمام عليه‌السلام أوفق بظاهر الرواية ، فالقول بكفاية الأربعين وحمل الزائد على الفضل أظهر.

وفي صحيحة عليّ بن جعفر ، المتقدّمة (٣) نفى أخوه عليه‌السلام البأس عن الوضوء بماء بئر وقع فيها زنبيل [من] (٤) عذرة رطبة أو يابسة ، وهي عادة لا تنفكّ عن الذوبان. (و) يطهر أيضا بنزح خمسين إن وقع فيها (كثير الدم كـ) دم

__________________

(١) انظر : الذكرى : ١١ ، والصحاح ٢ : ٧٣٨ «عذر».

(٢) التهذيب ١ : ٢٤٤ ـ ٧٠٢ ، الإستبصار ١ : ٤١ ـ ١١٦ ، الوسائل ، الباب ٢٠ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ ، وما بين المعقوفين من المصدر.

(٣) تقدّمت في ص ١٥٩.

(٤) أضفناها من المصدر.

١٩٨

(ذبح الشاة) على المشهور ، بل عن الغنية دعوى الإجماع عليه (١) ، ولم يظهر مستنده. (والمروي) صحيحا عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام : في رجل ذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما ، قال :«ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين» (٢).

وعن جملة من القدماء والمتأخّرين العمل بما في الصحيح ، فهو الأقوى.

والمتبادر من مثل هذا التحديد دخول الطرفين في المحدود ، كما يتبادر ذلك من قوله عليه‌السلام في الرواية الآتية (٣) : سألته عمّا يقع في البئر ما بين الفأرة والسنّور إلى الشاة. فالخدشة فيما ذكره المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في معنى الرواية (من ثلاثين إلى أربعين) في غير محلّها.

وعن المفيد : أنّه ينزح للدم الكثير عشر دلاء (٤).

واستدلّ له : بصحيحة ابن بزيع ، عن البئر تكون في المنزل فتقطر فيها قطرات من بول أو دم ـ إلى أن قال ـ فوقّع بخطّه في كتابي : «ينزح منها دلاء» (٥) بتقريب : أنّ أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع عشرة ، فيجب

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١ : ٢٣٢ ، وحكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١١٠ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٩٠.

(٢) التهذيب ١ : ٤٠٩ ـ ١٢٨٨ ، الإستبصار ١ : ٤٤ ـ ١٢٣ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٣) كذا ، وتقدّمت في ص ١٩١.

(٤) حكاه عنه ابن إدريس في السرائر ١ : ٧٩ ، وانظر : المقنعة : ٦٧.

(٥) الكافي ٣ : ٥ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ـ ٧٠٥ ، الإستبصار ١ : ٤٤ ـ ١٢٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢١.

١٩٩

أن يؤخذ بها ، إذ لا دليل على ما دونها.

وفيه ـ بعد الإغماض عن أنّ موردها قليل الدم ـ مناقشة ظاهرة.

وروى زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في بئر قطرت فيها قطرة دم أو خمر ، قال : «الدم والخمر والميّت ولحم الخنزير في ذلك كلّه واحد ينزح منه عشرون دلوا ، فإن غلب الريح نزحت حتى تطيب» (١).

وظاهر الجواب : عدم الفرق بين قليله وكثيره ، والله العالم.

(و) يطهر (بنزح أربعين إن مات فيها ثعلب أو أرنب أو خنزير أو سنّور أو كلب وشبهه.)

واستدلّ له : برواية سماعة عن الصادق عليه‌السلام ، قال : «وإن كان سنّورا أو أكبر منه نزحت ثلاثين دلوا أو أربعين» (٢).

ورواية القاسم عن علي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : «والسنّور عشرون دلوا أو ثلاثون أو أربعون دلوا ، والكلب وشبهه» (٣).

وعن المعتبر : أنّه نقل الرواية عن كتاب الحسين بن سعيد من غير

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٧ ، الإستبصار ١ : ٣٥ ـ ٩٦ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٦ ـ ٦٨١ ، الإستبصار ١ : ٣٦ ـ ٩٨ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٥ ـ ٦٨٠ ، الإستبصار ١ : ٣٦ ـ ٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

٢٠٠