مصباح الفقيه - ج ١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

ترديد هكذا : سألته عن السنّور ، فقال : «أربعون دلوا ، وللكلب وشبهه» (١).

وروي ـ في الصحيح ـ عن زرارة ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما‌السلام : في البئر تقع فيها الدابّة والفأرة والكلب والخنزير (٢) والطير فتموت ، قال : «تخرج ثم ينزح من البئر دلاء ثم اشرب وتوضّأ» (٣).

وفي الصحيح عن علي بن يقطين عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن البئر تقع فيها الحمامة والدجاجة أو الفأرة أو الكلب أو الهرّة ، فقال : «يجزئك أن تنزح منها دلاء ، فإنّ ذلك يطهّرها إن شاء الله» (٤).

وفي الصحيح عن أبي أسامة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الفأرة والسنّور والدجاجة والكلب والطير ، قال : «إذا لم تتفسّخ أو يتغيّر طعم الماء فيكفيك خمس دلاء ، فإن تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الريح» (٥).

وفي رواية [عمرو] (٦) المتقدّمة (٧) «ما بين الفأرة والسنّور إلى الشاة

__________________

(١) حكاها عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٢٣٤ ، وانظر : المعتبر ١ : ٦٦.

(٢) كلمة : «والخنزير» لم ترد في «ض ١» والاستبصار.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٦ ـ ٦٨٢ ، الإستبصار ١ : ٣٦ ـ ٩٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٥.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٧ ـ ٦٨٦ ، الإستبصار ١ : ٣٧ ـ ١٠١ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٥) الكافي ٣ : ٥ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٢٣٧ ـ ٦٨٤ ، الإستبصار ١ : ٣٧ ـ ١٠٢ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

(٦) في النسخ الخطّية والحجرية : أبي عمرو ، وما أثبتناه من المصدر هو الصحيح ، وهو عمرو بن سعيد.

(٧) تقدّمت في ص ١٩١.

٢٠١

سبع دلاء».

وعن أبي مريم ، قال : حدّثنا جعفر قال : «كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : إذا مات الكلب في البئر نزحت ، وقال أبو (١) جعفر عليه‌السلام : «إذا وقع فيها ثمّ اخرج منها حيّا نزح منها سبع دلاء» (٢).

وفي رواية أبي بصير «فإن سقط فيها كلب فقدرت أن تنزح ماءها فافعل» (٣) وهذا ظاهره الاستحباب.

وفي رواية إسحاق بن عمّار «فإذا كانت شاة وما أشبهها فتسعة أو عشرة» (٤).

والإنصاف أنّه لو لم يكن للقول بالطهارة دليل إلّا اختلاف الأخبار ، لكفاهم شاهدا ، إذ كيف يعقل الطرح أو التأويل في مجموع هذه الأخبار التي نقطع إجمالا بصدور أغلبها ، مع وضوح دلالتها على المراد بحيث لا يتطرّق فيها شائبة إجمال وإهمال حتى يرتكب فيها التأويل!؟ فلا بدّ من أن يكون منشأ الاختلاف إمّا التقيّة ونحوها ، أو كون الحكم مستحبّا قابلا للاختلاف باعتبار المراتب أو الموارد ، والله العالم.

__________________

(١) كلمة «أبو» لم ترد في التهذيب والاستبصار.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ـ ٦٨٧ ، الإستبصار ١ : ٣٨ ـ ١٠٣ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٣) الكافي ٣ : ٦ ـ ٦ ، التهذيب ١ : ٢٣٠ ـ ٦٦٦ ، الإستبصار ١ : ٣٦ ـ ٩٩ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١١.

(٤) التهذيب ١ : ٢٣٧ ـ ٦٨٣ ، الإستبصار ١ : ٣٨ ـ ١٠٥ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

٢٠٢

(ولبول الرجل) أيضا أربعون دلوا ، لرواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في بول الرجل ، قال : «ينزح منها أربعون دلوا» (١).

وعن الحلّي في السرائر دعوى تواتر الأخبار عن الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام بأن ينزح لبول الإنسان أربعون دلوا (٢).

وفي رواية كردويه المتقدّمة (٣) «ينزح منها لقطرة بول أو دم ثلاثون دلوا».

وفي صحيحة ابن بزيع المتقدّمة (٤) «ينزح منها لقطرات البول دلاء».

وفي رواية عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في البئر يبول فيها الصبي أو يصبّ فيها بول أو خمر ، قال : «ينزح الماء كلّه» (٥).

(و) يطهر (بنزح عشر) دلاء (للعذرة الجامدة) أي ما لم تتفرّق أجزاؤها ، رطبة كانت أم يابسة.

ومستنده رواية أبي بصير ، المتقدّمة (٦).

(و) ل (قليل الدم كدم) ذبح (الطير والرعاف اليسير) أيضا عشر دلاء.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٣ ـ ٧٠٠ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٢٣٧ ، وانظر : السرائر ١ : ٧٨.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصادرها في ص ١٨١.

(٤) تقدّمت في ص ١٩٩.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٦ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤.

(٦) تقدّمت في ص ١٩٨.

٢٠٣

وفي محكي السرائر حدّ أكثر القليل : ما نقص عن دم الشاة (١).

ولم يعلم مستنده كأصل الحكم بالعشرة فيه.

نعم عن الحلّي نسبته إلى روايات أصحابنا (٢).

(و) لا يبعد أن يكون منشأ النسبة استفادته ذلك من (المرويّ) مستفيضا في الصحيح وغيره : في البئر الواقع فيها الطير المذبوح أو قطرة دم أو قطرات من الدم «أنّه ينزح منها دلاء» (٣) إمّا بدعوى عدم كون مثل هذه الصيغة حقيقة فيما دون العشرة ، فيحمل على أقلّ ما به تتحقّق الطبيعة ، وينفى الزائد بالأصل ، أو بتقريب : أنّ العشرة أكثر عدد يضاف إلى هذا الجمع ، فيجب أن يؤخذ بها ، إذ لا دليل على ما دونه.

ويتوجّه على التقريب الأوّل : عدم التسليم.

وعلى الثاني : أنّه لا مجال للتمسك بالأصل مع إطلاق الدليل المقتضي لكفاية المسمى في الامتثال خصوصا مع أنّه عليه‌السلام في رواية عليّ ابن جعفر قال : «ينزح منها (دلاء يسيرة)» (٤) ففي التوصيف تنصيص على عدم إرادة أكثر ما يمكن إرادته من هذه الصيغة. (و) يطهر (بنزح سبع) دلاء (لموت الطير) للأخبار المستفيضة :

منها : مضمرة سماعة عن الفأرة تقع في البئر والطير ، قال عليه‌السلام : «إن

__________________

(١) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٢٣٩ ، وانظر : السرائر ١ : ٧٩.

(٢) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٢٣٩ ، وانظر : السرائر ١ : ٧٩.

(٣) الكافي ٣ : ٥ ـ ١ ، التهذيب ١ : ٢٤٤ ـ ٢٤٥ ـ ٧٠٥ ، الإستبصار ١ : ٤٤ ـ ١٢٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢١.

(٤) التهذيب ١ : ٤٠٩ ـ ١٢٨٨ ، الوسائل ، الباب ٢١ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

٢٠٤

أدركته قبل أن ينتن نزح منها سبع دلاء» (١).

ورواية يعقوب بن عثيم «إذا وقع في البئر الطير والدجاجة والفأرة فانزح منها سبع دلاء» (٢).

ورواية علي بن أبي حمزة : عن الطير والدجاجة تقع في البئر ، قال : «سبع دلاء» (٣).

وروي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في بعض الصحاح المتقدّمة «للطير والدجاجة خمس دلاء» (٤).

وعن إسحاق بن عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عليه‌السلام أنّ عليّا عليه‌السلام كان يقول : «الدجاجة ومثلها تموت في البئر ينزح منها دلوان أو ثلاثة ، فإذا كانت شاة أو ما أشبهها فتسعة أو عشرة» (٥). (و) كذا يطهر بنزح سبع دلاء لموت (الفأرة إذا تفسّخت) على المشهور (أو انتفخت) بناء على كون الانتفاخ من مراتب التفسّخ ، لأنّ الانتفاخ يوجب تفرّق الأجزاء وإن لم تتقطّع في الحسّ.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٦ ـ ٦٨١ ، الإستبصار ١ : ٣٦ ـ ٩٨ ، الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١ ، وفيها : «.. نزحت منها ..».

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٣ ـ ٦٧٤ ، الإستبصار ١ : ٣١ ـ ٣٢ ـ ٨٤ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٢.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٥ ـ ٦٨٠ ، الإستبصار ١ : ٣٦ ـ ٩٧ ، الوسائل ، الباب ١٧ و ١٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣ و ٢.

(٤) تقدّمت رواية أبي أسامة عن الصادق عليه‌السلام في ص ٢٠١.

(٥) التهذيب ١ : ٢٣٧ ـ ٦٨٣ ، الاستبصار ١ : ٣٨ ـ ١٠٥ و ٤٣ ـ ١٢٢ الوسائل ، الباب ١٨ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

٢٠٥

وفيه نظر ، ولكنّه عن الغنية دعوى الإجماع على كونه بحكم التفسّخ (١).

وكيف كان فمستند أصل الحكم رواية أبي سعيد المكاري : «إذا وقعت الفأرة في البئر فتسلّخت فانزح منها سبع دلاء» (٢).

وفي خبر أبي عيينة : «إذا خرجت فلا بأس ، وإن تفسّخ فسبع دلاء» (٣).

فيقيّد بمفهوم هاتين الروايتين إطلاق الأمر بالسبع لموت الفأرة ، كمضمرة سماعة ورواية يعقوب ، المتقدّمتين (٤).

كما أنّه يتقيّد بمنطوقهما رواية [معاوية بن] (٥) عمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن الفأرة والوزغة تقع في البئر ، قال عليه‌السلام : «ينزح منها ثلاث دلاء» (٦) فتحمل هذه الرواية على ما إذا لم تتفسّخ.

وفي رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام في الفأرة تقع في

__________________

(١) حكاه عنها العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١١٤ ، وكما في جواهر الكلام ١ : ٢٤٨ ، وانظر : الغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٩٠.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٩ ـ ٦٩١ ، الإستبصار ١ : ٣٩ ـ ١١٠ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٣ ـ ٦٧٣ ، الإستبصار ١ : ٣١ ـ ٨٣ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٣.

(٤) تقدّمتا في ص ٢٠٤ ـ ٢٠٥.

(٥) أضفناها من المصدر.

(٦) التهذيب ١ : ٢٣٨ ـ ٦٨٨ و ٢٤٥ ـ ٧٠٦ ، الاستبصار ١ : ٣٩ ـ ١٠٦ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

٢٠٦

البئر ، قال عليه‌السلام : «إذا ماتت ولم تنتن فأربعين دلوا وإذا انتفخت فيه أو نتنت نزح الماء كلّه» (١).

وعن مسائل علي بن جعفر «ينزح عشرون إذا تقطّعت» (٢).

وفي موثّقة عمّار ، المتقدّمة (٣) «نزح الجميع».

وفي غير واحد من الأخبار الصحيحة المتقدّمة : «يجزئك أن تنزح منها دلاء» (٤).

وفي بعضها التصريح «بأنّ ذلك يطهّرها إن شاء الله» (٥). (و) كذا يطهر بنزح سبع دلاء (لبول الصبي الذي) يأكل الطعام و (لم يبلغ) لرواية منصور بن حازم عن عدّة عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال :«ينزح منه سبع دلاء إذا بال فيها الصبي أو وقعت فيها فأرة أو نحوها» (٦).

وإنّما قيّدوا الصبي بأكل الطعام ، لرواية عليّ بن أبي حمزة ، الآتية (٧) المحمولة على الصبي الذي لم يأكل الطعام.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٩ ـ ٦٩٢ ، الإستبصار ١ : ٤٠ ـ ١١١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤.

(٢) مسائل علي بن جعفر : ١٩٨ ـ ٤٢٣ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٤.

(٣) تقدّمت في ص ١٨٥.

(٤) تقدّم في ص ٢٠١.

(٥) تقدّم في ص ٢٠١.

(٦) التهذيب ١ : ٢٤٣ ـ ٧٠١ ، الإستبصار ١ : ٣٣ ـ ٨٩ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٧) تأتي في ص ٢١٤.

٢٠٧

وفي رواية معاوية بن عمّار «ينزح الماء كلّه لبول الصبي» (١).

وقد حملها الشيخ على حصول التغيّر به (٢).

وفيه من البعد ما لا يخفى. (ولاغتسال الجنب) الخالي بدنه عن النجاسة فيه ، أي : ماء البئر ، للأخبار المستفيضة التي تقدّم بعضها.

وهل يختصّ الحكم باغتساله فيها ، كما هو ظاهر المتن وغيره ، أم يعمّ مطلق مباشرة الجنب ، كما هو صريح المحكيّ عن جماعة (٣)؟

وجهان : من إطلاق بعض الأخبار ، كصحيحة ابن مسلم : «إذا دخل الجنب البئر ينزح منها سبع دلاء» (٤) ورواية عبد الله بن سنان : «إن سقط في البئر دابّة صغيرة أو نزل فيها جنب فانزح منها سبع دلا» (٥) ومن إمكان دعوى انصراف الإطلاق إلى الاغتسال فيها.

ثم إنّ مقتضى إطلاق النصوص : عدم الفرق بين ما لو اغتسل ارتماسا أو ترتيبا.

ودعوى انصرافها إلى الأوّل عريّة عن الشاهد ، بل ربما يظهر من

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٣ ـ ٦٩٦ ، الإستبصار ١ : ٣٥ ـ ٩٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ و ١٦ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤ و ٧ بتصرّف.

(٢) التهذيب ١ : ٢٤١ ذيل الحديث ٦٩٦ ، الاستبصار ١ : ٣٥ ذيل الحديث ٩٤.

(٣) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٣.

(٤) التهذيب ١ : ٢٤٤ ـ ٧٠٣ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٥) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٥ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩٣ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

٢٠٨

السؤال في رواية أبي بصير إرادة الغسل الترتيبي.

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الجنب يدخل البئر فيغتسل فيها ، قال : «ينزح سبع دلاء» (١).

ثم على القول بنجاسة البئر بملاقاة النجس هو النزح في المقام لنجاسة البئر تعبّدا ، أم لسلب الطهوريّة ، أم أنّه تعبّد شرعيّ؟ صرّح الشهيد الثاني بالأوّل ، ونفى عنه البعد بعد ورود النصّ (٢) ، وانفعال البئر بما لا ينفعل به غيرها.

وعن ظاهر المعتبر والمختلف : الثاني (٣).

وعن بعض : الثالث (٤).

ويضعّف الأوّل : بأنّه لا يمكن استفادة مثل هذا الحكم الذي يستبعده الذهن من مجرّد الأمر بالنزح الذي لم يعلم انحصار سببه في النجاسة ، وإنّما يفهم النجاسة في سائر الموارد ، لأجل القرائن الخارجيّة والمناسبات المغروسة في الأذهان المنتفية كلّها في فرض طهارة الملاقي ، ولذا لا يظنّ بأحد من القائلين بالنجاسة أن يقول بنجاسة البئر بموت العقرب والوزغة وسام أبرص مع ورود الأمر بالنزح لها.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٤ ـ ٧٠٢ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤.

(٢) مسالك الأفهام ١ : ١٥.

(٣) حكاه عنهما العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٨٨ ، وانظر : المعتبر ١ : ٧٨ ، ومختلف الشيعة ١ : ٥٥ ذيل المسألة ٢٩.

(٤) حكاه عن جماعة ، العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٨٨.

٢٠٩

والحاصل : أنّه لا يمكن إثبات مثل هذا الحكم إلّا بنصّ صريح في أنّ البئر تنجس بهذا الشي‌ء الذي ليس بنجس ، وإلّا فلو ورد التنصيص على النجاسة من دون أن يصرّح بكونها مسبّبة عن نفس الاغتسال لا ينسبق إلى الذهن إلّا نجاستها لأجل ملاقاة ما في بدن الجنب من النجاسة العرضية كما هو الغالب ، نظير الأمر بإراقة الإناء الذي أدخل الجنب يده فيه قبل غسلها ، فإنّه لا يفهم من إطلاق ذلك نجاسة يد الجنب قبل الغسل تعبّدا أو نجاسة الماء الملاقي لها بالتعبّد الشرعي ، بل المناسبات المغروسة في أذهان المتشرّعة تصرف الإطلاق إلى ما لو كانت اليد قذرة ، وقد تقدّم نظير ذلك في مبحث انفعال الماء القليل.

وبذلك ظهر لك ضعف الاستدلال لهذا القول بقوله عليه‌السلام في رواية ابن أبي يعفور ، المتقدّمة (١) في أدلّة القول بالنجاسة : «ولا تقع في البئر ، ولا تفسد على القوم ماءهم» إذ بعد تسليم ظهور الإفساد في إرادة النجاسة ، والإغماض عمّا ذكرناه فيما سبق ، أنّ الرواية على هذا التقدير منصرفة إلى ما إذا اشتمل بدنه على النجاسة ، فالأوفق بالقواعد كون النزح لسلب الطهوريّة إن قلنا به في الماء المستعمل في رفع الحدث ولم نقل بالتفصيل بين القليل الراكد وغيره ما لم يستهلك ، ولو لم نقل بذلك ، فالأوفق هو الالتزام بكراهة الاستعمال وكون النزح مستحبّا في خصوص المقام ونظائره ، مثل : موت العقرب والوزغة وسام أبرص وإن قلنا بنجاستها في سائر الموارد ، إذ لا ملازمة بين المقامين ، والله العالم.

__________________

(١) تقدّمت في ص ١٦٦.

٢١٠

(ولوقوع الكلب وخروجه حيّا) كما عن المشهور (١) ، لرواية أبي مريم ، قال : حدّثنا جعفر ، قال : «كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : إذا مات الكلب في البئر نزحت» وقال عليه‌السلام : «إذا وقع فيها ثمّ خرج حيّا (٢) نزح منها سبع دلاء» (٣). (وبنزح خمس) دلاء (لذرق الدجاج الجلّال) كما عن المفيد والديلمي والحلّي (٤).

وعن الشيخ في جملة من كتبه إطلاق لفظ الدجاج (٥) ، ولعلّه بناء منه على نجاسته.

وكيف كان فلم يظهر لنا مستندهم في الحكم ، والله العالم. (وبنزح ثلاث) دلاء (لموت الحيّة) على المشهور ، بل عن السرائر نفي الخلاف فيه (٦).

وفي محكي المعتبر (٧) أنّه يمكن الاستدلال عليه برواية الحلبي «إذا

__________________

(١) نسبه إلى المشهور الشهيد في الذكرى : ١١.

(٢) في المصدر : «ثم اخرج منها حيّا».

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٧ ـ ٢٣٨ ـ ٦٨٧ و ٤١٥ ـ ١٣١٠ ، الاستبصار ١ : ٣٨ ـ ١٠٣ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٤) حكاه عنهم العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١١٧ ، وانظر : المقنعة : ٦٨ ، والمراسم :٣٦ ، والسرائر ١ : ٧٩.

(٥) حكاه عنه العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٩٢ ، وانظر : النهاية : ٧ ، والمبسوط ١ :١٢.

(٦) حكاه عنه صاحب الجواهر فيها ١ : ٢٥٦ ، وانظر : السرائر ١ : ٨٣.

(٧) الحاكي عنه هو صاحب الجواهر فيها ١ : ٢٥٦ ، وانظر : المعتبر ١ : ٧٥.

٢١١

مات في البئر حيوان صغير فانزح دلاء» (١).

ولكنّه في رواية ابن سنان «للدابّة الصغيرة سبع دلاء» (٢).

وعن ابن بابويه أنّه أفتى بذلك (٣) ، وحكي عنه أيضا أنّه أوجب دلوا واحدا (٤).

وعن المفيد إلحاق الوزغة بالحيّة في نزح الثلاث (٥) ، كما عن الشيخ أيضا إلحاقها مع العقرب (٦).

وعن أبي الصلاح إلحاق العقرب حسب ، وفي الوزغة دلو واحد (٧).

ومستند الثلاث للوزغة : صحيحة معاوية بن عمّار ، الآتية (٨).

وأمّا العقرب : ففي رواية منهال : أنّه ينزح لها عشر دلاء ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : العقرب تخرج من البئر ميتة ، قال : «استق منها عشر دلاء» قال ، قلت : فغيرها من الجيف؟ قال : «الجيف كلّها سواء إلّا جيفة قد أجيفت ، فإن كانت جيفة قد أجيفت فاستق مائة دلو ، فإن غلب عليها

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦ ـ ٧ ، التهذيب ١ : ٢٤٠ ـ ٦٩٤ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩٢ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٦.

(٢) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٥ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩٣ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٣) حكاه عنه العلّامة في المختلف ١ : ٤٩ ، المسألة ٢٤.

(٤) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٧٤.

(٥) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٧٤ ، وانظر : المقنعة : ٦٧.

(٦) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٧٤ ، وانظر : النهاية : ٧ ، والمبسوط ١ : ١٢.

(٧) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٧٤ ، وانظر : الكافي في الفقه : ١٣٠.

(٨) ستأتي.

٢١٢

الريح بعد مائة دلو فانزحها كلّها» (١). (و) كذا ينزح الثلاث لموت (الفأرة) إذا لم تتفسّخ أو تتنفّخ ، لصحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الفأرة والوزغة تقع في البئر ، قال : «ينزح منها ثلاث دلاء» (٢).

وقيّدوها بغير المتفسّخة ، جمعا بينها وبين الأخبار السابقة.

وحكي القول بوجوب السبع لها عن بعض (٣) ، لبعض الإطلاقات المتقدّمة.

وعن ابن بابويه دلو واحد (٤). (وبنزح دلو) واحد (لموت العصفور وشبهه) لقول الصادق عليه‌السلام في رواية عمّار ، المتقدّمة (٥) «وأقلّه العصفور ينزح منها دلو واحد».

ويستفاد حكم ما هو شبه العصفور بالتقريب المتقدّم. (وبول الصبي الذي لم يغتذ بالطعام) كما عن الشيخين وابن البرّاج (٦).

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣١ ـ ٦٦٧ ، الإستبصار ١ : ٢٧ ـ ٧٠ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٨ ـ ٦٨٨ ، الإستبصار ١ : ٣٩ ـ ١٠٦ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٣) حكاه عن مصباح السيّد المرتضى ، المحقّق في المعتبر ١ : ٧١ :

(٤) حكاه عنه المحقّق في المعتبر ١ : ٧١ ، وانظر : المقنع (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤ ، والفقهية ١ : ١٢.

(٥) تقدّمت في ص ١٩٤ ـ ١٩٥.

(٦) حكاه عنهم العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٩٤ ، وانظر : المقنعة : ٦٧ ، والنهاية : ٧ ، والمبسوط ١ : ١٢ ، والمهذّب ١ : ٢٢.

٢١٣

واستدلّ عليه في محكي التهذيب : برواية علي بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن بول الصبي الفطيم يقع في البئر ، قال :«دلو واحد» (١).

والاستدلال بها مبني على حملها على المشرف على الفطام ، لعدم العامل بها في غير ذلك.

وعن المهذّب البارع : أنّ الرضيع هو المعبّر عنه في الروايات بالفطيم (٢).

وربما وجّه الاستدلال بدلالة الرواية على المدّعى بالأولويّة.

ونوقش : بعدم جواز الأخذ بالمفهوم بعد كون المنطوق غير معمول به عند الأصحاب.

وعن أبي الصلاح وابن زهرة وجوب الثلاث (٣). ولم يظهر مستندهما.

وفي رواية منصور بن حازم المتقدّمة (٤) إطلاق نزح السبع لبول

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤٣ ـ ٧٠٠ ، الإستبصار ١ : ٣٤ ـ ٩٠ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٢) حكاه عنه العاملي في مفتاح الكرامة ١ : ١٢٠ ، وانظر : المهذّب البارع ١ : ١٠٢.

(٣) حكاه عنهما العاملي في مدارك الأحكام ١ : ٩٤ ، وانظر : الكافي في الفقه : ١٣٠ ، والغنية (ضمن الجوامع الفقهية) : ٤٩٠.

(٤) تقدّمت في ص ٢٠٧.

٢١٤

الصبي ، كما أنّه قد ورد الأمر بنزح الجميع مطلقا لبول الصبي في رواية معاوية بن عمّار (١) ، والله العالم. (وفي) رواية كردويه عن أبي الحسن عليه‌السلام في بئر يدخلها (ماء المطر وفيه البول والعذرة) وأبوال الدوابّ وأرواثها (وخرء الكلاب) ، قال : «ينزح منها (ثلاثون دلوا)» (٢).

وقد اشتهرت الرواية بين الأصحاب ، وأفتوا بمضمونها بحيث عبّروا في فتاويهم بألفاظ الرواية ، فلا يلتفت إلى ضعف كردويه لجهالته ، خصوصا على المختار من استحباب النزح ، والله العالم. (و) اعلم أنّ مقتضى إطلاقات الأخبار : أنّ (الدلو التي ينزح بها) ليس لها حدّ مضبوط ، بل المدار فيها على (ما جرت العادة باستعمالها) في الآبار ، أعني الدلاء المتعارفة التي يبيعونها في الأسواق للاستقاء ، ولم تكن من المصاديق التي يندر استعمالها صغرا أو كبرا.

ودعوى انصراف إطلاقات الأخبار إلى ما كانت متطرفة في عصر الأئمّة وبلدهم عليه‌السلام مسموعة لو لا قضاء العادة بكثرة الاختلاف بين الدلاء المتعارفة في كلّ عصر ، وكون مثل هذه الدلاء المتعارفة في هذه الأعصار متعارفة في الأعصار السابقة أيضا.

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٦ ، الإستبصار ١ : ٣٥ ـ ٩٤ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤.

(٢) التهذيب ١ : ٤١٣ ـ ١٣٠٠ ، الإستبصار ١ : ٤٣ ـ ١٢٠ ، الوسائل ، الباب ١٦ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

٢١٥

وكون أهالي الأعصار السابقة نوعا أشدّ قوّة وأعظم جثّة لا يقتضي عدم كون مثل هذه الدلاء ـ التي يتقضّى بها عامّة حوائجهم ـ متعارفة لديهم ، بل الاعتبار يقتضي تعارفها ، فيفهم من الإطلاق وترك التعرّض لبيان مقدار الدلو في شي‌ء من الأخبار مع شدّة اختلاف الدلاء أنّ المدار على العدد المعيّن لا على مقدار الماء الذي ينزح من البئر.

نعم قد يتوهّم انسباق الدلو المتعارفة المعتادة في كلّ بئر بالنسبة إلى خصوص هذه البئر من الإطلاقات.

ويدفعه : أنّ الانصراف في مثله بدويّ منشؤه انس الذهن ، وإلّا فبعد الالتفات إلى أنّ الدلو ربما تتبدّل أو تنخرق أو تنعدم لا يبقى في الذهن خصوصية للدلو التي جرت العادة باستعمالها في خصوص البئر التي ينزح منها ، ولذا لا يتوهّم أحد حال اشتغاله بنزح المقدّر عدم كفاية إتمام المقدّر بدلو اخرى لو تلفت دلوه في الأثناء ، أترى هل يتوقّف أحد بعد أن سمع من الإمام عليه‌السلام أنّه ينزح سبع دلاء لموت الفأرة في حكم البئر التي حفرها فوجد فيها فأرة قبل أن يستعملها ، أو أنّه ينزح منها سبع دلاء بأي دلو تحصل (١) بيده؟

نعم الأحوط في زماننا هذا اختيار ما كان من الدلاء المتعارفة أكبرها ، ولعلّه لا يخلو عن قوّة ، إذ لا وثوق بكون الصغار المتعارفة في هذه الأزمنة متعارفة في عصرهم ، والله العالم.

__________________

(١) في «ض ١» : حصلت.

٢١٦

(فروع ثلاثة : الأوّل : حكم صغير الحيوان في النزح حكم كبيره) بعد صدق الاسم الذي تعلّق به الحكم في عناوين الأدلّة.

وانسباق كبيره إلى الذهن عند الإطلاق ليس على وجه يعتدّ به في صرف الأدلّة عن إطلاقها. (الثاني) : إذا وقعت في البئر أسباب متعدّدة للنزح ، فهل يوجب تعدّدها تضاعف النزح مطلقا أم لا مطلقا ، فيتداخل الكلّ في فرض اتّحاد مزيلها ، ويدخل الأقلّ تحت الأكثر في فرض الاختلاف ، أو يفصّل بين (اختلاف أجناس النجاسة) وتماثلها ، فيقال بأنّ التعدّد في الأوّل (موجب لتضاعف النزح)؟ وجوه ، بل أقوال ، أقواها ـ على ما يقتضيه الجمود على ظواهر الأدلّة التعبّدية ـ هو : الأوّل ، لأنّ مقتضى دليل كلّ نوع سببيّة وقوعه لانفعال البئر ، وإيجاب نزح المقدّر أو استحبابه ، وتقييد سببيّته بما إذا لم يكن مسبوقا أو مقارنا لسبب آخر تصرّف في ظواهر الأدلّة التعبّدية من دون دليل.

ودعوى انصراف أدلّة كلّ نوع في حدّ ذاتها إلى ما لو حدث انفعال البئر بذلك النوع دون ما لو وقع في البئر بعد انفعالها بسبب آخر مع

٢١٧

أخصّيتها عن المدّعى ـ إذ الأسباب المتعدّدة قد توجد دفعة ـ يدفعها : أنّ مقتضاها عدم ثبوت الحكم المقدّر لهذا النوع لو سبقه نجاسة أخرى مقدّرها أقلّ من مقدّرة ، مع أنّه لا يقول به أحد.

اللهمّ إلّا أن يدّعى أنّ مغروسيّة أحكام النجاسات الخبثية واتّحاد آثارها في الجملة وتداخل أخفّها في أشدّها تصرف هذه الإطلاقات إلى مالا ينافيها. وفيها تأمّل.

والحاصل : أنّ مقتضى إطلاق دليل كلّ نوع : عموم تأثيره في جميع مصاديقه ، وتوقّف زوال أثره على نزح مقدّرة المنصوص.

نعم مقتضى الأصول العمليّة عند الشك في تأثير السبب الثاني في إيجاب النزح : عدمه ، إلّا أنّ إطلاقات الأدلّة حاكمة على الأصول ، وبعد إحراز التأثير بالإطلاقات فالأصل أيضا يقتضي بقاء ذلك الأثر إلى أن يحصل القطع بالمزيل.

مثلا : لو قال المولى لعبده : إن جاءك زيد فأعطه درهما ، وإن صلّى ركعتين فأعطه درهما ، فاتّفق حصول السببين في الخارج ، فمقتضى إطلاق القضيّتين : وجوب إعطاء درهمين ، إذ لو لم يجب إلّا درهم واحد ، للزم أن لا يكون كلّ منهما سببا مستقلّا بأن يكون مجموعهما سببا واحدا على تقدير وجودهما دفعة ، أو يكون الأوّل سببا لا غير على تقدير ترتّبها في الوجود ، وهو خلاف ظاهر القضيّة الشرطيّة ، لأنّ ظاهرها كون الشرط سببا مستقلّا للجزاء ، فلا يعقل تواردهما على معلول واحد شخصي.

٢١٨

وما يقال : من أنّ العلل الشرعيّة معرّفات ، فلا يمتنع تواردها على معلول واحد ، ممّا لا محصّل له.

ولا يقاس المقام بما لو اختلفت الجزاءات مهيّة ، وتصادقت على فرد حيث نلتزم بكفاية إيجاد الفرد الجامع للعناوين في امتثال الجميع ، كما لو قال : إن جاءك زيد فأكرم فقيرا ، وإن جاءك عمرو فأكرم هاشميّا ، فإنّه يجوز له في الفرض الاقتصار في امتثال كلا الأمرين على إكرام فقير هاشميّ ، لأنّ اختلاف الطبيعتين ذاتا كاف في إمكان كون كلّ منهما معروضا للوجوب في حدّ ذاته ، وإطلاق الطلب في كلّ منهما يقتضي جواز امتثاله في ضمن أيّ فرد من أفراد كلّ من الطبيعتين ، فلا مانع من إيجاد كلتا الطبيعتين بوجود واحد في ضمن الفرد الجامع بقصد امتثال الجميع ، وأمّا بعد فرض اتّحاد مهيّة الجزاء ـ كما فيما نحن فيه ـ فيمتنع تعلّق حكمين متضادّين أو متماثلين بها إلّا بلحاظ وجوداتها المتكثّرة.

وسيجي‌ء للمقام مزيد توضيح وتحقيق في مبحث الوضوء عند تعرّض المصنّف ـ رحمه‌الله ـ لتداخل الأغسال.

وكذا لا يقاس بما لو قال القائل : إن زنى زيد فاقتلوه ، وإن سرق فاقتلوه ، وإن ارتدّ فاقتلوه ، في أنّ توارد الأسباب لا يوجب إلّا تأكّد الوجوب لا تعدّد الواجب ، لأنّ عدم تأثير كلّ من الأسباب في إيجاب مستقلّ في المثال منشؤه عدم قابليّة المحلّ للتأثّر ، لا قصور السبب عن التأثير ، ومن المعلوم أنّ قابليّة المحلّ من شرائط التأثير عقلا ، فالكلام في مسألة التداخل إنّما هو فيما إذا أمكن التأثير.

٢١٩

نعم نظيره فيما نحن فيه : ما إذا توارد أسباب متعدّدة لنزح الجميع ، وهذا خارج عن موضوع المبحوث عنه ، وإنّما الكلام فيما إذا أمكن تضاعف النزح بتعدّد أسبابه ، وحيث إنّ المفروض إمكان تضاعف النزح وتماميّة السبب في إيجابه بمقتضى ظواهر الأدلّة ، فيجب أن يتعدّد بتعدّده الأثر ، ويتضاعف النزح ، فعلى الخصم إمّا إقامة الدليل على أنّ الأثر الحاصل من هذه الأسباب المختلفة المقتضية لإيجاب النزح ـ أعني انفعال البئر بهذه الأمور ـ أمر وحداني بسيط غير قابل للتعدّد والاشتداد ، كالحدث الأصغر الحاصل من أسباب مختلفة ، وكنجاسة الثوب الحاصلة من ملاقاة البول أو غيره ، فلا يكون تعدّد الأسباب إلّا مؤكّدا لوجوب نزح المقدار المعيّن المزيل لهذا الأثر الخاص بحكم العقل ، وأمّا إثبات أنّ نزح الأربعين مثلا رافع لمطلق الأثر الحاصل في البئر ممّا لا يزداد نزحه على الأربعين ، واحدا كان الأثر أم متعدّدا ، لا سبيل له إلى الأوّل ، خصوصا بعد ملاحظة اختلاف المقدّرات الكاشف عن مغايرة مقتضياتها.

وأمّا الثاني فقد يستدلّ له بإطلاق الأمر بالجزاء ، لأنّه إذا قال الشارع : إذا اغتسل الجنب في البئر فانزح سبع دلاء ، وإذا ماتت الفأرة فيها فانزح سبع دلاء ، فمقتضاه كفاية نزح السبع مطلقا لكلّ من السببين ، وإلّا للزم تقييد إطلاق السبع بما عدا السبع التي نزحت أوّلا من دون دليل.

وفيه : أنّ كونه تقييدا في الجملة مسلّم ، ولكنّ الدليل عليه هو إطلاق الشرط بضميمة حكم العقل باستحالة تعلّق وجوب آخر بتلك الطبيعة إلّا بلحاظ تحقّقها في ضمن فرد آخر ، فمعنى التشبّث بإطلاق الجزاء

٢٢٠