مصباح الفقيه - ج ١

الشيخ آقا رضا الهمداني

مصباح الفقيه - ج ١

المؤلف:

الشيخ آقا رضا الهمداني


المحقق: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث ـ قم المقدّسة
الموضوع : الفقه
الناشر: المؤسسة الجعفريّة لإحياء التراث
المطبعة: ستاره
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٨٢

رفع اليد عن إطلاق الشرط ، وتقييد سببيته بما إذا لم يسبقه سبب آخر ، فأين يبقى حينئذ جزاء حتى يتشبّث بإطلاقه؟ وتمام التحقيق في مسألة التداخل.

نعم للخصم أن ينكر إطلاقات الأدلّة بأن يقول : عمدة المستند في الباب هي الإجماعات المحكيّة أو المحقّقة ، ومن المعلوم أنّها في محلّ الكلام غير مجدية.

وأمّا الأخبار فأغلبها وردت جوابا عن الأسئلة التي ظاهرها الاستفهام عن حكم البئر التي تجدّدت نجاستها بما وقع فيها ، وما عداها من الأخبار المطلقة فأغلبها غير معمول بها بظاهرها ، فلا يبقى فيها ما يمكن الاستدلال بإطلاقها إلّا أقلّ قليل ، وقد أشرنا فيما سبق إلى أنّ دعوى الانصراف فيها أيضا غير بعيدة ، إلّا أنّه لا بدّ من التأمّل التامّ في كلّ واحد واحد من أخبار الباب ، وحيث إنّا قوّينا طهارة البئر واستحباب النزح ، فلا يهمّنا مثل هذه التدقيقات بعد البناء على المسامحة ، ووضوح رجحان الاحتياط.

فتلخّص لك أنّ الأوفق بالقواعد مع وجود دليل لفظيّ صالح لأن يتمسّك بإطلاقه إنّما هو تضاعف النزح. (و) لكن مع ذلك أيضا (في تضعيفه (١) مع التماثل) بأن تقع في البئر أفراد متعدّدة من نوع واحد من النجاسات ولو تدريجا بحيث يعدّ في العرف كلّ وقعة مصداقا مستقلّا للطّبيعة (تردّد) لإمكان دعوى القطع بأنّه لا يفهم عرفا من إطلاقات الأخبار ولو لأجل الأمور المغروسة في أذهانهم

__________________

(١) في الشرائع : تضاعفه.

٢٢١

إلّا كونها مسوقة لبيان كيفيّة تطهير البئر إذا انفعلت بملاقاة النجاسة الموجودة فيها من دون أن يكون لكيفيّة حدوثها في البئر ـ كوقوعها دفعة أو دفعات ـ مدخليّة في الحكم ، فمعنى قوله : إذا وقعت العذرة في البئر فانزح عشر دلاء ـ على ما يساعد عليه الفهم العرفي ـ أنّ البئر المنفعلة بهذه النجاسة مطهّرها عشر دلاء ، وهذا المعنى وإن كان مقتضاه تخصيص التأثير بالفرد الأوّل وإلغاء الشرطيّة بالنسبة إلى ما عداه من الأفراد إلّا أنّه لا ضير فيه بعد مساعدة العرف عليه ، بل لنا أن نقول : إنّ المتبادر من قوله :إذا وقعت العذرة في البئر فانزح عشر دلاء ، أو إذا اغتسل الجنب فانزح سبع دلاء ، إنّما هو سببيّة طبيعة الشرط ـ أعني ملاقاة العذرة أو اغتسال الجنب ـ من حيث هي بلحاظ تحقّقها في الخارج لثبوت الجزاء من دون أن يكون لخصوصيّاتها الشخصيّة مدخليّة في ثبوت الحكم ، ومعلوم أنّ الطبيعة من حيث هي لا تقبل التكرّر ، وإنّما المتكرّر أفرادها التي لا مدخليّة لخصوصيّاتها في الحكم ، وقضيّة كون السبب هي الطبيعة عند تحققها في أفراد متدرجة إنما هي حصول المسبب بتحققها في ضمن الفرد الأوّل ، وكون سائر الأفراد أسبابا شأنيّة ، فيكون تحقّقها في ضمن الفرد الثاني بمنزلة بقائها في ضمن الفرد الأوّل بعد حصول المسمّى ، فكما أنّ عدم تأثيرها ثانيا في الفرض الثاني ليس منافيا لظاهر الدليل كذلك في الفرض الأوّل.

واتّصاف ملاقاة العذرة ـ مثلا ـ التي هي السبب بالوحدة عند استدامتها إلى الزمان الثاني ، وبالتعدّد عند تجدّدها في ضمن الفرد الثاني

٢٢٢

إنّما يصلح فارقا إذا كان الحكم معلّقا على الأفراد دون الطبيعة ، ضرورة أنّ المؤثّر في الفرض الثاني إنّما هو حصول المسمّى ، سواء تفرّد الفرد بالفرديّة أم لا ، فعند تحقّق مسمّى الطبيعة يتنجّز التكليف بالجزاء ، ويكون بقاء الطبيعة في ضمن الفرد الأوّل كحدوثها في ضمن الفرد الثاني ممّا لا مدخليّة له في التأثير.

نعم هي سبب شأني فائدتها منع النزح عن التأثير في التطهير ما دام وجودها.

فظهر لك أنّ عدم التضاعف هو الأقوى وإن كان (أحوطه التضعيف).

ولو حصل من تعاقب الأفراد عنوان مقدّرة أكثر من مقدّر العنوان الذي حصل أوّلا ـ كما إذا وقع في البئر دمان قليلان متعاقبان بحيث صدق على المجموع الدم الكثير ـ يجب نزح مقدّر الكثير بلا إشكال على القول بعدم التضاعف ، لإطلاق ما دلّ على سببيّة الدم الكثير لنزح خمسين.

ودعوى انصراف دليله إلى ما لو وقع المجموع دفعة غير مسموعة بعد ما أشرنا إليه مرارا من أنّ المدار ـ على ما يتفاهم عرفا من هذه الأدلّة ـ إنّما هو على وجود كلّ من هذه النجاسات في البئر ، وملاقاة مائها لها من دون أن يكون لكيفيّة حدوثها مدخليّة في الحكم ، ولذا لم نفرّق بين ما لو مات حيوان في البئر أو وقع فيها ميّتا.

وأمّا لو قلنا بالتضاعف ، ففي وجوب أكثر الأمرين أو الجمع بين

٢٢٣

مقدّر الجميع والمجموع من حيث المجموع أو ضمّ مقدّر ما عدا الجزء الأخير الموجب لحدوث العنوان الطارئ ، وجوه لا يخلو أخيرها عن قوّة ، ولكنّه صرّح شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ بأنّ الأقوى هو الأوّل ، ولم يتعرّض للوجه الأخير أصلا.

قال في توضيح ما قوّاه : إنّ الوقوعين بملاحظة مجموعهما سبب واحد للخمسين ، وبملاحظة كلّ منهما منفردا سببان للعشرة يوجبان عشرين ، ولا يحكم هنا بالسبعين بتوهّم اقتضاء المجموع خمسين وكلّ منهما عشرة ، لأنّ مغايرة المجموع لكلّ واحد مغايرة اعتباريّة ، فلا تعدّد في الخارج فالمؤثّر الوقوعان بأحد الاعتبارين ، فالموجود في الخارج على سبيل البدل إمّا أسباب متعدّدة للعشرة ، وإمّا سبب واحد للخمسين ، فلا وجه لإلغاء تأثير مصداق السبب الموجب للأكثر ، وأمّا الموجب للأقلّ فلا ينتفي تأثيره ، لكنّه يتداخل في الأكثر ، لما ذكرنا من عدم الجمع بين مقتضاهما ليحكم بالسبعين.

والحاصل : أنّه بعد البناء على تداخل مقتضى المصداقين ، لوجودهما على سبيل البدل بأحد الاعتبارين ، فلا معنى لتداخل الأكثر في الأقلّ إلّا إسقاط الزائد مع وجود سببه ، وهو طرح لإطلاق دليله من غير تقييد ، بخلاف تداخل الأقلّ في الأكثر ، فإنّه لا يوجب إلغاءه ، فلو فرضنا أنّ التعدّد يقتضي أزيد من خمسين ، كما إذا وقع القليل سبع مرّات فصار بالثامن كثيرا ، فإنّه وإن صدق على المجموع وقوع الدم الكثير إلّا أنّه

٢٢٤

يصدق أيضا : وقع فيه الدم سبع مرّات ، بل ثمانية دماء قليلة ، فلا معنى لإلغاء ما يوجبه كلّ مرّة ، وليس في ذلك إلغاء لمقتضى مصداق الدم الكثير (١). انتهى كلامه رفع مقامه.

أقول : ما ذكره إنّما يتمّ بالنسبة إلى الجزء الأخير الذي هو سبب لحدوث عنوان الكثير ، فهذا الجزء من حيث ذاته مقتض لإيجاب عشرة ، ومن حيث إنّه سبب لحدوث عنوان الكثير سبب لإيجاب خمسين ، وتأثيره في إيجاب خمسين ينافي استقلاله في إيجاب العشرة ، لأنّ الأوّل موقوف على عدّة جزءا ممّا وقع ، والثاني على كونه فردا بانفراده.

والحاصل : أنّه لا يجوز أن يكون هذا الجزء سببا لإيجاب ستّين :عشرة لذاته ، وخمسين للعنوان الطارئ ، لما عرفت من تنافي الاعتبارين ، وأمّا ما عدا هذا الجزء فقد وجد مؤثّرا في إيجاب العشرة ، فلا ينقلب عمّا وجد عليه.

مثلا : إذا كان ما وقع أوّلا موجبا للعشرة ثم ضمّ إليه ما يوجب كثرته ، فهذا الجزء الثاني المؤثّر في طروّ عنوان الكثير سبب لإيجاب خمسين ، فوجب أن يكون الخمسون غير العشرة التي وجبت بالسبب السابق ، وإلّا للزم تقديم المسبّب على سببه ، وليس بقاء أثر السبب الأوّل دائرا مدار بقاء عينه حتى يقال بعد صيرورته كثيرا : إنّه لا بدّ وأن يكون تأثيره بأحد الاعتبارين ، فوقوعه في البئر سبب تامّ لإيجاب العشرة من دون أن يكون لبقائه مدخليّة في ذلك.

__________________

(١) كتاب الطهارة : ٣٦.

٢٢٥

نعم لبقائه دخل في حدوث العنوان الموجب للخمسين بالسبب الثاني ، وبعد حدوث هذا العنوان يتبدّل الموضوع الأوّل ، فكأنّه وقع في البئر دم قليل واخرج عينه ثم وقع فيه دم كثير ، فيجب الجمع بين مقتضاهما على القول بالتضاعف ، ولكنّك عرفت أنّ الأقوى في المتماثلين خلافه.

وأولى بعدم التضاعف : ما لو وقع نجس واحد شخصيّ مكرّرا ، فإنّه لا ينبغي التردّد في حكمه ، لا لمجرّد دعوى القطع بأنّ النجاسة الواحدة لا يتعدّد أثرها حتى يقبل المنع ، بل لما عرفت من عدم مساعدة العرف على استفادة التضاعف في مثل الفرض من إطلاقات الأدلّة ، والمناقشة في عمومها الأحوالي خصوصا بالنسبة إلى أحوال نفس الفرد.

وبحكمه ما لو وقع أبعاض حيوان له مقدّر منصوص دفعة أو تدريجا ، لأنّ كلّ جزء على تقدير انضمامه لسائر الأجزاء في كلّ وقعة لم يكن مؤثّرا في تضاعف النزح ، لكونه حينئذ من قبيل ما لو تكرّر الواحد الشخصي ، فمع عدم الانضمام أولى بعدم التأثير ، ولذا لم يتردّد المصنّف ـ رحمه‌الله ـ في حكم هذا الفرض ، واستثناه من مطلق المتماثلين بقوله : (إلّا أن يكون بعضا من جملة لها مقدّر ، فلا يزيد حكم أبعاضها عن جملتها) وقد عرفت أنّه لو وقعت جملتها مكرّرة لا ينبغي التردّد في عدم التضاعف.

ولكن يمكن المناقشة فيه : بأنّ غاية ما يمكن استفادته من الأدلّة بالدلالة التبعيّة إنّما هو عدم زيادة حكم جزء الحيوان عن جملته ، وهذا لا يقتضي إلحاق أبعاضه مع تخالفها نوعا وعدم صدق اسم ذلك الحيوان

٢٢٦

عليها بالمتماثلين ، فضلا عن جعلها بمنزلة تكرّر شخص الحيوان ، فإلحاقها بالمتخالفين أشبه.

ويدفعها : أنّ تخالف الأبعاض نوعا لا يقتضي إلحاقها بالمتخالفين بعد اشتراكها في الجهة الموجبة للتنجيس ، لأنّ نجاسة أجزاء الكلب مثلا إنّما هي باعتبار كونها بعضا من الكلب ، وهذه الجهة مشتركة بين الكلّ ، فنجاستها متماثلة.

نعم في كون وقوع الأبعاض مترتّبة بمنزلة تكرّر شخص الحيوان تأمّل ، ولكنّه لا تأمّل في عدم التضاعف وإن قلنا به في المتماثلين أيضا ، إذ ليس لنا في خصوص الأجزاء دليل لفظيّ حتى يمكن التمسّك بإطلاقه لإثبات المتضاعف وقد عرفت فيما سبق أنّ مقتضى الأصول العمليّة عدمه.

وفي المقام فروع كثيرة ليس في التعرّض لها كثير فائدة على المختار ، والله العالم.

الفرع (الثالث : إذا لم يقدّر) فيما بأيدينا من الأدلّة الشرعيّة (للنجاسة منزوح نزح جميع مائها) على الأشهر الأظهر استصحابا لنجاسة البئر أو قذارتها المعنويّة التي نلتزم بتحقّقها على القول بالطهارة.

ولا يعارضه أصالة البراءة عن التكليف بنزح الجميع ، لحكومة الاستصحاب عليها.

نعم لو قيل بأنّ النزح واجب نفسيّ مستقلّ من دون أن يتوقّف عليه

٢٢٧

جواز الاستعمال ، أو قيل بأنّه مستحبّ كذلك ، لاتّجه القول بعدم لزوم الزائد عن القدر المتيقّن ، لأنّ الأصل براءة الذمّة عن المشكوك.

هذا ، ولكن لمانع أن يمنع انفعال البئر بالنجاسات الغير المنصوصة ، كما احتمله في المعتبر ، بل حكى قولا في المسألة ، بدعوى دلالة أخبار الطهارة على طهارتها مطلقا إلّا أنّه يجب تخصيصها بما ورد فيه نصّ بالخصوص (١).

وحيث إنّ المختار عدم نجاسة البئر ، واستحباب النزح بالمعنى الذي عرفته فيما سبق ، فلا يهمّنا الإطالة في تضعيف هذا الاحتمال أو تحقيقه ، ضرورة إمكان إثبات استحباب النزح في الجملة في غير المنصوص بعد ذهاب المشهور إليه ولو لأجل المسامحة في أدلّة السنن ، كما أنّه لا يهمّنا الفحص عمّا يصلح أن يكون مستندا لقولين آخرين محكيّين (٢) في المسألة ، وهو : نزح أربعين ونزح ثلاثين ، وقد صرّح شيخنا المرتضى ـ رحمه‌الله ـ بأنّه لم يعلم المستند لهما (٣).

ثم لو قلنا بنزح الجميع كما هو الأظهر ، (فإن تعذّر نزحها ، لم تطهر) بمقتضى الاستصحاب (إلّا بالتراوح) فتطهر به بلا خلاف فيه ظاهرا.

ولعلّه لفهم التعدّي من حديث الترواح (٤) ، وفيه مناقشة لو لا

__________________

(١) المعتبر ١ : ٧٨.

(٢) حكاهما الشيخ الأنصاري في كتاب الطهارة : ٣٧.

(٣) كتاب الطهارة : ٣٧.

(٤) التهذيب ١ : ٢٨٤ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

٢٢٨

المسامحة ، والله العالم. (وإذا تغيّر أحد أوصاف مائها بالنجاسة) الواقعة فيها ينجس إجماعا ، ويطهر على المختار بزوال تغيّره بشرط امتزاجه بماء عاصم حسب ما مرّ تفصيل القول فيه في الجاري المتغيّر.

وأمّا على القول بالنجاسة ، ففيه احتمالات ، بل أقوال (قيل : ينزح حتى يزول التغيّر) فيطهر عملا بظاهر ما دلّ على كفاية زوال التغيّر في طهارته.

مثل : رواية أبي بصير ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عمّا يقع في الآبار ، فقال : «أمّا الفأرة وأشباهها فينزح منها سبع دلاء إلّا أن يتغيّر الماء فينزح حتى يطيب» (١).

وموثّقة سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن الفأرة تقع في البئر ، أو الطير ، قال : «إن أدركته قبل أن ينتن نزحت منها سبع دلاء ، وإن كان سنّورا أو أكبر منها نزحت منها ثلاثين دلوا أو أربعين ، وإن أنتن حتى يوجد النتن في الماء نزحت البئر حتى يذهب النتن من الماء» (٢).

وصحيح الشحّام عن أبي عبد الله عليه‌السلام : في الفأرة والسنّور والدجاجة والكلب والطير ، قال : «إذا لم تتفسّخ أو يتغيّر طعم الماء فيكفيك خمس دلاء ، وإن تغيّر الماء فخذ منه حتى يذهب الريح» (٣).

__________________

(١) الكافي ٣ : ٦ ـ ٦ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١١.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٦ ـ ٦٨١ ، الإستبصار ١ : ٣٦ ـ ٩٨ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣٧ ـ ٦٨٤ ، الوسائل ، الباب ١٧ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

٢٢٩

وفي خبر زرارة : «فإن غلب الريح نزحت حتى يطيب» (١).

والمناقشة في هذه الأخبار : بعدم كونها مسوقة إلّا لبيان عدم كفاية المقدّرات المنصوصة ـ كخمس دلاء أو سبع دلاء ـ عند التغيّر ، لا لبيان كفاية زوال التغيّر في الطهارة حتى يتمسّك بإطلاقها ، مدفوعة : بشهادة العرف على أنّه كما يفهم من هذه الروايات أنّ نزح خمس دلاء أو سبع دلاء أو غيره موجب لطهارة البئر ما لم تتغيّر كذلك يفهم منها أنّ إزالة التغيّر بالنزح أيضا موجب لطهارتها ، فدعوى الإهمال فيها غير مسموعة.

نعم لا يحسن الاستدلال لهذا القول بصحيحة ابن بزيع ، المتقدّمة (٢) في أدلّة القول بالطهارة ، فإنّها وإن كانت واضحة الدلالة على المدّعى إلّا أنّ القول بالانفعال مبنيّ على طرح هذه الصحيحة أو تأويلها بحمل الإفساد على معنى آخر غير النجاسة ، ككونها ممّا لا ينتفع بمائها أصلا إلّا بعد استهلاكه بماء طاهر ، كأعيان النجاسات ، وغير ذلك من التوجيهات ، ومن المعلوم أنّه بناء على عدم إرادة النجاسة من الإفساد لا تدلّ الرواية إلّا على ترتّب زوال الفساد بالمعنى الذي أريد منها على زوال التغيّر لا الطهارة.

وهل يكفي على هذا القول إزالة التغيّر مطلقا أو بشرط أن لا يزول قبل استيفاء المقدّر ، فالمدار على أكثر الأمرين من نزح المقدّر ومزيل

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٤١ ـ ٦٩٧ ، الإستبصار ١ : ٣٥ ـ ٩٦ ، الوسائل ، الباب ١٥ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

(٢) تقدّمت في ص ١٥٧.

٢٣٠

التغيّر؟ وجهان ، بل قولان من إطلاق الأخبار فيخصّص بها مطلق الأخبار الواردة في أنواع النجاسات ، ومن إمكان دعوى انصرافها إلى ما لا يزول تغيّره قبل استيفاء المقدّر ، كما هو الغالب في مواردها ، بل ربّما يستشعر من سياقها أنّ الحكم في صورة التغيّر أشدّ ، وأنّ المراد منها بيان عدم كفاية المقدّرات المنصوصة عند التغيّر واعتبار أمر زائد عليها ، والله العالم.

ثم على القول بوجوب أكثر الأمرين ، فلو لم يكن للنجاسة المغيّرة مقدّر منصوص فهل يكفي فيه زوال التغيّر لإطلاق ما دلّ على كفايته ، أم يجب نزح الجميع؟ وجهان ، بل قولان ، أقواهما : الثاني ، لاحتمال أن يكون مقدّرها في الواقع نزح الجميع ، ومع قيام هذا الاحتمال لا مجال للتمسّك بالإطلاق بعد البناء على انصراف المطلق إلى غير مثل هذا الفرض ، كما عليه ابتناء هذا القول.

وقيل : يجب إزالة التغيّر أوّلا ثم نزح المقدّر إن كان له مقدّر ، وإلّا فنزح الجميع (١).

وفيه : ما عرفت من دلالة الأخبار السابقة على الطهارة بعد زوال التغيّر.

نعم لو قيل بذلك فيما لو أزيل تغيّره قبل استيفاء المقدّر ـ بناء على التفصيل السابق فيما إذا كان التغيّر مستندا إلى بقاء عين النجاسة ، كلون الدم ، لا كرائحة الجيفة ـ لكان وجيها ، كما لا يخفى وجهه.

__________________

(١) كما في جواهر الكلام ١ : ٢٧٥.

٢٣١

(وقيل : ينزح جميع مائها).

واستدلّ له بالأخبار المستفيضة الآمرة بنزح الجميع عند التغيّر : ففي رواية معاوية بن عمّار : «لا تعاد الصلاة ولا يغسل الثوب ممّا يقع في البئر إلّا أن ينتن ، فإن أنتن غسل الثوب وأعاد الصلاة ونزحت البئر (١).

وفي رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه‌السلام «في الفأرة تقع في البئر وإذا انتفخت فيه أو نتنت نزح الماء كلّه» (٢).

وفي خبر منهال : «فإن كانت جيفة قد أجيفت فاستق منها مائة دلو ، فإن غلب الريح عليها بعد مائة دلو فانزحها كلّها» (٣).

وفيه : أنّ مقتضى الجمع بينها وبين الأخبار السابقة : حملها على ما إذا لم يزل التغيّر إلّا بنزح الجميع ، كما لعلّه الغالب فيما إذا كان التغيّر برائحة الجيفة ، كما هي مورد الروايات ، ورواية المنهال أيضا تشهد بهذا الجمع.

وكيف كان (فإن تعذّر) نزح الجميع (لغزارته) فعلى القول به

__________________

(١) التهذيب ١ : ٢٣٢ ـ ٦٧٠ ، الإستبصار ١ : ٣٠ ـ ٨٠ ، الوسائل ، الباب ١٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١٠.

(٢) التهذيب ١ : ٢٣٩ ـ ٦٩٢ ، الإستبصار ١ : ٤٠ ـ ١١١ ، الوسائل ، الباب ١٩ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٤.

(٣) التهذيب ١ : ٢٣١ ـ ٦٦٧ ، الإستبصار ١ : ٢٧ ـ ٧٠ ، الوسائل ، الباب ٢٢ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٧.

٢٣٢

(تراوح عليه أربعة رجال) كما عن الشيخ والإسكافي والصدوقين وابن حمزة (١) ، لرواية عمّار ، الواردة في التراوح عند غلبة الماء وتعذّر نزح الجميع (٢) ، وقد حملها الشيخ على ما إذا تغيّر الماء (٣).

وقيل : إنّه يكتفى حينئذ بزوال التغيّر (٤).

ولعلّ وجهه : حمل أخبار زوال التغيّر على ما إذا تعذّر نزح الجميع. (و) الأوّل ، أي : القول بنزح الجميع مع الإمكان ، ومع عدمه فالتراوح (هو الأولى) بمراعاة الاحتياط من سائر الأقوال والاحتمالات المتقدّمة ، والله العالم.

فرع : على القول بنجاسة ماء البئر بملاقاة وكفاية إزالة التغيّر بالنزح في طهارته ، فلو زال التغيّر من قبل نفسه أو بعلاج ، لا يطهر ، للأصل ، وحينئذ فهل يجب نزح المقدّر أو نزح الجميع أو نزح ما يزول به التغيّر التقديري؟ وجوه ، قد يقال بالأوّل ، لعموم أدلّة المقدّرات المقتصر في تخصيصها على المتغيّر ما دام متغيّرا.

وفيه : أنّ العموم مخصّص بهذا الفرد ، فلا يصحّ التمسّك لحكمه

__________________

(١) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٨ ، وانظر : المبسوط ١ : ١١ ، والنهاية :٦ ، والفقيه ١ : ١٣ ذيل الحديث ٢٤ ، والوسيلة : ٧٤.

(٢) التهذيب ١ : ٢٨٤ ـ ٨٣٢ ، الوسائل ، الباب ٢٣ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ١.

(٣) انظر : الاستبصار ١ : ٣٨ ذيل الحديث ١٠٤.

(٤) كما في كتاب الطهارة ـ للشيخ الأنصاري ـ : ٣٨ عن الشيخ الطوسي في النهاية : ٧ ، والمبسوط ١ : ١١ ، وغيره.

٢٣٣

بعموم الحكم ، وليس زوال التغيّر موجبا لحدوث فرد آخر ، لأنّ التغيّر وعدمه من أحوال الفرد الخارج لا يتعدد بتعدّدها أفراد العام حتى يقتصر في تخصيصه على القدر المتيقّن ، فلا بدّ حينئذ من الرجوع إلى الاستصحاب إلى أن يعلم المزيل ، وهو نزح ما يزول به التغيّر لو قلنا بأنّ طهارته بهذا المقدار من النزح لو لم يكن متغيّرا بالفعل أولى من طهارته مع التغيّر ، وإن منعنا الأولويّة ، فنزح الجميع ، لقاعدة ما لا نصّ فيه.

اللهم إلّا أن يقال : إنّه يستفاد من أدلّة المقدّرات ـ مثل ما دلّ على أنّه ينزح للفأرة سبع دلاء ـ أنّ نزح السبع مقتض لإزالة النجاسة المكتسبة بملاقاة الفأرة إلّا أن يمنعه التغيّر الفعلي عن التأثير ، فإذا زال المانع أثّر المقتضي أثره ، فتأمّل ، والله العالم.

(و) اعلم أنّه (يستحب أن يكون بين البئر والبالوعة) والمراد بها على الظاهر مجمع نجاسات مائعة نافذة لا خصوص ماء النزح ـ (خمس أذرع) بذراع اليد (إذا كانت الأرض) المتوسّطة بينهما (صلبة) مثل أرض الجبل وشبهها (أو كانت البئر فوق البالوعة) قرارا (وإن لم يكن كذلك) بأن كانت البالوعة فوق البئر قرارا أو مساوية وكانت الأرض سهلة (فسبع) فالصور المتصوّرة في المقام ست يتباعد في الصورتين المتقدّمتين منها بسبع ، وفي أربع منها بخمس ، وهي ما إذا كانتا في أرض صلبة سواء تساوى قرارهما أو كانت البئر فوق البالوعة أو بالعكس أو إذا كانتا في أرض سهلة وكانت البئر فوق البالوعة ، هذا هو المشهور بين الأصحاب كما عن غير واحد نقله.

٢٣٤

واستدلّ عليه : برواية قدامة بن أبي زيد الجمار (١) عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته كم أدنى ما يكون بين البئر بئر الماء والبالوعة؟ فقال : «إن كان سهلا فسبع أذرع ، وإن كان جبلا فخمس أذرع» ثم قال : «إنّ الماء يجري إلى القبلة إلى يمين القبلة ويجري عن يمين القبلة إلى يسار القبلة ، ويجري عن يسار القبلة إلى يمين القبلة ، ولا يجري من القبلة إلى دبر القبلة» (٢).

ورواية الحسن بن رباط عن الصادق عليه‌السلام ، قال : سألته عن البالوعة تكون فوق البئر ، قال : «إذا كانت فوق البئر فسبعة أذرع ، وإذا كانت أسفل من البئر فخمسة أذرع من كلّ ناحية وذلك كثير» (٣).

وجه الاستدلال بهما لمذهب المشهور : أنّ كلّا من الروايتين فيها إطلاق من وجه ، وتقييد من آخر ، فيجمع بينهما بحمل مطلقهما على مقيّدهما ، بمعنى أنّ إطلاق الحكم بالسبع في رواية الحسن مقيّد بما إذا لم تكن الأرض جبلا ، بقرينة الرواية الاولى ، وكذا إطلاق الحكم بالسبع في الرواية الأولى مقيّد بما إذا لم تكن البالوعة أسفل من البئر ، بقرينة الرواية الثانية.

__________________

(١) في الكافي : قدامة بن أبي يزيد الحمّار. وفي الاستبصار : قدامة بن أبي زيد الجمال. وفي التهذيب : قدامة بن أبي زيد الحمار. وفي الوسائل عن الكافي : قدامة بن أبي زيد الجمّاز.

(٢) الكافي ٣ : ٨ ـ ٣ ، التهذيب ١ : ٤١٠ ـ ١٢٩١ ، الإستبصار ١ : ٤٥ ـ ٤٦ ـ ١٢٧ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٢.

(٣) الكافي ٣ : ٧ ـ ١ ، وفي التهذيب ١ : ٤١٠ ـ ١٢٩٠ ، والاستبصار ١ : ٤٥ ـ ١٢٦ بتقديم وتأخير. الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٣.

٢٣٥

واعترض على هذا الجمع غير واحد من الأعلام :

قال شيخ مشايخنا ـ قدس سرّه ـ في جواهره : ولا يخفى عدم جريان مثل ذلك على القواعد ، بل المستفاد من مجموع الروايتين : أنّ السبعة لها سببان : السهولة وفوقيّة البالوعة ، والخمسة أيضا لها سببان : الجبليّة وأسفليّة البالوعة ، ويحصل التعارض عند تعارض الأسباب ، كما إذا كانت الأرض سهلة والبالوعة أسفل من البئر ، فلا بدّ من مرجّح خارجي حينئذ ، وكذلك لو كانت الأرض جبلا والبالوعة فوق البئر ، ولعلّه بالنسبة إلينا تكفي الشهرة في المرجّحيّة ، فيكون تحكّم كلّ منهما على الآخر بمعونتها ، وبالنسبة إليهم لا نعلم المرجّح ، ولعلّه دليل خارجيّ (١). انتهى. كلامه رفع مقامه.

وحاصل الاعتراض : أنّ الروايتين من قبيل العامّين من وجه ، فلا وجه لتخصيص أحدهما بالآخر من دون مرجّح خارجيّ.

ويدفعه : أنّ ظهور حكمة الحكم ومناسبة الحكم وموضوعه يجعلهما في مورد المعارضة بمنزلة النصّ والظاهر ، ويعطي ظهورهما فيما ذهب إليه المشهور.

بيان ذلك : أنّه لا يخفى على الناظر في أخبار الباب أنّ حكمة الحكم بالتباعد صيانة ماء البئر عن الاختلاط بماء البالوعة ، فإذا قال الإمام عليه‌السلام في مقام تحديد مقدار البعد : «إن كان سهلا فسبع أذرع ، وإن كان جبلا فخمس أذرع» يفهم من إطلاق كلّ من الفقرتين أمران :

__________________

(١) جواهر الكلام ١ : ٢٨٢ ـ ٢٨٣.

٢٣٦

أحدهما : أنّ السبع أذرع مطلقا في الأرض السهلة كافية في صيانة الماء عن الاختلاط بالنجس ، وكذا الخمسة أذرع في الأرض الصلبة مطلقا كافية في حفظ الماء ، فكأنّه قال : الماء النجس لا يسري في الأرض السهلة سبعة أذرع ، وفي الصلبة خمسة أذرع ، فيكفي السبع في الأوّل والخمس في الثاني ، ويتأكّد إطلاق الكفاية في الفقرة الثانية بسبب المناسبة الموجودة بين الموضوع ـ أعني جبليّة الأرض وصلابتها ـ مع الحكم عليه‌السلام ـ أعني كفاية ما دون السبع ـ فتكون هذه الفقرة بمنزلة القضيّة المعلّلة من حيث الكفاية.

وثانيهما : اعتبار السبعة أذرع في الأرض السهلة مطلقا ، وعدم كفاية الأقلّ منها في شي‌ء من مصاديقها ، وكذا اعتبار الخمسة أذرع في جميع مصاديقها ، وعدم كفاية الأقلّ منها في شي‌ء من المصاديق ، ولكن إطلاق كلّ من الفقرتين من هذه الجهة بعد ظهور حكمة الحكم ووضوح اختلاف المصاديق من حيث سراية النجس وعدمها موهون جدّا ، للعلم بأنّه على تقدير كون البئر أعلى قرارا من البالوعة ، أو واقعة في جهة الشمال التي تجري منها العيون لا تحتاج صيانة مائها إلى البعد الذي تحتاجه في فرض أسفليّة البئر أو مساواتها ، أو وقوعها في غير جهة الشمال ، فينبغي أن يختلف مقدار البعد في هذه الصور ، ولا يكون مقدارا خاصّا معيّنا حدّا للجميع ، ولكنّه لمّا لم يجب الاطّراد في الحكمة خصوصا مع تعذّر تعيين أقلّ ما يجزئ في كلّ واحد واحد من المصاديق بعد اختلافها في الرخاوة والصلابة والفوقيّة والتحتية يجوز أن يعيّن

٢٣٧

الشارع مرتبة خاصّة كافية على الإطلاق وإن كانت فوق الكفاية في بعض الموارد ، فحيثما ورد دليل مطلق ـ كما فيما نحن فيه ـ وجب التعبّد بمضمونه والالتزام باستحباب هذا المقدار الخاصّ من باب التعبّد ، والتسليم لأمر الشارع ، إلّا أنّ هذا المعنى يصحّح التمسّك بأصالة الإطلاق ، لا أنّه يقوّيها.

وهكذا الكلام في الرواية الثانية حرفا بحرف.

إذا عرفت ذلك علمت أنّ في مورد تعارض الروايتين ـ أعني ما إذا كانت البالوعة أسفل والأرض سهلة ، أو أعلى والأرض صلبة ـ يدور الأمر بين رفع اليد عن إطلاق السبع من الحيثية الثانية التي قد عرفت أنّ الإطلاق بالنسبة إليها في غاية الوهن ، وبين رفع اليد عن إطلاق الخمس من الحيثية الأولى التي هي في غاية القوّة ، فرفع اليد عن الأوّل ـ كما عليه المشهور ـ هو المتعيّن ـ والله العالم.

ثمّ لا يخفى عليك أنّ استحباب السبع في الأرض السهلة مع تساوي القرارين ـ كما عليه المشهور ـ إنّما يفهم من إطلاق الرواية الأولى السالمة في هذه الصورة عمّا يزاحمها ، فالمناقشة فيه بأنّه لا مستند له ممّا لا وجه لها.

وهل يلحق بفوقية القرار فوقية البئر من حيث الجهة أم لا؟ قد يستشعر ذلك من ذيل الرواية الاولى.

وقد يستأنس له بنفس الروايتين من حيث ملاحظة كون صلابة الأرض وعلوّ قرار البئر منشأً لكفاية الخمس ، فينبغي أن يكون كلّ ما هو

٢٣٨

مانع عن اختلاط الماء النجس منشأً لكفاية الخمس.

وقد يستظهر ذلك ـ أي الفرق بين الجهات ـ من بعض الروايات المصرّحة بالفرق بينها ، كرواية سليمان الديلمي وإن كان التحديد الواقع فيها مغايرا لما في هاتين الروايتين ، إلّا أنّ الاختلاف منزّل على مراتب الاستحباب.

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : «عن البئر يكون إلى جنبها الكنيف ، فقال : «إنّ مجرى العيون كلّها من مهبّ الشمال ، فإذا كانت البئر النظيفة فوق الشمال والكنيف أسفل منها لم يضرّها إذا كان بينهما أذرع ، وإن كان الكنيف فوق النظيفة فلا أقلّ من اثني عشر ذراعا ، وإن كانت تجاها بحذاء القبلة وهما مستويان في مهبّ الشمال فسبعة أذرع» (١).

وفي رواية الحميري عن قرب الإسناد عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال :سألته عن البئر يتوضّأ منها القوم وإلى جانبها بالوعة ، قال : «إن كان بينهما عشرة أذرع وكانت البئر التي يستقون منها تلي الوادي فلا بأس» (٢).

في الحدائق : والظاهر كونها تلو الوادي يعني كونها في جهة الشمال ، بناء على أنّ مجرى العيون منها (٣).

ويظهر الفرق بين الجهات أيضا من حسنة الفضلاء ، المتقدّمة (٤) في

__________________

(١) التهذيب ١ : ٤١٠ ـ ١٢٩٢ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الماء المطلق الحديث ٦.

(٢) قرب الإسناد : ٣٢ ـ ١٠٣ ، الوسائل ، الباب ٢٤ من أبواب الماء المطلق ، الحديث ٨ ، وفيهما : «.. يستقون ممّا يلي الوادي ..» وفي الحدائق كما في المتن.

(٣) الحدائق الناضرة ١ : ٣٩١.

(٤) تقدّمت في ص ١٦٨.

٢٣٩

أدلّة القائلين بنجاسة البئر بالملاقاة.

وقد حكي عن الإسكافي أنّه قال في مختصره ما لفظه : لا استحبّ الطهارة من بئر تكون بئر النجاسة التي تستقرّ فيها النجاسة من أعلاها في مجرى الوادي إلّا إذا كان بينهما في الأرض الرخوة اثنا عشر ذراعا ، وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع ، فإن كانت تحتها والنظيفة أعلاها فلا بأس ، وإن كانت محاذيتها في سمت القبلة ، فإن كان بينهما سبعة أذرع ، فلا بأس ، تسليما لما رواه ابن يحيى عن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١). انتهى.

ونوقش بعدم انطباق الرواية على مدّعاه.

ويمكن تطبيقها على مذهبه بالجمع بينها وبين رواية ابن رباط ، المتقدّمة (٢) على وجه لا يخلو عن تكلّف.

(ولا يحكم بنجاسة البئر) بمجرّد قربها من البالوعة (إلّا أن يعلم وصول ماء البالوعة إليها) فيحكم حينئذ بنجاستها على القول بانفعال البئر بالملاقاة.

وأمّا على المختار فيعتبر العلم بتغيّر مائها بأوصاف عين النجاسة الواصلة إليها ، ولا يكفي الظنّ بالوصول أو التغيّر وإن استحبّ التنزّه عنه وترك التوضّؤ منه ، لحسنة الفضلاء ، المتقدّمة (٣).

__________________

(١) حكاه عنه ـ كما في الحدائق ١ : ٣٨٥ ـ صاحب المعالم فيها : ١٠٦.

(٢) تقدّمت في ص ٢٣٥.

(٣) تقدّمت في ص ١٦٨.

٢٤٠