بالنسبة إلى الفاقد لهما ، فيكون رواية المتصف بهما أقرب إلى الحق والواقع من رواية الفاقد لهما.
والحاصل : أن تينك الصفتين ، وإن أمكن اعتبارهما من باب التعبد كغيرهما من صفات الراوي إلا أن المناسب لهما اعتبارهما من باب الطريقية ، وكونهما موجبتين للأقربية المذكورة ، فيشعر اعتبارهما بأن النّظر فيه إنما هو إلى ذلك ، فيستشعر ـ لذلك ـ كون قوله عليه السلام في المقبولة : ( وأصدقهما في الحديث ) عطفا تفسيريا لسابقه ، وكون قوله عليه السلام : ( وأوثقهما في نفسك ) في المرفوعة كذلك بالنسبة إلى سابقه ـ أيضا ـ ، فيستفاد أن الغرض من اعتبار سائر الصفات ـ أيضا ـ إنما هو كونها موجبة لضعف الجهتين الأوليين المذكورتين ، فإن الأورعية والأعدلية ـ أيضا ـ توجبان ضعفهما إلا أنهما ليستا كالأوثقية والأصدقية.
نعم ، قد يستشكل في كونه قوله : ( وأصدقهما في الحديث ) في المقبولة عطفا تفسيريا للأعدلية والأورعية معا ، لتوسط فيما بينهما ، فإنه على تقدير كونه كذلك لكان مقتضى القواعد تأخيره عنهما ، فلا يكون تفسيرا لكليهما معا.
ويمكن الذب عنه : بأن غاية ما يلزم من ذلك عدم كونه عطفا تفسيريا بمصطلح أهل العربية ، لكنه لا ينافي كونه تفسيرا لكليهما معا ، إذ بعد تسليم إشعار اعتبار صفة الأصدقية باعتبارها ، لأجل كونها موجبة لأقربية ما يرويه المتصف بها إلى الواقع ، فيستشعر منه كونه تفسيرا لما قبله من الأعدلية لا محالة.
ومن المعلوم لكل أحد أنه لا فرق بين صفتي الأعدلية والأورعية في جهة الاعتبار ، بل كلتاهما على نسق واحد قطعا ، وإذا ثقبت أن الأعدلية إنما اعتبرت من جهة إيجابها لما ذكر ، فيكون اعتبار الأورعية ـ أيضا ـ كذلك.
هذا مضافا إلى أنه مع الإغماض عن كون قوله ( وأصدقهما في الحديث ) تفسيرا لقوله : ( وأعدلهما ) يمكن ـ أيضا ـ إثبات المطلوب بوجه آخر ، وهو أنه إذا