يصلح لجعل مورده حجة حتى يؤخذ به ، ولا قدرا متيقنا من الحجية أيضا حتى يؤخذ به لذلك ، إذ المفروض حجية كل منهما في نفسه على نحو حجية الآخر كذلك ، بمعنى اشتمال كل منهما على شرائط الحجية المأخوذة في دليل اعتبارهما وكونهما في الدخول فيه سواء ، وعدم حجية شيء منهما فعلا لأجل التعارض ، وعدم مزية لأحدهما على الآخر بالنظر إلى دخوله في ذلك الدليل ، كما أنه لا مساس للتخيير بينهما على ذلك التقدير أيضا ، فإنه مترتب على حجية أحدهما فعلا لا محالة ، والمفروض عدمه ، لكن لما قام الإجماع والسيرة وتواترت الأخبار على حجية أحدهما فعلا في الجملة ، حيث أن أخبار التخيير والترجيح متفقة على ذلك ، لاشتراك الكل فيه ، فصارت حجية محتمل الترجيح منهما متيقنة ، فإن الواحد منهما الّذي علم بحجيته إما حجة عينا ، أو تخييرا ، وعلى أي تقدير يلزم حجية محتمل الترجيح لعدم احتمال حجية الآخر تعيينا ، وحجية الآخر مشكوكة بدوا ، فيتعين الأخذ بمحتمل الترجيح للعلم بحجيته ، وعدم العمل بالآخر ، لفرض الشك في حجيته الموجب لدخوله تحت أدلة حرمة العمل ، والتدين بغير ما علم من الشارع التدين به.
ولا مساس لأصالة البراءة عن التعيين في محتملة في المقام ، إذ لا سبيل لها إلى موارد الشك في طريق الامتثال (١) ، فإنها إنما يرفع التكليف المستتبع للعقاب ، ومخالفة الطريق من حيث هو لا يعقل العقاب عليه ولو مع القطع باعتباره ، فكيف بصورة احتماله ، وإنما هو على تقديره على مخالفة ذيه ، وبعد فرض قيام الحجة عليه لفرض العلم بحجية ما قام عليه وأن التردد إنّما هو في انحصار الحجية فيه ، دون أصلها ، لا مساس لها به ـ أيضا ـ ، فإن موردها سواء أخذت
__________________
(١) هذا مع أنها على تسليم جريانها لا يثبت جواز العمل بالآخر المشكوك الحجية فعلا ، فلا يجوز الأخذ به حينئذ بمقتضى أدلة حرمة التشريع لمحرّره عفا الله عنه.