الأوّل : قيل (١) : إنّما عبّر بالأوّل ؛ لأنّه الذي يعوّلون عليه أنّ تعلّق القدرة بأحد الضدّين المقدورين له إمّا لذاتها ، كتخصيص بعض الجسم بشكل معيّن ولون مخصوص دون ما عداه فيستغني الممكن عن المرجّح ، وأنّه ينسدّ باب إثبات الصانع. وأيضا يلزم قدم الأثر. وإمّا لا لذاتها ، فيحتاج إلى مرجّح آخر فيلزم التسلسل (٢).
وأنت تعلم أنّ هذا على طريق الاستدلال لا يصحّ ؛ فإنّ غاية ما يلزم التسلسل في الحوادث والإرادات التي قد تكون متفرّقة مرتّبة ، وهو غير باطل عندهم.
وأمّا إلزاما للمتكلّم ، فلهم أن يقولوا بعدم احتياج الإرادة إلى مرجّح وعلّة ما ، أو يقولوا بجواز الترجيح بلا مرجّح كما صرّح به في المواقف وغيره (٣).
قال : والجواب أنّ تعلّقها إنّما هو بذاتها كما بيّنّا في طريقي الهارب وقدحي العطشان.
قولكم : فيستغني الممكن عن المرجّح ، قلنا : لا يلزم من ترجيح القادر لأحد مقدوريه بلا مرجّح ترجّح الممكن في حدّ ذاته من غير المرجّح.
وبالجملة ، فالترجيح بلا مرجّح غير الترجيح بلا مرجّح ، ولا يلزم من صحّته صحّته (٤) ، فتأمّل فيه ؛ فإنّه قيل باستلزام الترجيح بلا مرجّح الترجّح ، وقد يمنع ذلك ، فتأمّل.
وقال أيضا : قولكم : يلزم قدم الأثر ، قلنا : ممنوع ، وإنّما يلزم في الموجب الذي إذا اقتضى شيئا لذاته اقتضاء دائما ؛ إذ نسبته إلى الأزمنة سواء. وأمّا القادر ، فيجوز أن تتعلّق قدرته بالإيجاد في ذلك الوقت دون غيره » (٥).
__________________
(١) القائل هو الشريف الجرجاني في « شرح المواقف » ٨ : ٥٣.
(٢) « شرح المواقف » ٨ : ٥٣ ـ ٥٤ ، نقله بتصرف.
(٣) « شرح المواقف » ٨ : ٥٤ ؛ « شرح المقاصد » ٤ : ٩٧.
(٤) « المواقف » ضمن « شرح المواقف » ٨ : ٥٤.
(٥) نفس المصدر السابق ، ص ٥٥.