ويمكن أن يختار أنّه لا لذاتها ؛ بل للعلم بالمنفعة والمصلحة المترتّبة على ذلك الشيء الذي خلق على ذلك الوجه وذلك الزمان ، فالعلم هو داع ومرجّح وسبب لتعلّق الإرادة ، والإيجاد ـ وإن وجب بذلك ـ لا يخرج عن القادريّة ؛ لأنّه بالإرادة والاختيار ، وهو غير مناف للاختيار ، وهو ظاهر ، وقد ذكروه أيضا ، فتأمّل ؛ فإنّ علم الواجب في الأزل بأنّ في إيجاد شيء معيّن على وجه معيّن في وقت معيّن نفعا ومصالح لا في غيره لا يضرّ الاختيار ، بل ولا وجوب الإرادة ، فيختار لذلك ويوجده حينئذ وإن وجب الفعل بعد الإرادة بالعلم وعدم احتياج العلم إلى علّة غير الذات ، فتأمّل فيه ، فلا يحتاج إلى ما اختاره في « المواقف » أيضا من قوله : « وربما يقال : الفعل مع الدواعي أولى بالوقوع ولا ينتهي إلى الوجوب » مع تضعيفه بقوله : « وقد عرفت ضعفه » (١) ؛ لأنّه قد ذكر قبله « أنّ الفعل لا يوجد بالأولويّة ، بل لا بدّ من الانتهاء إلى الوجوب » (٢) على أنّه قد يمنع ذلك ، فتأمّل (٣). انتهى كلامه رفع مقامه.
وبالجملة ، فمراد المصنّف ـ ظاهرا ـ أنّه ثبت فيما سبق أنّ العالم ـ بمعنى جميع ما سوى الله ـ حادث ، فيحتاج إلى محدث قادر ، وذلك القادر إن كان غير الله تعالى ، يلزم الواسطة بين الله وما سواه ، والواسطة غير معقولة ، فثبت أنّ ذلك القادر هو الله تعالى ، فثبت عقلا أنّه تعالى قادر موصوف بصفة القدرة.
ولكنّ الشارح القوشجي قال : « أقول : لم يثبت فيما سبق أنّ جميع ما سوى الله تعالى حادث ، بل إنّما ثبت حدوث الأجسام وعوارضها ، ولمّا لم يثبت عند المصنّف وجود المجرّدات أطلق القول بحدوث العالم ، لكن كما لم يثبت عنده وجود المجرّدات لم يثبت عنده عدمها أيضا ، كما قال في صدر الفصل الرابع في الجواهر المجرّدة : أمّا العقل فلم يثبت دليل على امتناعه ، وأدلّة وجوده مدخولة. فللمعترض
__________________
(١) « شرح المواقف » ٨ : ٥٥.
(٢) نفس المصدر ٣ : ١٦٤.
(٣) « الحاشية على إلهيّات الشرح الجديد للتجريد » للأردبيليّ : ٤٣ ـ ٤٩.