بيان :
قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ) امتنان على العباد بخلق ما يتوقّف عليه أمور معاشهم ومعادهم وأبدانهم وأديانهم بالاستدلال والاختبار.
وبه يستدلّ على إباحة جميع الأشياء إلاّ ما أخرجه الدليل باستعمال اللام في كلّ جزئيّ من جزئيّات الانتفاع بقرينة مقام الامتنان ؛ لعدم الدليل على التعيين ، وعدم الفائدة في الإبهام.
و ( اسْتَوى ) بمعنى استولى وملك ، و ( فَسَوَّاهُنَ ) بمعنى عدّلهنّ وخلقهنّ مصونة من العوج والفطور. والسبع لا ينافي التسع الذي أثبتوها (١) أهل الرصد ؛ إذ الثامن والتاسع مسمّيان في لسان الشرع بالكرسيّ والعرش.
والخلق في ستّة أيّام من أيّام الدنيا ، أو الآخرة يكون كلّ يوم ألف سنة كما عن ابن عبّاس (٢) ـ مع كونه تعالى قادرا على خلقها في طرفة عين بل أقلّ ؛ فإنّ أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ـ إمّا لكون الاعتبار في التدريج أكثر ، أو ليعلّم الناس عدم الاستعجال في الأمور كما عن أمير المؤمنين عليهالسلام (٣).
وهي إمّا محمولة على الحقيقة ـ بناء على أنّ الزمان حاصل من حركة الفلك الأعظم وهو ظاهر ما روي عن أبي عبد الله عليهالسلام أنّه قال : « إنّ الله خلق الخير يوم الأحد ، وما كان ليخلق الشرّ قبل الخير ، وفي يوم الأحد والاثنين خلق الأرضين ، وخلق أقواتها في يوم الثلاثاء ، وخلق السماوات في يوم الأربعاء ويوم الخميس ، وخلق أقواتها يوم الجمعة » (٤) ـ أو على المجاز بناء على أنّه لم يكن
__________________
(١) كذا ، والأصحّ : « أثبتها ».
(٢) « تفسير القرآن العظيم » لابن كثير ٢ : ٢٢٩ ، ذيل الآية ٥٤ من سورة الأعراف (٧).
(٣) نقل نحوه عن سعيد بن جبير. انظر « معالم التنزيل » ٢ : ٤٨١ ؛ « زاد المسير » ٣ : ١٤٣ ؛ « مجمع البيان » ٤ : ٢٦٩ ، ذيل الآية ٥٤ من سورة الأعراف (٧).
(٤) « الكافي » ٨ : ١٢٧ ، ح ١١٧.