فظهر أنّه لا يعزب عن هذا العلم ـ الذي هو عين ذاته ـ مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء بلا تكلّف وتجوّز ، لكن لمّا لم يمكن التميّز بين أمثال الضعيف التي يشتمل عليها الشديد في الخارج ؛ لكونها متّحدة بحسبه ، بل هي ـ من حيث هي متميّزة ـ إنّما هي في العقل ، لم يكف هذا العلم في صدور النظام من حيث هو نظام ؛ لاستدعائه التفصيل كما عرفت أيضا وإن كان هذا العلم علما بالماهيّات أيضا من وجه لكن ليس علما بها من حيث هي ماهيّات ؛ حيث لم تتميّز الماهيّة عن الوجود بحسب الخارج ، بل إنّما يتميّز عنه في العقل فقط ، وفي العقل البسيط لا يكون تميّز أصلا لا بين وجود ووجود ، ولا بين وجود وماهيّة ، فبالاضطرار لزم القول بالعقل التفصيليّ المتحقّق بحصول صور الماهيّات في العاقل متميّزا بعضها عن بعض وعن الوجود في علمه تعالى بالأشياء.
وهذان العلمان هما المشار إليهما بالكلّ الأوّل والكلّ الثاني في كلام الفارابيّ في الفصوص على ما نقلناه (١).
وينبغي أن يعلم أنّ هذا الحصول ليس هو بالمعنى المشهور ؛ فإنّ المتبادر من الحصول في المشهور هو أن يكون الصور حاصلة من الأشياء في العاقل وفيما نحن فيه الأشياء حاصلة من الصور في الخارج ، وجميع المفاسد ـ التي أوردوها على القول بالعلم الحصوليّ في الواجب ـ مبنيّة على الاشتباه بين هذين المعنيين للحصول ، فعلى هذا لو قال قائل : إنّ علمه تعالى بالأشياء ليس حصوليّا كما أنّه ليس بحضوريّ ، لكان صوابا من هذا الوجه.
تدقيق إلهاميّ
يمكن أن يدقّق النظر ويقال : إنّ حديث الصور وحصولها في ذاته تعالى إنّما هو
__________________
(١) انظر ص ١٩٢ من هذا الجزء.