العقل الأوّل علّة لأن عرف [ الأوّل ] (١) لوازم العقل الأوّل (٢). انتهى.
ثمّ إنّ المصنّف في شرح الإشارات ردّ على الشيخ ، فقال : لا شكّ في أنّ القول بتقرّر لوازم الأوّل في ذاته قول بكون الشيء فاعلا وقابلا معا ، وقول بكون الأوّل موصوفا بصفات غير إضافيّة ولا سلبيّة ، وقول بكونه محلاّ لمعلولاته الممكنة المتكثّرة ، تعالى عن ذلك علوّا كبيرا ، وقول بأنّ معلوله الأوّل غير مباين لذاته ، وبأنّه تعالى لا يوجد شيئا ممّا يباينه بذاته ، بل بتوسّط الأمور الحالّة فيه ، إلى غير ذلك ممّا يخالف الظاهر من مذهب الحكماء. والقدماء القائلون بنفي العلم عنه تعالى ، وأفلاطن القائل بقيام الصور المعقولة بذاتها ، والمشّاءون القائلون باتّحاد العاقل والمعقول إنّما ارتكبوا تلك المحالات حذرا من التزام هذه المعاني (٣). انتهى.
أقول ـ وبالله التوفيق ـ : قد حقّقنا فيما مرّ من مباحث العلّة والمعلول أنّ المراد من القبول في قولهم : الواحد لا يكون فاعلا وقابلا ، هو القبول الانفعاليّ ، أعني القبول من الغير ؛ فإنّ القابل هذا القبول يجب أن يتعرّى في حدّ ذاته عن المقبول ، والفاعل لا يمكن أن يتعرّى في حدّ ذاته عن المفعول ؛ ضرورة أنّ المفعول فائض عنه وصادر منه ويمتنع فيضان الشيء عن العاري عن ذلك الشيء ، وكذا يمتنع قبول الشيء من الغير ما لا يتعرّى في حدّ ذاته عنه.
وهذا معنى قولهم في الاستدلال على هذا المطلب : إنّ نسبة الفاعل إلى المفعول بالوجوب ، ونسبة القابل إلى المقبول بالإمكان ، فلو اجتمعا في شيء واحد ، لزم اجتماع الوجوب والإمكان في شيء واحد من جهة واحدة.
وأمّا قبول الشيء المقبول عن نفسه ، فلا يستدعي تعرية عنه في حدّ ذاته ، بل يمتنع ذلك فيه ، فلا ينافي كونه مفعولا لذلك الشيء كما أنّه مقبول له.
__________________
(١) الزيادة أضفناها من المصدر.
(٢) « التعليقات » : ١٥٣.
(٣) « الإشارات والتنبيهات مع الشرح » ٣ : ٣٠٤.