الملل على إطلاق القول بأنّه تعالى مريد ، وشاع ذلك في كلام الله عزّ وجلّ وكلام الأنبياء عليهمالسلام ـ هو كونه تعالى قادرا ؛ فإنّ القادر لا يصحّ أن يصدر عنه ـ من حيث هو قادر ـ أحد الطرفين بخصوصه ؛ لاستواء نسبة القدرة إلى الطرفين ، بل لا بدّ من أن يتخصّص ويترجّح أحد الطرفين ليصحّ صدوره عنه ، ويكون ذلك لا محالة بصفة شأنها ذلك ؛ لامتناع التخصيص من غير مخصّص ، واحتياج الواجب تعالى في فاعليّته إلى أمر منفصل.
ولا يمكن أن يكون المخصّص هو مطلق العلم ؛ لكونه كالقدرة في تساوي النسبة إلى الطرفين.
وإلى هذا أشار المصنّف بقوله : ( وتخصيص بعض الممكنات ) دون بعض ( بالإيجاد في وقت ) دون وقت ( يدلّ على إرادته ).
ثمّ الفرق بين الإرادة والاختيار هو أن الاختيار إيثار لأحد الطرفين وميل إليه ، والإرادة هو القصد إلى إصدار ما يؤثره ويميل إليه. وأمّا في البارئ تعالى ، فيشبه أن يكون كلاهما واحدا.
وأمّا المشيئة ففي شرح المقاصد : أنّه لا فرق بينها وبين الإرادة إلاّ عند الكراميّة ؛ حيث جعلوا المشيئة صفة واحدة أزليّة تتناول ما شاء الله بها من إحداث محدث ، والإرادة حادثة متعدّدة تعدّد (١) المرادات (٢).
ثمّ اختلفوا في أرادته تعالى (٣) : فعند الأشاعرة وجمهور معتزلة البصرة : صفة قديمة زائدة على الذات ، قائمة بها كسائر الصفات الحقيقيّة عندهم.
وعند الجبائيّة : صفة زائدة قائمة لا بمحلّ.
وعند الكرامية : صفة حادثة قائمة بالذات.
__________________
(١) في المصدر : « بعدد ».
(٢) « شرح المقاصد » ٤ : ١٣٤.
(٣) « شرح المقاصد » ٤ : ١٣٢ ـ ١٣٦ ؛ « شرح المواقف » ٨ : ٨١ ـ ٨٧.