يكون مستحضرا حال الاستحضار باعتبارين ، فوقوع اسم العلم على الأمر الأوّل يكون بالاعتبار الأوّل ، وعلى الأمر الثاني بالاعتبار الثاني والعالم الذي يكون علمه ذاتيا فهو بالاعتبار الأوّل كأنّه بذلك الاعتبار لا يحتاج في كونه عالما إلى شيء غير ذاته (١). انتهى.
واعلم أنّ هذا العقل هو الذي سمّاه المتأخّرون العلم الإجماليّ.
بيانه ما قاله الشيخ في كتاب النفس من طبيعيّات الشفاء حيث قال :
« تصوّر المعقولات على وجوه ثلاثة :
أحدها : التصوّر الذي يكون في النفس مفصّلا منظّما ، وربما كان ذلك التفصيل والنظام غير واجب ، بل يصحّ أن يغيّر ، مثاله أنّك إذا فصلت في نفسك معاني الألفاظ التي يدلّ عليها قولك : كلّ إنسان حيوان ، وجدت كلّ معنى منها كلّيّا لا يتصوّر إلاّ في جوهر غير بدنيّ ، ووجدت لتصوّرها فيه تقديما وتأخيرا ، فإن غيّرت ذلك ـ حتّى كان ترتيب المعاني المتصوّرة الترتيب المحاذي لقولك : الحيوان محمول على كلّ إنسان ـ لم تشكّ أنّ هذا الترتيب من حيث هو ترتيب معان كلّيّة لم يترتّب إلاّ في جوهر غير بدنيّ ، وإن كان أيضا يترتّب من وجه ما في الخيال ، فمن حيث المسموع لا من حيث المعقول ، وكان الترتيبان مختلفين ، والمعقول الصرف منه واحد.
والثاني : أن يكون قد حصل واكتسب لكنّ النفس معرضة عنه فليست تلتفت إلى ذلك المعقول ، بل قد انتقلت عنه مثلا إلى معقول آخر ؛ فإنّه ليس في وسع أنفسنا أن تعقل الأشياء معا دفعة واحدة.
ونوع آخر (٢) من التصوّر وهو مثل ما يكون عندك من مسألة تسأل عنها ممّا علمته أو ممّا هو قريب من أن تعلم ، فحضرك جوابها في الوقت وأنت متيقّن بأنّك تجيب عنها [ ... ] (٣) عن يقين منك بالعلم به قبل التفصيل والترتيب.
__________________
(١) « شرح مسألة العلم » : ٢٨.
(٢) هذا بمنزلة قوله : « ثالثها ».
(٣) إشارة إلى زيادة وردت في « الشفاء » ولم ترد في « شوارق الإلهام ».