وحينئذ يكون الأمر في صيغة الفاعل هاهنا وفي المتحرّك وأمثال ذلك على سبيل واحد ، كما لا يخفى.
وأمّا تمسّكهم في ثبوت الكلام النفسي بأنّ من يورد صيغة أمر ، أو نهي ، أو إخبار ، أو استخبار ، أو غير ذلك ، يجد في نفسه معاني ، ثمّ يعبّر عنها بالألفاظ التي نسمّيها الكلام الحسّيّ ، فهذا المعنى الذي يجده في نفسه ويدور في خلده (١) هو الذي نسمّيه الكلام النفسيّ.
فقد مرّ الجواب عنه في مبحث الأصوات من الأعراض عند شرح قول المصنّف : « ولا يعقل كلام غيره (٢). وحاصله منع كون تلك المعاني التي يجدها غير الإرادة والطلب والعلم ، فمن أراد تفصيل الجواب وتحقيقه ، فليراجع إلى هناك ؛ فإنّا لا نطوّل الكلام بإعادة ذلك. وإلى بطلان الكلام النفسيّ والإشارة إلى ما أشار إليه هناك أشار هاهنا بقوله : ( والنفسانيّ غير معقول ) (٣).
وقال الشارح القوشجي : « لصاحب المواقف كلام (٤) في تحقيق الكلام النفسي محصّله : أنّ لفظ « المعنى » يطلق تارة على مدلول اللفظ ، وأخرى على الأمر القائم بالخير ، فالشيخ الأشعري لمّا قال : الكلام هو المعنى النفسيّ ، فهم الأصحاب منه أنّ مراده مدلول اللفظ وحده وهو القديم عنده ، وأمّا العبارات فإنّما تسمّى كلاما مجازا ؛ لدلالتها على ما هو كلام حقيقة حتى صرّحوا بأنّ اللفظ حادث على مذهبه أيضا ، لكنّها ليست كلاما حقيقة ، وهذا الذي فهموه من كلام الشيخ ، له لوازم كثيرة فاسدة : كعدم إنكار من أنكر كلاميّة ما بين دفّتي المصحف مع أنّه علم ضرورة كونه كلام الله حقيقة ، وكعدم المعارضة والتحدّي بكلام الله الحقيقيّ ، وكعدم كون المقروّ
__________________
(١) الخلد : البال والقلب والنفس.
(٢) « شوارق الإلهام » : ٤١٤ ـ ٤١٥. وفي تجريد الاعتقاد : ١٦٨ « ولا يعقل غيره ».
(٣) إلى هنا نهاية كلام المحقق اللاهيجي ، راجع شوارق الإلهام : ٥٥٥.
(٤) « شرح المواقف » ٨ : ٩٣ ـ ٩٩.