وعلى الثاني ، أي إذا قلنا بكونه قيدا للأمر بالاغتسال ، فربّما يوحي إلى ضرورة الابتداء من أصول الأصابع إلى المرفقين ، فكأنّه سبحانه قال : « الأيدي » اغسلوها إلى المرافق.
ولكن لا يخفى ما في هذا الإيحاء من غموض ، لما عرفت من أنّ المتّبع في نظائر هذه الأمثلة ما هو المتعارف وهو الابتداء من الأعلى إلى الأسفل.
أضف إلى ذلك : أنّه لو سلمنا أنّ حرف الجر قيد للفعل ، لا نسلم أنّه بمعنى « إلى » الذي هو لانتهاء الغاية ، بل يحتمل أن يكون بمعنى « مع » أي الأيدي اغسلوها مع المرافق ، وليس هذا بعزيز في القرآن والأدب العربي.
يقول سبحانه ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ ). (١)
وقال سبحانه ـ حاكيا عن المسيح ـ ( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ ) (٢) ، أي مع الله.
وقوله سبحانه ( وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ ) (٣) ، أي مع قوتكم.
ويقال في العرف : ولى فلان الكوفة إلى البصرة ، أي مع البصرة ، وليس في هذه الموارد من الغاية أثر.
وقال النابغة الذبياني :
ولا تتركني
بالوعيد كأنّني إلى |
|
الناس مطليّ به
القار أجرب |
أراد مع الناس أو عند الناس.
وقال ذو الرمة :
بها كلّ خوار
إلى كل صولة |
|
ورفض المذرعات
الترائب |
__________________
١. النساء : ٢.
٢. آل عمران : ٥٢.
٣. هود : ٥٢.