ولا يخفى انّ ما ذكره تعسف ظاهر ، إذ لا معنى للاسترجاع ولا للتمنّي لو كان عمل الخليفة عملا مشروعا سوّغه الشرع وأبلغه النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم غير انّه اختار النبي أحد فردي التخيير الأفضل مع عدم نفي العدل الآخر.
ثمّ إنّ ما عزي إلى عبد الله بن مسعود من أنّه أتمّ الصلاة في السفر عند ما صلّى مع عثمان فإنّما كان مراعاة سياسة مقطعية اتّباعا لما رآه عثمان خلافا لرأي نفسه في لزوم القصر ، قال الأعمش : حدّثني معاوية بن قرّة عن أشياخه ، انّ عبد الله صلّى أربعا ، فقيل له : عبت على عثمان ثمّ صليت أربعا؟ قال : الخلاف شر. (١)
ومنه يظهر حال عبد الله بن عمر ، قال ابن حزم : روينا من طريق عبد الرزاق ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر انّه كان إذا صلّى مع الإمام بمنى أربع ركعات ، انصرف إلى منزله فصلّى فيه ركعتين أعادها. (٢)
وهؤلاء كانوا يرون رعاية شئون السياسة الزمنية خوفا من الشر ، وهي عندهم أولى من رعاية حفظ الأحكام كما نزلت من عند الله والوقوف أمام قبولها وتغييرها ، إلاّ أنّ بعض الصحابة يرى خلاف ذلك ، فهذا علي عليهالسلام أبى أن يصلّي أربعا في منى رغم إصرار عثمان وبني أميّة ، حيث قيل له : صلّ بالناس ، فقال : « إن شئتم صلّيت لكم صلاة رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » يعني ركعتين ، قالوا : لا إلاّ صلاة أمير المؤمنين ـ يعنون عثمان ـ أربعا ، فأبى عثمان (٣). (٤)
هذا وإنّ بني أميّة قد اتّخذوا من أحدوثة عثمان سنّة مستمرة مقابل سنّة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الأبد وإن لم يكن لهم عذر شرعي للإتمام.
__________________
١. سنن أبي داود : ١ / ٣٠٨ ، كتاب الأم للشافعي : ١ / ١٥٩.
٢. المحلى : ٤ / ٢٧٠. وفي الهامش : في بعض النسخ « أبي » فقط.
٣. هكذا في المطبوع والصحيح : فأبى علي.
٤. المحلى : ٤ / ٢٧٠.