ولكن التأريخ يكذّب الرواية مهما صحّح سندها أو أرسلت إرسال المسلّم ، لأنّه ما علا أمر مسيلمة إلاّ في السنة العاشرة من الهجرة ، وأين هو من بدء الهجرة وصدر البعثة؟!
روى الطبري وغيره انّ مسيلمة وفد إلى النبي مع جماعة وأسلم ، ولمّا عاد إلى موطنه ادّعى النبوة ، والتفّ حوله عصابة من قومه تعصبا ، وقد نقل انّ واحدا من أتباعه سأل مسيلمة ذات مرة وقال : من يأتيك؟
قال مسيلمة : رحمان.
قال السائل : أفي نور أم في ظلمة؟
فأجاب : في ظلمة.
فقال السائل : أشهد أنّك كذّاب وانّ محمّدا صادق ، ولكنّ كذّاب ربيعة أحبّ إلينا من صادق مضر. (١)
قال شيخنا « معرفة » في موسوعته الروائيّة للتفسير : كانت العرب تعرف « الرحمن » وانّه ربّ العالمين ( وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ) (٢) ، ( قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ ) (٣) وقد خاطبهم الله سبحانه بهذا الوصف أزيد من خمسين موضعا ، فكيف يا تُرى أنكروا وصفه تعالى بهذا الوصف وزعم أنّه مستعار من وصف صاحب اليمامة؟!
وأمّا قوله سبحانه ( وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً ) (٤) ، فليس إنكارهم دليلا على عدم عرفانهم ، فان قولهم ( وَمَا الرَّحْمنُ ) مثل قول فرعون ( وَما رَبُّ الْعالَمِينَ ) استهزاء بموضع
__________________
١. تاريخ الطبري : ٢ / ٥٠٨.
٢. الزخرف : ٢٠.
٣. يس : ١٥.
٤. الفرقان : ٦٠.