التمدن وآية الموعظة وشعار الإسلام وسام الايمان والتقدم في الفضيلة ، واستمر المسلمون على ذلك حتى صاروا في زمان الرسول يعدّون بالألوف وعشراتها ومئاتها ، وكلهم من حملة القرآن وحفاظها وإن تفاوتوا في ذلك بحسب السابقة والفضيلة ... (١)
فاستمرّ القرآن الكريم على هذا الاحتفاء العظيم بين المسلمين جيلا بعد جيل ، ترى له في كل آن الوفاء مؤلفة من المصاحف والوفاء من الحفّاظ ، ولا تزال المصاحف ينسخ بعضها على بعض ، والمسلمون يقرأ بعضهم على بعض ، ويسمع بعضهم من بعض ، تكون الوف المصاحف رقيبة على الحفّاظ ، والوف الحفّاظ رقباء على المصاحف ، وتكون الالوف من كلا القسمين رقيبة على المتجدّد منهما ، نقول الألوف ولكنّها مئات الألوف والوف الالوف ، فلم يتفق لأمر تاريخي من التواتر وبداهة البقاء مثل ما اتفق للقرآن الكريم كما وعد الله جلّت آلاؤه بقوله في سورة الحجر (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وقوله في سورة القيامة (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) ولئن سمعت في الروايات الشاذة شيئا في تحريف القرآن وضياع بعضه فلا تقم لتلك الروايات وزنا ، وقل ما يشاء العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين وفيما جاءت به في مروياتها الواهية من الوهن الخ. (٢)
وقال الفاضل الشعراني قدسسره في كتابه (طريق السعادة) المطبوع بالفارسية : أنّ القرآن الكريم نزل على النبيّ في غضون وأثناء ٢٣ عاما ، وكان كلّما نزل شيء منه قام النبي صلىاللهعليهوآله بقراءته على المؤمنين ، وكانت تلك هي طريقته لدعوة الناس إلى الإسلام ، ولم يكن أبدا ليخفيه في الزوايا والخبايا وإذا سمعه منه المسلمون وكتبوه أو حفظوه عن ظهر قلب حملوا
__________________
(١) وزاد البلاغي قدسسره في ذيل الصفحة بقوله : أخرج ابن سعد وابن عساكر والطبراني وغيرهم أنّه ممن جمع القرآن اى حفظا في زمان النبي صلىاللهعليهوآله معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبى بن كعب وأبو ايوب الانصاري وأبو الدرداء وزيد بن ثابت وسعد بن عبيد وأبو زيد وممن ختم القرآن ورسول الله حي عثمان بن عفان وعلي بن ابي طالب وعبد الله بن مسعود وقرأ القرآن على عهد رسول الله معاذ وأبي وسعد وأبو زيد ، وأخرج الحاكم عن زيد بن ثابت قال : كنّا عند رسول الله نؤلّف القرآن من الرقاع.
(٢) آلاء الرحمن ١ : ١٧ ـ ١٨.