قيس الفهري يحمل أكفانه فوضعها على المنبر ثمّ قال : إن معاوية كان ناب العرب وحبلها ، وقد مات وهذه أكفانه ونحن مدرجوه فيها وموردوه قبره. وكان يزيد في ذلك الوقت غائبا فصلّى عليه الضحّاك بن قيس ودفنه بدمشق. وله أربعة ذكور : يزيد وعبد الله ، وعبد الرحمن ، ومحمد!
وكان معاوية : جهم الوجه ، جاحظ العينين ، وافر اللحية ، عريض الصدر ، عظيم الأليتين! قصير الفخذين والساقين. وحجّ بالناس في ولايته سنة (٤٤) و (٥٠) واعتمر في رجب سنة (٥٦ ه) ، وكان أوّل من كسا الكعبة الديباج واشترى لها العبيد وقفا عليها.
وسمع سعيد بن العاص : أنه سمع معاوية يوما يقول : لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي.
ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني. ولو أنّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت! قيل : وكيف يا أمير المؤمنين؟ قال : كانوا إذا مدّوها خلّيتها وإذا خلّوها مددتها. فكان له حلم ودهاء وجود بالمال ، فإذا بلغه عن رجل ما يكره قطع لسانه بالعطاء ، وربّما يحتال عليه بأن يبعثه في حرب ويقدّمه في القتال ، وكان أكثر فعله المكر والحيلة (١)!
قال : وكان معاوية أول من حبس النساء بجرائر الرجال ... وأول من أقام في الإسلام الحرس والشرط والبوّابين وأرخى الستور ، ومشي بين يديه بالحراب ، وجلس على السرير والناس تحته. وجعل ديوان الخاتم ، واستكتب النصارى! واستصفى أموال الناس فأخذها لنفسه ، وبنى وشيّد البناء وسخّر الناس في بنائه ولم يفعل من قبل.
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٣ : ٢٣٨ ، ٢٣٩.