ونبقى نحن في عقر دارنا ، ويغزونا محمد ، فيقتل رجالنا ، ويسبي نساءنا وذرارينا ، وإن لم نخرج لعله يردّ علينا عهدنا.
فقال له حيي بن أخطب : تطمع في غير مطمع ، قد نابذت العرب محمدا الحرب ، فلا أنتم مع محمد ، ولا أنتم مع قريش.
فقال كعب : هذا من شؤمك ، إنما أنت طائر تطير مع قريش غدا وتتركنا في عقر دارنا ، ويغزونا محمد.
فقال له حييّ : لك عهد الله علي وعهد موسى إن لم تظفر قريش بمحمد أني أرجع معك إلى حصنك ، يصيبني ما يصيبك.
فقال كعب : هو الذي قد قلته لك ، إن أعطتنا قريش رهنا يكونون عندنا ، وإلا لم نخرج. فرجع حيي بن أخطب إلى قريش فأخبرهم ، فلما قال : يسألون الرّهن. قال أبو سفيان : هذا ـ والله ـ أوّل الغدر ، قد صدق نعيم بن مسعود ، لا حاجة لنا في إخوان القردة والخنازير.
فلما طال على أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الأمر ، اشتد عليهم الحصار ، وكانوا في وقت برد شديد ، وأصابتهم مجاعة ، وخافوا من اليهود خوفا شديدا ، وتكلم المنافقون بما حكى الله عنهم ، ولم يبق أحد من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إلا نافق ، إلا القليل. وقد كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبر أصحابه : «أن العرب تتحزب ، ويجيئونا من فوق ، وتغدر اليهود ونخافهم من أسفل ، وأنه ليصيبهم جهد شديد ، ولكن تكون العاقبة لي عليهم». فلما جاءت قريش ، وغدرت اليهود ، قال المنافقون : ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا. وكان قوم منهم لهم دور في أطراف المدينة ، فقالوا : يا رسول الله ، تأذن لنا أن نرجع إلى دورنا فإنها في أطراف المدينة ، وهي عورة ، ونخاف اليهود أن يغيروا عليها؟ وقال قوم : هلموا فنهرب ونصير في البادية ، ونستجير بالأعراب ، فإن