وسئل أيوب بعد ما عافاه الله تعالى : أيّ شيء كان أشدّ عليك ممّا مرّ عليك؟ فقال : شماتة الأعداء. قال : فأمطر الله عليه في داره فراش الذهب ، وكان يجمعه ، فإذا ذهب الريح منه بشيء عدا خلفه فردّه ، فقال له جبرئيل : أما تشبع ، يا أيوب؟ قال : ومن يشبع من رزق ربّه؟» (١).
وعن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهماالسلام ، قال : «إن أيوب عليهالسلام ابتلي من غير ذنب ، وإن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون ، لا يذنبون ، ولا يزيغون ، ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا».
وقال عليهالسلام : «إنّ أيوب عليهالسلام مع جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة ، ولا قبحت له صورة ، ولا خرجت منه مدة (٢) من دم ، ولا قيح ، ولا استقذره أحد رآه ، ولا استوحش منه أحد شاهده ، ولا تدوّد شيء من جسده ، وهكذا يصنع الله عزوجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه.
وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره ، لجهلهم بما له عند ربه تعالى من التأييد والفرج ، وقد قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : أعظم الناس بلاء الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، وإنّما ابتلاه الله عزوجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس ، لئلا يدّعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه ، وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين : استحقاق ، واختصاص. ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ، ولا فقيرا لفقره ، ولا مريضا لمرضه ، وليعلموا أنه يسقم من شاء ، ويشفي من شاء متى شاء ، كيف شاء بأي سبب شاء ويجعل ذلك عبرة لمن شاء ، وشقاوة لمن شاء ، وسعادة لمن شاء ، وهو عزوجل في جميع ذلك عدل في قضائه ،
__________________
(١) تفسير القمي : ج ٢ ، ص ٢٣٩.
(٢) المدّة : ما يجتمع في الجرح من القيح. «الصحاح ـ مدد ـ ج ٢ ، ص ٥٣٧».