فما صار إليه
من منع العرفية مما لا وجه له ولا دليل عليه ، بل هو على خلافه جدا ، لأن المعرّف
عبارة عن علة العلم بالمعرّف. ولا خفاء في أن الخطابات الشرعية كلها ـ ولو كانت
غير مسببة عما يعذر من المكلف مما ينشأ منه التكليف كأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة
ونحوهما ـ علل للعلم بالأحكام الشرعية كوجوب الصلاة والزكاة ونحوهما ، ولذا يعبر
عنها بالوسائط في الإثبات الذي هو عبارة أخرى عن علة العلم والدليل ، وكذلك
الخطابات العرفية ونحوها ، لا فرق بينهما من هذه الجهة كما لا يخفى ، فما صار إليه
المشهور متعين جدا.
وأما الثاني ـ
وهو صحة البناء والتفريع ـ فزعمه غير واحد استنادا إلى ما محصله : إن المعرّف
علامة وعلة للعلم بالمعرّف لا له نفسه ، فيجوز تعدده ولا مانع عنه ، كما هو
المشاهد في الأمور الخارجية كالنار مثلا ، حيث يحصل العلم بوجودها تارة من الحرارة
وأخرى من الدخان وثالثة منهما معا ، من غير أن يخرج أحدهما عن كونه معرّفا كما لا
يخفى.
لكن الأظهر
خلافه ، لأن المعرّف الذي هو علة للعلم بالمعرّف لا له نفسه : إما فعلي أو شأني لا
ثالث لهما. والمراد بالثاني هو ما كان موجبا للعلم بالمعرّف لو وجد في المحل
القابل. وحينئذ فإن كان المراد بجواز تعدده هو تعدده الفعلي فممنوع جدا ، لأن حصول
العلم من المعرّف الثاني بعد حصوله من الأول تحصيل للحاصل ، ولا خفاء في بطلانه.
وإن كان المراد بجواز تعدده هو تعدده الشأني فهو ممكن في المؤثر أيضا ، غاية الأمر
حينئذ هو كون الأثر مستندا إلى السابق دون اللاحق ، فبقي هو على وضعه الثاني ، ولا
ضير فيه كما لا يخفى.