المقام الثالث
في الجاهل الغافل
والكلام فيه أيضا تارة في حسن عقابه وعدمه ، وأخرى في صحة عمله وفساده بالمعنى الذي عرفته سابقا. أما الأول فقد مر في بعض الأمور التي قدمنا ذكرها في صدر الفائدة ، وأما الثاني فهو تارة فيما إذا كان عاملا بما يوافق البراءة في المعاملة وأخرى فيما إذا كان عاملا بما يوافقها في العبادة : أما الأول فالحكم فيه ما مرّ في بعض المقامات السابقة من المقامين الأولين تصريحا وإشارة من الصحة وترتب الأثر في صورة الموافقة لا المخالفة ، وقد مر وجهه ولا يحتاج إلى الإعادة. وأما الثاني فالأقوال فيه يظهر مما ذكرناه في صدر الفائدة ، وأظهرها التفصيل بين صورة المطابقة والمخالفة بالصحة في الأولى والفساد في الثانية. أما الثاني فلأن المأتي به ليس هو المأمور به وهو ليس بالمأتي به ، فلا يحصل الامتثال به جزما ، فيبقى المكلف في عهدة التكليف إعادة أو قضاء ، لا سيما إذا كان التنافي بالأمر الأول ، فتبصر.
وأما الأول فلأن المعتبر في الامتثال ليس إلا إتيان المأمور به على قصد التقرب وكونه مأخوذا من طريق معتبر كالاجتهاد أو التقليد والعلم بمطابقته للواقع حين الصدور. والإتيان ليس شرطا في صحته جزما ، لأن ما دل على وجوب رجوع العامي المقلد إلى المجتهد كبواقي الأدلة من الأدلة المسوقة لبيان الطرق الشرعية لا لبيان اشتراط كون الواقع مأخوذا منها ، فمتى وجد في الخارج مشتملا على ما اعتبر فيه من الأجزاء والشرائط كلها ـ كما هو المفروض في المقام ـ وانكشف مطابقته للواقع بما هو مرآة لها من العلم أو الطريق المعتبر كالتقليد أو الاجتهاد يسقط الأمر ويخرج المكلف عن العهدة.