الدليل من حيث إنه يتوصل به إلى ثبوت المحكوم به للمحكوم عليه لا بدّ فيه من ملزوم للمحكوم به يكون ثابتا للمحكوم عليه لينتقل منه الذهن إلى المحكوم عليه ، ويلزم من ثبوت ذلك الملزوم للمحكوم عليه ثبوت لازمه له ، فلا محيص عن الأمرين بكون أحدهما دالّا باللزوم وثانيهما دالّا على ثبوت الملزوم للمحكوم عليه. والأول هي الكبرى ، والثاني هي الصغرى ، فاعتبارهما مندرج في قولهم : بصحيح النظر.
ومنه ظهر أن الدليل مركب عند الفريقين لا يمكن أن يكون مفردا خبر «ما».
نعم بينهما فرق من وجه آخر ، وهو أن الدليل عند الفرقة الأولى يعم العلمي والظني بخلافه عند الثانية ، فإنه خاص بالبرهان ولا يعم غيره من الصناعات الأخر ، كالوجدانيات والخطابيات والشعريات والمغالطات والاستقراء والتمثيل ، إلا أن لا يعتبر قيد الاستلزام في التعريف كما عن بعض ؛ فإنه حينئذ يعمّها جزما ، فتبصر.
ثم قد وقع الاختلاف في كيفية حصول التعبد بالنتيجة ، فقيل كما عن المعتزلة : إن العلم بالنتيجة من باب الآثار المترتبة على فعل العبد ، فيكون من قبيل الأفعال التوليدية ، كحركة المفتاح عند حركة اليد ، غاية الأمر أن ذلك أثر لا تأثير ، فإطلاق الفعل عليه مجاز.
وقيل كما عن الحكماء : إنه يحصل من إفاضة المبادئ الإفاضية ، ويقولون : إن فيضان الممكنات موقوف على الاستعدادات ، وبعد حصولها يجب الإفاضة ، فيكون النظر والعلم بالمقدمتين من المقدمات لحصول العلم بالنتيجة.