والتحقيق انه لا يسوغ لأن القضية لا تثبت موضوعها بل تحتاج إلى إثباته من خارج نطاق الدليل.
وقد يقال : ان المراد بالمرتدين هم أصحاب الردة الذين قاتلهم الخليفة أبو بكر ، وهم معلومون ، فلا تصل النوبة إلى الشك والتوقف عن التمسك بتلكم العمومات. ولكن هذا الاحتمال بعيد جدا لمنافاته بصراحة لرواية أبي هريرة السابقة التي صرحت بقولها : «فلا أراه يخلص إلا مثل همل النعم» وهي أبلغ كناية عن القلّة ، ومعنى ذلك أنها حكمت على أكثرهم بالارتداد ، ومعلوم ان هؤلاء المرتدين الذين حاربهم الخليفة لا يشكلون إلا أقل القليل.
ولو لا أننا في مقام التماس الأدلة إلى أحكام الله عزوجل وهو يقتضينا ان لا نترك ما نحتمل مدخليته في مقام الحجية رفعا أو وضعا ، لكنّا في غنى عن عرض هذه الأخبار والأحاديث والتحدث فيها.
وما يقال عن هذه الأحاديث ، يقال عن آية (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً)(١) وكأن هذه الأحاديث واردة مورد التفسير لهذه الآية ، ومؤكدة لتحقق مضمونها بعد وفاته.
الثالث : «ان جمهور العلماء قدموا الصحابة عند ترجيح الأقاويل ، فقد جعل طائفة قول أبي بكر وعمر حجة ودليلا ، وبعضهم عدّ قول الخلفاء الأربعة دليلا ، وبعضهم يعدّ قول الصحابة على الإطلاق حجة ودليلا ، ولكل قول من هذه الأقوال متعلق من السنة ، وهذه الآراء وإن ترجّح عند العلماء خلافها ففيها تقوية تضاف إلى امر كلي هو المعتمد في المسألة ، وذلك ان السلف والخلف من التابعين ومن بعدهم يهابون مخالفة الصحابة ويتكثرون بموافقتهم ، وأكثر ما تجد هذا المعنى
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ١٤٤.