ثم لا يذهب عليك انه مع هذا الاحتمال ، لا مجال لدعوى الوثوق ، فضلا عن القطع ، بكونها حقائق شرعية ، ولا لتوهم دلالة الوجوه التي ذكروها على ثبوتها (١)
______________________________________________________
. فانه يقال : انها بعد ان كانت موضوعة للمعاني المركبة من عدة اشياء ، لا للدعاء ، أو العطف ، فاختلاف الاجزاء والشرائط بين شريعتنا ، والشرائع السابقة من قبيل اختلافها في شرعنا من صلاة المريض والمختار ، والاختلاف في محققات المفهوم لا يقتضي تجدد الوضع ، فان لفظ الميزان ـ مثلا ـ موضوع لما يوزن به ، فما يوزن به المواد الموزونة ميزان ، وما يوزن به الاعمال يوم القيامة ايضا ميزان ، لا أن الميزان مستعمل فيما توزن به الاعمال استعمالا مجازيا. إلّا ان الشأن في اصل الدعوى : وهو كون هذه الالفاظ بنفسها موضوعة لهذه المعاني في الشرائع السابقة. وكيف ذلك والشرائع السابقة ليست لغتها عربية ، بل سريانية وعبرية وغير ذلك من اللغات. فالظاهر من هذه الآيات المباركة ان هذه المعاني التي كلفهم بها كانت مكتوبة ومكلف بها غيرهم من الامم السابقة في الشرائع المتقدمة ، لان هذه المعاني قد وقع التكليف بها بما انها موضوع لها هذه الالفاظ كما هو واضح.
(١) حاصله : انه اذا احتملنا هذا الاحتمال ، وانها موضوعة لهذه المعاني في الشرائع السابقة ، لا دلالة لما ذكر من الوجوه ، وهو التبادر ، والتأييد المذكور ، أو عدم صحة السلب عن هذه المعاني على الحقيقة الشرعية ، فان هذه الوجوه تدل على ان هذه المعاني موضوعة لها هذه الالفاظ ، لا أن الواضع لها هو الشارع ، وانما كانت تدل على ذلك حيث يعلم قطعا : بان هذه المعاني ليست حقائق لهذه الالفاظ قبل زمان الشارع ، ثم صارت حقائق لها عنده ، فيكشف بالقطع انه هو الواضع ، اما مع هذا الاحتمال ، فلا كاشف قطعي : من ان الواضع هو الشارع ، وان كشفت هذه الوجوه عن انها حقائق لها.