وأما الصيغ الانشائية ، فهي على ما حققناه في بعض فوائدنا موجدة لمعانيها في نفس الامر ، أي قصد ثبوت معانيها وتحققها بها ، وهذا نحو من الوجود (١) ، وربما يكون هذا منشأ لانتزاع اعتبار مترتب عليه شرعا
______________________________________________________
بنحو فنائه في مطابقه مستفاد من نفس الحكاية ، لوضوح ان الالفاظ موضوعة للمعاني ، والاستعمال ايجاد للفظ بالذات وللمعنى بالعرض ، وهو المراد من كونه ايجادا ووجودا تنزيليا للمعنى المجرد عن كل حيثية ، وان فناءه في مطابقه ليس جزء المعنى الموضوع له ، بل هو من شئون الاستعمال ، وان الغرض من هذا الاستعمال هو الطريق الى المطابق وهو معنى قصد الحكاية ، وليس هو داخلا في المستعمل فيه ، وهذا مراد المصنف من قوله : «فهي دالة على ثبوت النسبة بين طرفيها او نفيها» اي سلب النسبة في القضية السالبة ، فثبوت النسبة في الجملة الخبرية الايجابية ونفي النسبة وسلبها في القضية الخبرية السالبة «في نفس الامر» الاعم من الذهن والخارج ، ولكن هذه الدلالة مستفادة من قصد الحكاية لوضوح ان لفظي الموضوع والمحمول في القضية انما يدلان على معناهما المجردين ، والنسبة بينهما المستفادة اما من هيئة الجملة او من الادوات تدل على ثبوتها بين الطرفين ، وأما كون هذا الثبوت في الخارج او الذهن فليس مدلولا لالفاظ القضية. نعم هو مستفاد من قصد الحكاية ، فالجملة بواسطة قصد الحكاية على ان المراد من هذا الثبوت او السلب تحققه او نفيه في نفس الامر ، لا ان نفس الامر بعض الموضوع له في الجملة.
(١) لا يخفى ان نفس الامر الذي ذكره في بيان شرح حقيقة الصيغ الانشائية غير نفس الامر الذي ذكره في بيان الجمل الخبرية ، فان المراد من نفس الامر في الجمل الخبرية هو المحل لمطابق الجمل الخبرية الذي كانت الجمل الخبرية بما لها من الثبوت أو السلب طريقا اليه ، اما نفس الامر في الصيغ الانشائية فالمراد منه هو الواقع الذي يحصل بالانشاء ، لأن الانشاء ليس فيه حكاية حتى تكون هناك مطابقة اولا مطابقة ، وليس وراء قصد الانشاء هناك شيء ، فلا بد وان يكون المراد من نفس الامر هو الواقع