دفع وهم : لا يخفى أنه ليس غرض الاصحاب والمعتزلة ، من نفي غير الصفات المشهورة ، وأنه ليس صفة أخرى قائمة بالنفس كانت كلاما نفسيا مدلولا للكلام اللفظي ، كما يقول به الاشاعرة ، إن هذه الصفات المشهورة مدلولات للكلام.
______________________________________________________
كصفة الخالق عن عامة ذوي الاديان القائلين بحدوث العالم ، وانه كان الله ولم يكن معه شيء ، وبعد ان التزموا : بان صفة التكلم له ـ جل وعلا عن ذلك ـ هي قديمة بقدم الذات ، وقد صرحوا : بانها غير الارادة والعلم ، وقالوا : بقدم القرآن بما هو كلام ، لا بما هو متعلق العلم ، وهذا الكلام القديم هو المسمى بالكلام النفسي ، ولا اشكال ولا ريب ان مداليل الالفاظ القرآنية وهي المعاني المستعملة فيها الفاظ القرآن الحادثة عند نزول القرآن على لسان جبرئيل هي حادثة ، فلذلك قالوا : بان وراء هذا الكلام اللفظي كلام آخر هو الكلام النفسي ، وهو غير الارادة والعلم وهو الطلب في الاوامر القرآنية ، وغير العلم في جملة الخبرية وغير الاستفهام والترجي الى آخر ما قالوا. ومن هذا الرأي وهو الكلام النفسي نشأت دعوى المغايرة بين الطلب والارادة ، لأن الطلب الحقيقي هو الكلام النفسي في الاوامر القرآنية واذا كان الطلب الحقيقي هو عين الارادة الحقيقية تكون صفة المتكلم هي صفة المريد ، فلا تكون هناك صفة اخرى قديمة مسماة بالكلام النفسي وهي غير الارادة ، واذا كان الطلب الحقيقي هو الكلام النفسي عندهم فلا بد وان يكون الطلب الحقيقي غير الارادة الحقيقية ، والّا لاتحدت صفة المتكلم والمريد مفهوما وان لا يكون هناك كلام نفسي قديم هو غير الارادة والعلم.
فالصلح لا يعقل ان يتاتى بين الطرفين لصراحة كلماتهم بذلك ، وان دعوى المغايرة هنا بين الطلب والارادة من فروع قولهم بالكلام النفسي القديم الواقع في قبال الارادة.