وقد انقدح مما حققناه ، ما في استدلال الاشاعرة على المغايرة بالامر مع عدم الارادة ، كما في صورتي الاختيار والاعتذار من الخلل ، فإنه كما لا إرادة حقيقة في الصورتين ، لا طلب كذلك فيهما ، والذي يكون فيهما إنما هو الطلب الانشائي الايقاعي ، الذي هو مدلول الصيغة أو المادة ، ولم يكن بينا ولا مبينا في الاستدلال مغايرته مع الارادة الانشائية.
وبالجملة : الذي يتكفله الدليل ، ليس إلا الانفكاك بين الارادة الحقيقية ، والطلب المنشأ بالصيغة الكاشف عن مغايرتهما وهو مما لا محيص عن الالتزام به ، كما عرفت ، ولكنه لا يضر بدعوى الاتحاد أصلا لمكان هذه المغايرة والانفكاك بين الطلب الحقيقي والانشائي ، كما لا يخفى (١). ثم إنه يمكن مما حققناه أن يقع الصلح بين الطرفين ، ولم يكن
______________________________________________________
قيام البرهان على عدم الملازمة في الواجب ، وحيث لا مانع عنها في الممكن فالدلالة الالتزامية موجودة في الممكن دون الواجب.
(١) من جملة ما استدل به الاشاعرة على مغايرة الطلب والارادة هذا الذي اشار اليه.
وحاصل الاستدلال وتقريبه : انه لا اشكال في موردي الاوامر الاختبارية والاعتذارية من تحقق الطلب الحقيقي ولا ارادة حقيقية ، ولازمه كون الطلب الحقيقي غير الارادة الحقيقية فتتحقق المغايرة ، وتوضيحه ببيان امرين :
الاول : ان الفرق بين الاوامر الاختبارية والاعتذارية : هو انه في المورد الاول يكون غرض المولى اختبار حال عبده ، وانه هل هو ممن يطيع أوامره او يعصيها فيامره لاجل هذا الغرض ، وفي المورد الثاني يكون الغرض ان يكون امر العبد منكشفا لمولاه وانه ممن لا يطيع اوامره ومن العاصين لاوامره ، إلّا انه لا يستحق تقبيحه او عقابه من دون امره له فيأمره بشيء يكون الغرض من امره هو اظهار حقيقته لمن ربما