أضف إلى ذلك انه لو تم ذلك فإنما هو في الموجودات العينية الخارجية لا في أفعال العباد فانه ليس لاحد التفوه بأن من شرع في فعل يتم ذلك وان لم تبق ارادته المتعلقة به مثلا من كبر يتم صلاته بنفسها وان انعدمت الإرادة : والوجه في ذلك ما تقدم في مبحث الطلب والإرادة من ان الفعل الاختياري ما سبقه أعمال القدرة والاختيار وهو فعل اختياري للنفس وليس من الصفات ويكون هو الواسطة بين الشوق والفعل الخارجي ، وعليه فالفعل الإرادي تابع لاعمال النفس قدرتها في الفعل فإن لم يعملها استحال تحققه.
وأيضا هو من الضروريات ومن القضايا التي قياساتها معها بلا حاجة إلى تشكيل قياس والاستدلال له.
بقي الكلام فيما ذهب إليه الكعبي (١) من القول بانتفاء المباح الذي عرفت ان مبناه هو القول الثالث ، وكيف كان فهو يتوقف على مقدمتين :
الأولى : ان ترك الحرام متوقف على فعل من الأفعال الوجودية ، بدعوى استحالة خلو المكلف عن فعل من الأفعال الاختيارية.
الثانية : احتياج الحادث في بقائه إلى المؤثر وان العلة المحدثة لا تكفى في البقاء ، وعليه فبما ان ترك الحرام يتوقف حدوثا وبقاءً على إيجاد فعل من الأفعال فيكون واجبا بالوجوب المقدمي ولا يمكن فرض مباح في الخارج.
وفيه ان المقدمة الأولى مخدوشة ، إذ ترك الحرام انما يكون بعدم ارادته وحينئذٍ
__________________
(١) حكاه منه في أجود التقريرات ج ١ ص ٢٥٤ وفي الطبعة الجديدة ج ٢ ص ١٠ ـ ١١. وقد مر تخريجه في شرح المختصر للعضدي ج ١ ص ٩٦.