قوله : ان قلت على هذا يلزم ان يكون في الغالب او الاغلب مجازا ... الخ اذا كان استعمال المشتق في موارد الانقضاء كثيرا يلزم ان يكون استعمال المشتق في الغالب مجازا. ومن المعلوم ان المجاز حلاف الاصل بل ربما لا تلائمه حكمة الوضع ، فان اللفظ انما وضع ليستعمل فيما وضع له فاذا وضع للنادر وهو وضعه للمتلبس بالمبدإ في الحال ، ولم يوضع للكثير وهو وضعه لمن انقضى عنه المبدأ ، فهذا الوضع لا يناسب حكمة الوضع ، اذ حكمة الوضع هي ابراز المعاني المحتاج اليها في المحاورات والمخاطبات بالالفاظ الموضوعة لهذه المعاني.
والحال ان الفرض عدم وضع المشتق للكثير ، وهو من انقضى عنه المبدأ ، بل وضع للقليل ، وهو وضعه للمتلبّس بالمبدإ في الحال. لا يقال : انه كيف يكون استعمال المجازي اذا كان كثيرا غير مناسب لحكمة الوضع ، والحال ان اكثر المحاورات مجازات ، بل هي موجبة لحسن الكلام ولكمال بلاغته. ولذا قيل أن باب المجاز واسع. لانا نقول ان اكثر المحاورات مجازات ، فهذا القول صحيح متّفق عليه ، ولكن المراد من هذه الكثرة هو تعدد المعاني المجازية بالاضافة الى المعنى الحقيقي الواحد. وذلك نحو لفظ (الاسد) الذي وضع للحيوان المفترس ، واستعمل مجازا في كل رجل شجاع.
ومن الواضح ان هذه الكثرة لا تقدح بالوضع لمعنى واحد ، بل المراد بالكثرة القادحة في حكمة الوضع كون استعمال كل لفظ في المعنى المجازي الواحد اكثر من استعمال هذا اللفظ في المعنى الحقيقي.
وهذه الكثرة لا تلائم حكمة الوضع التي هي وضع اللفظ للمعنى الذي تكثر الحاجة اليه ، والمفروض كون الحاجة الى المعنى الانقضائي في المشتق اكثر من المعنى التلبّسي.
اذا عرفت ما ذكرنا ، فاعلم ان حكمة الوضع تقتضي وضع المشتق للاعم من المتلبس بالمبدإ في الحال وممن انقضى عنه المبدأ. نعم ربما يتّفق أن يكون استعمال اللفظ في المعنى المجازي اكثر من استعماله في المعنى الحقيقي لكثرة الحاجة الى