فتحصّل مما ذكرنا انّ التبادر عند العالم بالوضع علامة للحقيقة للجاهل به. فالمستعلم يرجع الى العالم بالوضع كما هو معلوم عند اهل المحاورة في استعلام اللغات وتعاليمها وتعلّمها. وبهذا يندفع اشكال الدور ، اذ علم المستعلم بالوضع يتوقف على التبادر ، ولكن هو يتوقف على علم اهل المحاورة الذي يكون عالما بالوضع. ولكن قد ينجرّ الكلام الى كلام آخر للمناسبة ، وهو اشكال ابي سعيد علي ابن سينا بانّ بديهي الانتاج من الإشكال الاربعة هو الشكل الاول ولكن الاستدلال به يستلزم الدور ، لان العلم بالنتيجة يتوقف على العلم بكبرى القياس ، والعلم بالكبرى يتوقف على العلم بالنتيجة اي على العلم بثبوت الاكبر للاصغر.
مثلا : اذا قلنا العالم متغير ، وكل متغير حادث ، فالعالم حادث ، فالعلم بحدوث العالم يتوقف على العلم بحدوث كل متغير ، والعلم بحدوث كل متغير يتوقف على العلم بحدوث العالم ، لان العالم يكون من مصداق المتغير ، فاجاب ابن سينا عنه :
بالاجمال والتفصيل بان العلم التفصيلي بالنتيجة يتوقف على العلم بالكبرى ، والعلم بالكبرى يتوقف على العلم الاجمالي ، بالنتيجة فيكون الموقوف شيئا والموقوف عليه شيئا آخر ، اذ الاول علم تفصيلي ، والثاني علم اجمالي. فهذا الجواب يناسب جواب ما نحن فيه وهو الجواب عن غائلة الدور.
عدم صحة السلب :
قوله : ثم ان عدم صحة سلب اللفظ بمعناه المعلوم المرتكز في الذهن اجمالا ... الخ علامة كون اللفظ حقيقة في المعنى الذي استعمل فيه كاستعمال لفظ الحمار في الناهق ، فلا يصح ان تقول ان الناهق ليس حمارا ، كما يصح ان تقول الناهق حمار ، فعلم من عدم صحة السلب ومن صحة الحمل انّ استعمال لفظ الحمار في الحيوان الناهق يكون على نحو الحقيقة ، وقد يستعمل في الرجل البليد فيصح ان تقول ان رجلا بليدا ليس حمارا فنعلم من صحة السلب ومن عدم صحة الحمل ان استعمال لفظ الحمار في الرجل البليد يكون على نحو المجاز.