ومن أجل توضيح هذا ، لا بدّ من نبذة إجمالية يأتي تفصيلها عن كيفية التوفيق بين الأحكام الواقعية والظّاهريّة ، وكيفيّة رفع التضاد بينهما بلحاظ عالم المبادئ ، لنرى أنّ ذلك العلاج والتوفيق لا يأتي في محل الكلام.
وهذا يستدعي رسم مقدّمة ، حاصلها هو ، أنّ الأحكام على قسمين.
١ ـ القسم الأول : الأحكام النفسية ، والمقصود بها ، الأحكام الناشئة من مصالح ومفاسد في متعلّقات أشخاصها من قبيل وجوب الصّلاة الناشئ من مصلحة ملزمة في الصّلاة ، وهكذا بقية الأحكام النفسية ، فإنّ هذه الأحكام هي بنفسها تتنجز وعليها ثواب ، ولها عقاب باعتبارها أحكام نفسية.
٢ ـ القسم الثاني : هو الأحكام الطريقية ، وهي اسم لأحكام تكون ناشئة من مصالح ومفاسد في متعلقات تلك الأحكام النفسية لا متعلقاتها هي ، وهذا يكون في مورد اختلاط متعلقات الأحكام النفسية وعدم تميّزها على المكلّف خارجا ، فإنّ المكلّف ، تارة يميّز موارد الأحكام النفسية ، وهنا لا يكون موضوع للأحكام الطريقية أصلا ، وأخرى يفرض أنّ المكلّف لا يصيبها بأعيانها ، فلا يدري أيّ الإناءين هو الخمر.
فهنا يوجد عندنا أحكام نفسية ناشئة من ملاكات في أنفسها لحرمة الخمر الناشئة من مفسدة نفسية في نفس الخمر ، وإباحة الخل الناشئة من مصلحة نفسية في إطلاق العنان نحو الخل.
فهذان حكمان نفسيان ، فإذا ميّز بينهما المكلّف فلا أحكام طريقيّة ، وإذا لم يمكنه أن يميّز بينهما واشتبه عليه الحلال بالحرام ، إمّا بنحو الشبهة الموضوعية ، أو بنحو الشبهة الحكمية ، حينئذ ، في هذه الحال ،