يستشكل أحد في أنّه لا يكفي مجرد احتمال الامتثال للتأمين ، بل لا بدّ من تحصيل الجزم بالإتيان بها ، لأنّ الوجوب خرج عن اللّابيان إلى البيان ودخل في العهدة ، وهذا مفروغ عنه فإنّهم قالوا بأنّ الشك في أصل التكليف مؤمّن بقاعدة قبح العقاب بلا بيان ، وأمّا إذا تنجز التكليف وشك بامتثاله فلا بدّ من الجزم بامتثاله لخروجه من اللّابيان إلى البيان ، ومعه لا بدّ من تفريغ الذمّة وهو لا يتمّ إلّا بالعلم بالموافقة القطعية ، إذن فالبحث في العلم الإجمالي بحسب الحقيقة بحث في أنّ المقدار الّذي تنجز من التكليف وخرج عن اللّابيان إلى البيان بالعلم ، فهذا المقدار بما ذا تحصل موافقته القطعية ، فهل تحصل بالإتيان بكلا الطرفين ، أو بأحدهما فقط؟ وإن كان من الواضح أنّ الموافقة القطعية للتكليف الواقعي لا تحصل إلّا بالإتيان بالطرفين بهما معا ، إذن فالبحث صغروي بلحاظ المقدار المنجز من التكليف ، فلو ثبت أنّ المقدار المنجز لا تحصل موافقته القطعية إلّا بالإتيان بكلا الطرفين فلا إشكال ، حينئذ في وجوب الإتيان بهما عقلا ، لأنّه من باب الشك في الامتثال ، وحينئذ ، فالشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
وبعد هذه المقدّمة الّتي تشكّل أصلا موضوعيا للبحث ، نأتي إلى أصل المطلب فنقول :
إنّ الدعوى الأول تتضمن انّ الشّبهات الحكمية المقرونة بالعلم الإجمالي ، هذا العلم لا ينجز وجوب الموافقة القطعية ، أي أنّه لا يلزم عقلا الإتيان بالطرفين.
وبيان هذه الدعوى يكون بتوضيح نكتتين.
١ ـ النكتة الأولى : هي انّ العلم الإجمالي ينجز المقدار الّذي تعلّق العلم ، لأنّ هذا هو الّذي يخرجه عن اللّابيان إلى البيان ـ هذا بناء على افتراض تمامية قاعدة قبح العقاب بلا بيان ـ إذ المقدار الّذي