وهذا المدّعى لا يفرق فيه ـ من زاوية غرضنا البحثي ـ بين أن يقال : إنّ الخطأ يقع في قوّة واحدة من قوى النّفس الدرّاكة ، أو انّ قوى النّفي الدرّاكة لو لوحظت كل قوّة قوّة ، لا يقع فيها خطأ ، بل الخطأ يقع من حيث تلفيق النّفس وإصدار أحكام ناتجة عن التلفيق بين مدركات القوى الدرّاكة كما يدعي الفلاسفة ، كما لو رأينا شخصا أسودا وحكمنا عليه بأنّه إفريقي وهو ليس كذلك ، فإنّ هذا خطأ في الحكم ، لكن مردّ هذا الخطأ إلى حكمين لقوّتين درّاكتين كلاهما صواب في نفسه صحيحا ، أحدهما أنّه أسود ، وهو حكم لقوّة الإدراك الحسّي ، وهو مطابق للواقع ، وحكم آخر ، وهو انّ هذا الأسود ـ على نحو القضية الكلية الغالبية ـ إفريقي ، وهذا حكم عقلي صحيح ، صدر من العقل ، وهو مطابق للواقع ، ولكن وقع الاشتباه من قبل النّفس في مقام استنتاج حكم ثالث من هاتين القوّتين فأخطأت.
وعلى كلّ حال ، فهذا بحث فلسفي سواء أكان صحيحا أم لا ، لا ندخل فيه ، وإنّما تحقيقه في الفلسفة ، ولا دخل له في غرضنا سواء كان الخطأ يقع في قوّة دراكة واحدة ، أو من التلفيق من قوّتين.
كما أنّه لا يفرق في غرض الإخباريين ، حيث أنّ الدليل هو حصيلة هذه المدركات ، حينئذ قالوا : بأنّ الدليل العقلي حيث يقع فيه الخطأ كما عرفت ، فكيف يمكن أن يعوّل عليه؟
وقد نقل عن السيّد البروجردي «قده» قوله : انّ هذه النزعة الّتي ظهرت على أيدي الإخباريين ـ من عدم التعويل على الدليل العقلي وحصر المعرفة بالحس ـ يحتمل أن تكون قد تسربت إليهم من الاتجاه والنزعة التجريبية والحسية في الفلسفة الأوروبية ، لأنّ هذه النزعة الإخبارية كانت قد ظهرت عقيب تلك النزعة التجريبية الحسية ، فكما أنّ تلك النزعة رفضت العقل وحصرت المعرفة بالحس ،