نعم هذا الوجه فيه جهة قصور عن الوجوه السابقة ، وهو أنّه يختصّ بأبواب العبادات الّتي أخذ في متعلق الأمر فيها قصد القربة ، ولا يجري في التوصليات البحتة المستغنية عن أخذ قصد القربة فيها ، فلا تحصص بحصة خاصة.
إلّا أنّ هذا الوجه إنّما يتعقل فيما لو فرض أنّ تحصيل العلم بالدليل الشرعي كان تحت قدرة المكلّف واختياره ، وأمّا إذا لم يكن تحت قدرته واختياره ، وكان أمرا اتفاقيا قد يحصل بلا اختيار وقد لا يحصل ، حينئذ يكون هذا القيد من قيود الواجب ، يجب أخذه في الوجوب أيضا لا الواجب ، لما برهنّا عليه في بحث مقدّمة الواجب من أنّ قيود الواجب إذا كانت اختيارية فيعقل أخذها في الواجب وعدم أخذها في الوجوب ، ويكون اللازم حينئذ إيجادها من المكلّف ، وأمّا إذا كانت غير اختيارية «كالوقت» مثلا ، فإذا أخذت في الواجب وجب أخذها في الوجوب أيضا ، وإلّا لزم البعث نحو تحصيلها وهو محال ، لاستحالة التحريك نحو غير المقدور ، إذ أنّ قصد القربة مقيّد بالعلم الشرعي بالأمر ، إذن فهذا العلم الشرعي بالأمر يكون قيدا في الواجب ، وحينئذ ، فإن لم يكن هذا العلم تحت القدرة ، فيجب أخذه في الوجوب ، إذن فيرجع إلى أحد الوجوه السابقة مع شيء من التغيير.
هذه وجوه خمسة يمكن أن تذكر في المقام لإثبات قصور الدليل العقلي الناشئ من قصور في عالم الجعل.
وبما بيّناه فيما تقدّم ، حينئذ ، لا يرد ما أورده الشيخ الأعظم «قده» في الرّسائل ، من أنّ هذا القيد الّذي هو ـ «تبليغ الحجّة» ـ حاصل حتّى في حقّ من قام عنده الدليل العقلي ، لأنّ من قام عنده هذا الدليل العقلي على انّ الله سبحانه أوجب صوم شهر رمضان مثلا ، يستكشف من نفس هذا الدليل العقلي دليلا شرعيا وحكما سمعيا ، لأنّ كل ما حكم به الله