إنّه لو لم يكن ناظرا إلى أحكام الخمر لكان هذا الكلام لغوا ، وأمّا هنا فدلالة الاقتضاء لا تتأتى لأنّ هذا الكلام لا لغو فيه حتّى لو لم ينظر إلى أحكام القطع الموضوعي ، إذ يكفي في إخراجه عن اللغوية أن يكون ناظرا إلى الحكم الواقعي ومنجزا للواقع ، فالقضية هنا أشكل لو فرض أنّ العملية كانت تنزيلا ، إذ لو كان مفاد دليل الحجيّة هو التنزيل ، إذن التنزيل معناه ، النظر إلى الآثار ، فإذا شكّكنا أنّه ناظر إلى بعضها أو كلّها ، نتمسك بالإطلاق.
وأمّا على صياغة الميرزا «قده» حينما يكون مفاد دليل الحجيّة اعتبار الظن علما ، فنفس المفاد الأولي لم يؤخذ فيه نظر إلى الآثار ، فالنظر لها يحتاج إلى قرينة ، والقرينة العرفية في سائر الموارد هي دلالة الاقتضاء ، ودلالة الاقتضاء لا تتأتى في المقام ، إذ يكفي في رفع اللغوية إقامته مقام القطع الطريقي كما عرفت.
والخلاصة : هي أنّه ـ كما عرفت ـ في موارد الدليل الوارد مع الدليل المورود ، لا يحتاج الوارد إلى نظر إلى المورود ، لأنّ الدليل الوارد يتصرف في موضوعه تصرفا حقيقيا تكوينيا ، وسريان حكم المورود إلى الفرد الّذي حقّقه الوارد يكون بنفس الدليل المورود ، لا بالدليل الوارد ، لأنّ هذا الفرد مصداقا لموضوعه حقيقة ، فإطلاق دليل المورد يكون شاملا له.
وأمّا في موارد الدليل الحاكم ، فسريان حكم الدليل الحاكم إلى المورد الّذي تمّت فيه الحاكمية ، لا يكون بإطلاق الدليل المحكوم ، لأنّ هذا مجرد فرد عنائي له ، فلا يشمله إطلاق الدليل المحكوم ، وإنّما يكون إسراء الحكم إلى مورد الدليل الحاكم ببركة الدليل الحاكم ، ومن هنا احتاج الدليل الحاكم إلى أن يكون ناظرا إلى الدليل المحكوم ، كي يكون بهذا النظر متكفلا بإسراء حكمه إلى مورده.