طريقة استعمال اللفظ في الإنشاء والإخبار بحسب المدلول التصديقي لا التصوري إنّما هو أمر غير عرفي ، نظير قوله «يعيد» وهو يريد بذلك ، إنشاء الأمر ، والإخبار عن الإعادة.
هذا حتّى ولو كان المدلول التصوري للجمل المشتركة في الإنشاء والإخبار واحدا كما عرفت ذلك في بحث الوضع.
وكأنّ صاحب الكفاية «قده» (١) كان يشعر بذلك ، ومن هنا حاول التعبير عن شعوره هذا ، لكن بيانه جاء قاصرا لم يتطابق مع واقع شعوره بذلك ، فتمسك بما ذكرنا ، مع أنّ واقع الإشكال عرفي لا عقلي كما عرفت ، فيبقى الدليل قاصرا عن إفادة كلا المطلبين ، وهو إشكال إثباتي لا ثبوتي مرجعه إلى مرحلة المدلول التصديقي لا التصوري.
ثمّ إنّ الميرزا «قده» (٢) أراد أن يتخلص من برهان صاحب الكفاية على الاستحالة فأفاد ، بأنّ دليل الحجيّة إذا كان لسانه أنّ الامارة قطع وعلم ، فهذا اللّسان واف بكلا المطلبين وذلك بتنزيل الامارة منزلة القطع الطريقي ، من دون لزوم اجتماع اللحاظين ، بل اللحاظ استقلالي فقط ، حيث يلحظ كلا من القطع والظن استقلالا ويقال : إنّ هذا هو ذاك ، ولكن لا بنحو التنزيل ليلزم الإشكال من ناحية جعل المنجزية ، فإنّه لو كان لسانه لسان تنزيل الظن منزلة القطع ، لكان مرجعه إلى جعل أحكام القطع للظن ، ومن جملة أحكام القطع ، المنجزية ، فيرجع حينئذ إلى جعل المنجزية ، وهو محال عند الميرزا «قده» ، لأنّه خلاف قاعدة قبح العقاب بلا بيان كما مرّ معنا ، ولهذا أدخل تعديلا على هذه العبارة وقال : إنّها بنحو الاعتبار لا التنزيل ، أي جعل الظن واعتباره علما ، وهذا هو مبنى جعل الطريقية الّذي تقدّمت الإشارة إليه.
__________________
(١) المصدر السابق.
(٢) فوائد الأصول : الصفحات السابقة.