ومن الجدير بالذكر أنّ الآية الاولى تختص بالمؤمنين والآية الثانية بالظالمين ، وهذا يدل بوضوح على أنّ الجميع من المحسنين والمسيئين سوف يستولي عليهم الرعب في ذلك اليوم المفزع ، وذلك (لجهل الناس بعواقب أعمالهم بسبب الدقة والشدة في الحساب الإلهي فلا أحد يعلم بالضبط إلى اين ينتهي مصيره.
«تتقلب» : بمعنى انقلاب الشيء رأساً على عقب وبمعنى التحوّل ، وللمفسرين تعابير مختلفة في تفسير هذه الجملة تشير جميعها إلى الخوف والاضطراب الشديد الذي يهيمن على ظاهر وباطن الإنسان وعلى بصره وبصيرته.
«تَشْخَصُ» : من مادة «شخوص» بمعنى توقف العين والأجفان عن الحركة والتركيز بالنظر على نقطةٍ دون التفات.
والأصل في «شخوص» على وزن «خلوص» هو بمعنى القيام أو الخروج ، و «الشخص» من حيث إنّه يبدو من بعيد على هيئة بارزة اطلق عليه كلمة شخص ، وخروج الإنسان من محلٍ آخر يطلق عليه الشخوص أيضاً.
و «شاخص» : المشتق من نفس هذه المادة أيضاً بمعنى الجسم المرتفع الذي يستخدم لقياس الوقت وأمثال ذلك (١).
وبما أنّ عين الإنسان حين التعجب والتحديق كأنّها تريد أن تخرج من حدقتها فقد استعمل هذا التعبير في عدة موارد ، بلى إنّ الناس في عرصة المحشر يصبحون أُسارى الخوف بنحوٍ يجعل عيونهم تتوقف عن الحركة وتشخص وكأنّها تريد أن تخرج من حدقتها ، وهذه الحالة تظهر لدى الإنسان أحياناً في حال الاحتضار.
ومن البديهي أن تكون هذه الحالات أشد بكثير عند المذنبين والمجرمين ، ولذا جاء في القرآن المجيد : (وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا). (الأنبياء / ٩٧)
* * *
__________________
(١) مفردات الراغب ؛ ومقاييس اللغة ؛ والمصباح ؛ والتحقيق في كلمات القرآن الكريم.