وتحدثت الآية السابعة عن «المطففين» (الذين ينقصون الكيل) ، قال تعالى : (وَيَلٌ لِّلْمُطَفِّفينَ ... الا يَظُنُّ اولَئِكَ أَنَّهُمْ مَّبْعُوثُونَ* لِيَومٍ عَظِيمٍ* يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمينَ).
ومن المحتمل هنا أن يكون الظن بمعنى اليقين ، أو بمعنى الظن بالمعنى الثاني ، والهدف هو التأكيد على هذا الواقع وهو أنّ يوم الجزاء يبلغ من الأهميّة والعظمة ، ممّا يجعل من يظن وقوعه يحرص على عدم ارتكاب المعصية فضلاً عن أن يكون متيقناً.
لكن الكثير من المفسرين انتخبوا المعنى الأول أيضاً ، كما جاء في بعض الآيات السابقة مثل الآية ٢٤٩ من سورة البقرة ، وقد أكّدت الروايات على هذا المعنى أيضاً (١).
على أَىِّ حال فإنّنا إن فسّرنا الظنّ باليقين أو بالظن الذي هو أقل درجةً من اليقين ، ففي كلا الحالتين تعتبر الآية دليلاً على أنّ الإيمان بالقيامة له أثر احترازي مهم ، في ترك الظلم والكف عن غصب حقوق الناس وأمثال ذلك.
فكلما قطع أحدٌ ، أو حتّى لو احتمل أنّ هناك محكمة عظيمة ، يُحاسَبُ فيها على الأعمال الصالحة أو الطالحة حتى لو كان مقدارها «مثقال ذرة» ، وينالُ جزاءه على كل عمل ، وأنّه لا مفر له من الامتثال أمام تلك المحكمة ، فمن البديهي أن يراقب الشخص أعماله في هذه الدنيا ، وإيمانه هذا واعتقاده سوف يؤثّر في تربيته.
ومن الطبيعي أنّه ليس المراد هنا بأنّ كل من ينقص الكيل ، أو يرتكب ذنباً آخر لا يؤمن بالمعاد وهو كافر ، بل المراد هو أنّ هؤلاء إمّا أن يكون إيمانهم ضعيفاً جدّاً أو أن يكونوا غافلين ، وإلّا فكيف يؤمن الإنسان إيماناً راسخاً بمثل هذا اليوم ويبتلى بالغفلة أيضاً ويغرق بمثل هذه الذنوب.
* * *
لو آمنوا بالمعاد لما ارتكبوا الذنوب :
تحدثت الآية الثامنة عن الذين تقاعسوا عن الاشتراك في الجهاد عندما صدر الأمر بهذه
__________________
(١) ورد في احدى الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام أنّه قال : «الظنّ ظنان : ظنُّ شكٍّ وظنُّ يقين ، فما كان من أمرِ المعاد من الظنّ فهو ظنُّ يقين وما كان من أمرِ الدنيا فهو على الشك». (تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٥٢٨ ، ح ٦) كما جاء في عبارة الراغب أيضاً إنّ (ظنّ) في اللغة تستعمل في كلا الموردين.