أنّ طريق محاورات الشارع في تفهيم مقاصده للمخاطبين لم يكن طريقا مخترعا مغايرا لطريق محاورات أهل اللسان في تفهيم مقاصدهم.
______________________________________________________
(إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ ...)(١).
وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّا معاشر الأنبياء ، أمرنا أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم» (٢).
فانّ الآية والرواية تشملان الظاهر والقدر معا ، بمعنى : انّا نكلّمهم حسب الظواهر الّتي يفهمونها ، وانّا نكلّمهم حسب مقدار افهامهم.
ومن المعلوم (انّ طريق محاورات الشارع في تفهيم مقاصده للمخاطبين) ومن عناهم من غيرهم ، فانّ الشارع لا يتكلّم للمخاطبين فقط ، وانّما لهم ولكلّ من يأتي ولمن لم يكن حاضرا مجلس الخطاب من الغائبين والمعدومين حال الخطاب (لم يكن طريقا مخترعا) كطريق الرموز والاشارات الّا نادرا ، كما انّ النّادر موجود ايضا عند سائر اهل اللسان ، لكن لا يبنى عليها ، فلم يكن طريق الشارع (مغايرا لطريق محاورات اهل اللسان في تفهيم مقاصدهم).
لا يقال : فكيف اختصّ رسولنا صلىاللهعليهوآلهوسلم في الكلام بلغة واحدة ، وهي العربية؟.
لأنّه يقال : هذا من ضيق مجال المخاطب ، حيث لم يكن يفهم كلّ لغة ، وضيق مجال الكلام ، حيث لم تكن اللغة تعرب اكثر من لسان واحد ، والّا لأمكن المتكلّم انّ يتكلّم بما يفهم منه مختلف الالسنة ، كما ورد عن احد الحكماء انّه لمّا سمع انّ راعيا ـ موسى الكليم ـ يدّعي النبوّة جاء اليه وسأله قائلا : أنت الّذي تزعم انّ علة
__________________
(١) ـ سورة ابراهيم : الآية ٤.
(٢) ـ الكافي (اصول) : ج ١ ص ٢٣ ح ١٥ والكافي (روضة) : ج ٨ ص ٢٦٨ ب ٨ ح ٣٩٤ ، الامالي للشيخ الصدوق : ص ٤١٨ ، تحف العقول : ص ٣٧ ، بحار الانوار : ج ١ ص ٨٥ ح ٧ ب ١.