وليس يمكن ان تنزل القدرة في مصاحبتها للفعل الذي تؤثر فيه منزلة العلة المصاحبة للمعلول ، لأن القدرة ليست علة في المقدور ولا موجبة له ، بل تأثيرها اختيار وإيثار من غير إيجاب. لما قد بين في مواضع كثيرة من الكتب.
ولو لا أنها مفارقة للعلة بغير شبهة لاحتاج المقدور في حال بقائه إليها ، كحاجته في حال حدوثه ، لأن العلّة يحتاج المعلول إليها في كل حالة من حدوث أو بقاء. ولا خلاف في أن القدرة يستغني عنها المقدور في حال بقائه.
وقد قال الشيوخ مؤكدين لهذا المعنى : فمن كان في يده شيء فألقاه لا يخلو استطاعة إلقائه من أن تكون ثابتة ، والشيء في يده أو خارج عنها. فان كانت ثابتة والشيء في يده ، فقد دل على تقديمها ، وهو الصحيح. وان كانت ثابتة والشيء خارج عن يده ملقى عنها ، فقد قدر على أن يلقى ما ليس في يده ، وهذا محال. وليس بين كون الشيء في يده وكونه خارجا عنها واسطة ومنزلة ثالثة.
ومما يدل أيضا على أن الاستطاعة قبل الفعل ، أنها لو كانت مع الفعل كان الكافر غير قادر على الايمان لمكان (١) الايمان موجودا منه على هذا المذهب الفاسد ، ولو لم يكن قادرا على الايمان لما حسن أن يؤمر به ، ويعاقب على تركه ، كما لا يعاقب العاجز عن الايمان بتركه ولا يؤمر به. ولا فرق بين العاجز والكافر على مذاهبهم لأنهما جميعا غير قادرين على الايمان ولا متمكنين منه.
قد قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً
__________________
(١) ظ : ولما كان.