____________________________________
للمعدوم وبه يوجد ، أو خطابا للموجود بعد ما وجد لا جائز أن يكون للمعدوم لأنه لا شيء ، فكيف يخاطب ولا جائز أن يكون خطابا للموجود لأنه قد كان فكيف يقال له : كن وهو كائن وإنما هو بيان أنه إذا شاء ما كونه كان فإن قيل : فإذا حصل الوجود بالإيجاد فما فائدة هذا الأمر؟ قلت : إظهار العظمة والقدرة كما أنه تعالى يبعث من في القبور ببعثه ، ولكن بواسطة النفخ في الصور لإظهار العظمة ، أو يقال دلّت الدلائل العقلية على أن الوجود بالإيجاد ، ووردت النصوص القاطعة النقلية على أنه بهذا الأمر فوجب القول بموجبها من غير اشتغال فائدة ، كما أن في الآيات المتشابهات وجب الإيمان بها من غير اشتغال بتأويلها.
وأشار فخر الإسلام البزدوي في أصوله : أن المراد بقوله تعالى «كن» حقيقة التكلّم بهذه الكلمة مجازا عن الإيجاد والتكوين موافقا لمذهب الأشعري مختلفا لعامّة أهل السّنّة ، لأن التمسك بالآية في إثبات المطلوب على هذا القول أظهر ، لأنها أدلّ على أن المراد حقيقة التكلم لأن الأمر فيها مكرر بخلاف سائر الآيات فقال وهذا عندنا وأراد به نفسه ، وأجيب بأن مذهبه غير مذهب الأشعرية ، فإن عنده وجود الأشياء بخطاب «كن» لا غير ، كما أن عند أهل السّنّة بالإيجاد لا غير ، وعند البزدوي وجود الأشياء بالإيجاد والخطاب ، فكان مذهبا ثالثا والله أعلم بالصواب.
والمعنى إذا كلّم أحدا من خلقه فإنما يكلّمه بكلامه القديم الذي قد كتب بالحروف والكلمات الدالّة عليه في اللوح المحفوظ بأمره ولا بكلام حادث ، فإنما الحادث دلائل كلامه وهي الحروف والكلمات لا حقيقة كلامه القائم بالذات فإن كلام الحق لا يشبه كلام الخلق كسائر الصفات ، وقد قال الله تعالى : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً) (١) أي بأن يوحى إليه في الرؤيا كالأنبياء عليهمالسلام ، أو بالإلهام كالأولياء رحمهمالله ، ومنه الخبر أن الله لينطق على لسان عمر رضي الله عنه (٢) ، أو من وراء
__________________
(١) الشورى : ٥١.
(٢) أخرجه أحمد ٢ / ٤٠١ ، وابن أبي شيبة ١٢ / ٢٥ ، وابن حبان ٦٨٨٩ وابن أبي عاصم في السنة ١٢٥٠ ، والبزار ٢٥٠١ ، وعبد الله بن أحمد في زياداته على فضائل الصحابة ٣١٥ ، والقطيعي في زياداته على الفضائل ٥٢٤ و ٦٨٤ من حديث أبي هريرة وأورده الهيثمي في المجمع ٩ / ٦٦ وزاد نسبته إلى الطبراني في الأوسط وقال : رجال البزار رجال الصحيح غير الجهم بن أبي الجهم وهو ثقة.