أصل التوحيد
____________________________________
(أصل التوحيد) أي هذا الكتاب أساس معرفة توحيد الحق على وجه الصواب حكي عن أبي حنيفة رحمهالله أن قوما من أهل الكلام أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية فقال لهم : أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام والمتاع وغيره بنفسها وتعود بنفسها فتترسى بنفسها وتتفرّغ بنفسها وترجع كل ذلك من غير أن يدبرها أحد ، فقالوا : هذا محال لا يمكن أبدا ، فقال لهم : إذا كان هذا محالا في سفينة فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ انتهى. وما أحسن قول العارف إبراهيم الخواص في هذا المعنى :
لقد وضح الطريق إليك حقّا |
|
فما أحد أرادك يستدل |
وكذا قول الآخر من هذا المبنى والمعنى :
لقد ظهرت فلا تخفى على أحد |
|
إلا على أكمه لا يعرف القمرا |
ولقد أحسن أبو العتاهية (١) في قوله :
فوا عجبا كيف يعصى الإله |
|
أم كيف يجحده الجاحد |
ولله في كل تحريكة |
|
وتسكينة أبدا شاهد |
وفي كل شيء له آية |
|
تدل على أنه واحد |
أقول ؛ فابتداء كلامه سبحانه وتعالى في الفاتحة بالحمد لله رب العالمين يشير إلى تقدير توحيد الربوبية المترتّب على توحيد الألوهية المقتضى من الخلق تحقيق العبودية وهو ما يجب على العبد أولا من معرفة الله سبحانه وتعالى والحاصل أنه يلزم من توحيد العبودية توحيد الربوبية دون العكس في القضية لقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) (٢). وقوله سبحانه حكاية عنهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) (٣). بل غالب سور القرآن وآياته متضمنة لنوعي التوحيد ، بل القرآن من أوله إلى آخره في بيانهما وتحقيق شأنهما ، فإن القرآن إما خبر عن الله وأسمائه وصفاته
__________________
(١) هو إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان أبو إسحاق العيني المعروف بأبي العتاهية. ولد سنة ١٣٠ ه ، وتوفي في بغداد سنة ٢١١ ه. وله ديوان شعر مشهور.
(٢) لقمان : ٢٥.
(٣) الزّمر : ٦.