____________________________________
قول من قال : إن الإيمان غير مخلوق ينطبق على الإيمان الذي هو من صفات الله تعالى من أسمائه الحسنى : المؤمن كما نطق به الكتاب العزيز ، وإيمانه هو تصديقه في الأزل بكلامه القديم وإخباره الأزلي بوحدانيته كما دلّ عليه قوله تعالى : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي) (١). ولا يقال : إن تصديقه محدث ولا مخلوق تعالى الله أن يقوم به حادث انتهى ، ولا يخفى أن الكلام ليس في هذا المرام إذ أجمعوا على أن ذاته وصفاته تعالى أزلية قديمة ، وإن اعتبر هذا المبنى لا يصحّ أن يقال الصبر والشكر ونحوهما مخلوق حيث وردت معانيها في أسماء الله تعالى الحسنى. بل السمع والبصر والحياة والقدرة وأمثالها ، ولا أظن أن أحدا قال بهذا العموم ، وأوجب الكفر بهذا المفهوم الموهوم لأن صفاته سبحانه مستثناة عقلا ونقلا.
ومنها : أن الإيمان باق مع النوم والغفلة والإغماء والموت وإن كان كلّ منهما يضادّ التصديق والمعرفة حقيقة ، لأن الشرع حكم ببقاء حكمهما إلى أن يقصد صاحبهما إلى إبطالهما باكتساب أمر حكم الشرع بمنافاته لهما فيرتفع ذلك الحكم خلافا للمعتزلة في قولهم : إن النوم والموت يضادّان المعرفة فلا يوصف النائم ولا الميت بأنه مؤمن ، كذا ذكره ابن الهمام ، لكنه مخالف لما في المواقف عنهم أنهم قالوا : لو كان الإيمان هو التصديق لما كان المرء مؤمنا حين لا يكون مصدّقا كالنائم حال نومه والغافل حين غفلته وأنه خلاف الإجماع انتهى. فارتفع النزاع.
ومنها : أن إيمان المقلد الذي لا دليل معه صحيح ، قال أبو حنيفة رحمهالله ، وسفيان الثوري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد وعامّة الفقهاء وأهل الحديث رحمهمالله تعالى صحّ إيمانه ، ولكنه عاص بترك الاستدلال ، بل نقل بعضهم الإجماع على ذلك ، وعند الأشعري لا بدّ أن يعرف ذلك بدلالة العقل وعند المعتزلة ما لم يعرف كل مسألة بدلالة العقل على وجه يمكنه دفع الشبهة لا يكون مؤمنا.
قال القونوي : عند المعتزلة إنما يحكم بإيمانه إذا عرف ما يجب اعتقاده بالدليل العقلي على وجه يمكنه مجادلة الخصوم وحلّ جميع ما يوردونه عليه من الشبهة حتى إذا عجز عن شيء من ذلك لم يحكم بإسلامه ، وقال الأشعري : شرط صحة الإيمان أن يعرف كل مسألة من مسائل الأصول بدليل عقلي غير أن الشرط أن يعرف ذلك بقلبه ، ولا
__________________
(١) طه : ١٤.